استهداف إيران من الداخل لإجبارها على تعديل سياساتها في الخارج
2 يوليو، 2017
العرب
مع وصول الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض بدأت مساحة الخلافات مع إيران تتزايد بشكل ملحوظ. ولم تعد هذه الخلافات تتركز فقط حول محاولات إيران الالتفاف على الاتفاق النووي الذي توصلت إليه مع مجموعة 5+1 في الـ14 من يوليو 2015 وإجرائها تجارب لإطلاق صواريخ باليستية، بل تجاوزت ذلك وامتدت إلى دعم إيران للإرهاب ونفوذها في دول الأزمات.
وبدا أن ثمة اهتماما يتزايد من جانب واشنطن بإجراء تغيير من داخل إيران نفسها يدفع في اتجاه إحداث تحوّل كبير في سياستها الخارجية، وهو ما عبر عنه وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون في كلمته أمام الكونغرس خلال جلسة مناقشة الميزانية المخصصة لوزارته في الموازنة الجديدة، في الـ15 من يونيو 2017 بأن “سياسة أميركا تجاه إيران تركز على دعم القوى الداخلية من أجل إيجاد تغيير سلمي للسلطة في هذا البلد”.
لم تكن هذه التصريحات اللافتة الأولى من نوعها حيث توازت مع دعوات أطلقها أقطاب من الحزب الجمهوري مثل رئيس لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ السيناتور جون ماكين وأيضا السيناتور عن ولاية أركنساس توم كاتن، إلى “مساعدة الشعب الإيراني ليتحرر”، وهو ما يشير إلى أن المواجهة مع إيران سوف تكون على الأرجح الطريقة الأنسب بالنسبة إلى الإدارة الحالية من أجل كبح جماح الدور الإيراني الذي تسبب في زعزعة الاستقرار في المنطقة.
لم تنجح سياسة الانفتاح التي تبنتها إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما تجاه طهران، والتي تمثلت أبرز معالمها في توجيه رسائل مباشرة إلى المرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي وإجراء مفاوضات سرية مع إيران، في تحقيق نتائج إيجابية تؤدي إلى حدوث تحوّل في السياسة الإيرانية بشكل يقلص من طابعها الراديكالي التدخلي في شؤون المنطقة.
تبني سياسة أكثر تشددا تجاه إيران ربما يكون، في رؤية إدارة ترامب، هو المدخل الأساسي لدفع إيران نحو إجراء تغيير حقيقي في سياستها الخارجية. ويبدو أنها تستند في هذا السياق إلى الخبرة التاريخية التي تكشف أن إيران تُقدِم على اتخاذ خطوات براغماتية عندما تدرك أنها تواجه تهديدا قويا من الخارج، وهو ما يبدو جليا، على سبيل المثال، في تعليقها في أكتوبر 2003 عمليات تخصيب اليورانيوم وتوقيعها على البروتوكول الإضافي لمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية الذي يتيح إجراء عمليات تفتيش مفاجئة من جانب الوكالة الدولية للطاقة الذرية وذلك عندما اعتبرت أن العراق ربما لن يكون الدولة الأخيرة التي قد تتعرض للغزو من جانب الولايات المتحدة .
اللافت في هذا السياق أن واشنطن لم تحدد ماهية الأطراف التي يمكن دعمها لتحقيق هذا الهدف حيث أن مصطلح “القوى الداخلية” يمثل إطارا عاما يضم أطيافا مختلفة تتباين مواقعها من النظام السياسي الإيراني وتختلف مواقفها بشكل كبير إزاء القضايا الداخلية والخارجية، وهو ما يمكن تفسيره في ضوء عدم تبلور إستراتيجية أميركية واضحة في هذا الصدد، في ظلّ تعدد الملفات الإقليمية التي تحظى بأولوية خاصة لدى الإدارة الأميركية.
ساهم ذلك في ظهور اتجاهات رئيسية أميركية ثلاثة تتبنى آليات مختلفة لتنفيذ فكرة إحداث تغيير من داخل إيران، وهو ما كشفت عنه تصريحات بعض المسؤولين الأميركيين وكتابات عدد من الخبراء والمتخصصين.
يرى الاتجاه الأول أنه يمكن التعويل على دور ما يسمى بـ”المعتدلين” من داخل النظام السياسي في تنفيذ تلك المهمة على غرار الرئيس حسن روحاني الذي اعتبر أن فوزه في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية التي أجريت في الـ19 من مايو 2017 على رجل الدين المتشدد إبراهيم رئيسي الذي يحظى بدعم واضح من جانب المرشد علي خامنئي والمؤسسات النافذة في النظام قد يوفر فرصة لإجراء تغيير في السياسة الإيرانية باعتبار أن الرئيس سيكون أكثر استقلالية خلال فترته الرئاسية الثانية التي سوف تبدأ في أغسطس القادم.
غير أن هذا الاتجاه يغفل أن هناك متغيرات عديدة تتحكم في تحديد اتجاهات السياسة الإيرانية بشكل يضعف من قدرة الرئيس وتيار المعتدلين بشكل عام على إحداث تحول فيها، خاصة وأنها ليست المرة الأولى التي يصل فيها المعتدلون إلى السلطة، وتحديدا رئاسة الجمهورية، حيث لم ينجحوا خلال الفترات الماضية في تحقيق ذلك في ظل السلطات الواسعة التي يمنحها الدستور للمرشد والنفوذ الواسع الذي تحظى به المؤسسات الأخرى في النظام وفي مقدمتها الحرس الثوري.
كما أن أيّ تغيير محتمل قد يقدم عليه المعتدلون من داخل النظام ربما لن يكون واسعا خاصة أنهم يتفقون مع النظام على الركائز الأساسية للسياسة التي يتبناها في الداخل والخارج، فيما تبقى التباينات محدودة حول العديد من القضايا مثل القيود المفروضة على الحريات السياسية والاجتماعية في الداخل.
ويدعو الاتجاه الثاني إلى التركيز على القوميات العرقية الإيرانية، باعتبار أنه يمكن استغلال التوتر الذي تتسم به العلاقة بين النظام الإيراني وهذه القوميات في تعزيز إمكانية إجراء تغيير من الداخل. ويستند في هذا الصدد إلى اعتبارين أولهما أن هذه القوميات ترتبط عرقيا ببعض دول الجوار، وهو ما يعزز بصفة مستمرة من نزعاتها الانفصالية، على غرار القومية الآذرية التي ترتبط عرقيا بأذربيجان، إلى جانب الأكراد الذين يرتبطون بالإقليم الكردي العابر للحدود بين كل من إيران وتركيا وسوريا والعراق، والذين اتهمت السلطات الإيرانية بعض عناصرهم بالانضمام لتنظيم داعش وتنفيذ العمليات التي وقعت في المبنى الإداري التابع لمجلس الشورى الإسلامي (البرلمان) وضريح الخميني في الـ7 من يونيو 2017.
وثانيهما أن بعض المجموعات داخل هذه القوميات بدأت في الاتجاه نحو تأسيس أجنحة مسلحة معارضة للنظام، مثل تنظيم “جيش العدل” الذي ينتمي لقومية البلوش التي تقطن المناطق الواقعة على الحدود بين إيران وأفغانستان وباكستان، وتتهمه السلطات الإيرانية باستخدام حدودها مع الأخيرة لشن هجمات ضد قوات حرس الحدود، كان آخرها الهجوم على قوات حرس الحدود في الـ26 من أبريل 2017، ما أسفر عن مقتل عشرة منهم.
مع ذلك فإنه لا يمكن التكهن بمدى قدرة تلك القوميات على فرض ضغوط قوية على النظام تدفعه لتغيير سياساته، خاصة في ظل عدم وجود مؤشرات تكشف عن إمكانية وصولها إلى تفاهمات أو توافقات فيما بينها حول آليات التعامل مع النظام. فضلا عن أن الأخير يحرص باستمرار على اتهام بعض تلك المجموعات التي تنتمي لتلك القوميات بـ”العمالة للخارج”، ويستغل ذلك في فرض قيود شديدة عليها وتبني سياسة قمعية في مواجهتها.
يمكن القول إن النظام قد يستغل أيّ دعوة خارجية لدعم القوميات الإيرانية من أجل تصعيد حملاته في مناطقها وتضييق الخناق عليها، بالتوازي مع عدم الاهتمام بمطالبها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. أما الاتجاه الأميركي الثالث في التعامل مع طهران فهو مساندة المعارضة الإيرانية في الخارج. وقد بدأ الاهتمام الدولي بقوى المعارضة الإيرانية في الخارج يتزايد خلال الفترة الأخيرة خاصة في ظل حرص بعض الدول الغربية على منح الأولوية لقضايا معينة في تفاعلاتها مع إيران على غرار قضية حقوق الإنسان التي ربما تكون مدخلا لفرض عقوبات جديدة على طهران خلال المرحلة القادمة في ظل الانتهاكات المستمرة التي ترتكبها مؤسسات النظام، خاصة تجاه القوميات والأقليات والمعارضة السياسية.
رغم ذلك فإن تقييم مدى قدرة المعارضة الخارجية على فرض تهديدات حقيقية للنظام الإيراني يواجه إشكاليات عديدة، خاصة أنه لا يمكن تحديد مدى قوة قواعدها الشعبية التي يمكن أن تستند إليها في الداخل، فضلا عن أن بعض الدول التي تهتم بقضاياها ما زالت حريصة على تأسيس علاقات مع النظام الحالي وتحديدًا بعد الوصول إلى الاتفاق النووي.
على ضوء هذه المعطيات، يمكن القول إن منح الإدارة الأميركية اهتماما خاصا لقضية التغيير من الداخل ربما يمثل مرحلة جديدة في تفاعلاتها مع إيران، ومتوقع أن يكون التصعيد هو العنوان الرئيسي لتلك التفاعلات خلال الفترة القادمة بشكل سوف تتضح معه تدريجيا الآليات التي سوف تستند إليها واشنطن من أجل تحقيق هذا الهدف، وهو ما سوف يفرض تداعيات مباشرة سواء داخل إيران أو على الساحة الإقليمية.