تحضيرات النظام لـ “أستانا”: تقدّم في البادية وكلور وتفجيرات بدمشق


مع انعقاد اجتماع أستانا، حاول النظام قضم قدر ما يستطيع من مساحات جغرافية سواء على حساب فصائل المعارضة أو تنظيم “الدولة” الذي يواصل انحساره في مجمل الأراضي السورية.

ويسعى النظام من هذه التحركات لفرض وقائع جديدة على الأرض يكون لها الدور الحاسم عند رسم خرائط “مناطق خفض التصعيد” المقرر أن يتم رسمها في أستانا.

وقد أحرزت قوات النظام تقدماً لافتاً على حساب تنظيم الدولة في الريف الشرقي لحلب وصولاً إلى الرقة، مبعدةً التنظيم عن مجمل الريف الشرقي لحلب، كما حققت تقدماً مماثلاً في الريف الشرقي لحمص وكذلك في القلمون الشرقي، لتتوغل في عمق البادية وصولاً إلى الحدود العراقية التي أخذت فيها موطئ قدم، ودخلت الحدود الإدارية لمحافظة دير الزور من الجنوب لأول مرة منذ خمس سنوات.

ونشرت مواقع عسكرية تابعة لنظام الأسد، مقاطع مصورة تشير إلى أنها تحشد  بالتعاون مع من وصفتهم بالقوات الرديفة للسيطرة على محافظة ديرالزور، ووفق تلك المواقع، فإن قوات النظام تمكنت من السيطرة على تلال استراتيجية بالقرب من منطقة حميمة بريف ديرالزور الجنوبي، عقب اشتباكات مع تنظيم الدولة، حيث تظهر المقاطع المصورة دبابات عسكرية ومدرعات إضافة إلى أسلحة ثقيلة تنتشر في بادية مدينة البوكمال جنوبي ديرالزور، وتشتبك مع تنظيم الدولة، وكان التنظيم أصدر قراراً منع بموجبه دخول المدنيين إلى البادية السورية، التي أكد أنه زرعها بالألغام تحسباً لأيّة عمليات عسكرية ضده  في ديرالزور.

إخفاق

ومقابل هذا النجاح في شرقي البلاد، لم تحقق قوات النظام أي تقدم في الجبهتين الأخريين، في محيط دمشق، وفي درعا جنوبي البلاد.

وقد أخفقت عدة هجمات معاكسة قامت بها للتقدم في الغوطة الشرقية، وفصل حي جوبر عن الغوطة، ما دفع بتلك القوات أخيراً إلى استخدام أسلحة محرمة دولياً، متمثلة في مادة الكلور السام، التي ألقتها قوات النظام على بلدتي زملكا وعين ترما عدة مرات ما أوقع عشرات المصابين بين المقاتلين والمدنيين دون أن تنجح في تحقيق تقدم.

وقال “فيلق الرحمن” العامل في الغوطة الشرقية عبر حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي إن أكثر من 30 شخصاً أصيبوا بحالات اختناق جراء هذا الاستهداف. واعتبر أن ذلك يأتي انتقاماً للخسائر التي تكبدتها قوات النظام خلال إحباط مقاتلي الفيلق لمحاولة اقتحام بلدتي زملكا وعين ترما ومحاصرة حي جوبر شرقي العاصمة دمشق.

خط أحمر جديد

 والواقع أن قضية استخدام النظام للسلاح الكيمياوي عادت إلى السطح مجدداً، مع التحذيرات الأمريكية والغربية المتوالية للنظام من أن تجاوزه “الخط الأحمر” مجدداً سيكون له عواقب وخيمة، وقالت الولايات المتحدة إنها رصدت نشاطاً مشبوهاً في مطار الشعيرات، يماثل ما كان عليه قبل الهجوم الكيميائي السابق على خان شيخون.

وفي تلك الأثناء، أكدت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية في تقرير سري أن غاز السارين السام استخدم بالفعل في الهجوم الجوي على بلدة خان شيخون السورية في الرابع من نيسان؛ مما أدى إلى مقتل 87 شخصاً، بينهم 31 طفلاً.

وقال تقرير لخبراء منظمة حظر الأسلحة الكيميائية تم توزيعه على أعضاء منظمة حظر الأسلحة الكيميائية في لاهاي في ختام تحقيقهم حول هذا الهجوم، إن “عدداً كبيراً من الأشخاص -مات بعضهم- تعرضوا للسارين أو لمنتج من نوع السارين”.

وستشكل خلاصة هذا التحقيق الذي اعتمد على مقابلات مع شهود عيان وتحليل عينات أُخذت من مكان الحادث، أساساً للجنة تحقيق مشتركة بين الأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية، ستكون مهمتها تحديد ما إذا كانت قوات النظام هي المسؤولة عن هذا القصف الكيميائي على البلدة الخاضعة لسيطرة فصائل المعارضة.

غير أن النظام لاقى مساندة هذه المرة أيضاً من حليفتيه روسيا وإيران، واعتبرت المتحدثة باسم الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، أن اتهامات الولايات المتحدة  للنظام في هذا الصدد عمل استفزازي عسكرياً وإعلامياً وليس موجهاً “ضد سوريا وحسب، بل كذلك ضد روسيا، ويمهد للتدخل في سوريا”.

كما حذر أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، علي شمخاني، من أن الولايات المتحدة تلعب بالنار في سوريا، واعتبر أن “التهديدات الأمريكية تغطية على الهزيمة المستمرة لمحور الإرهاب في مواجهة التقدم الكبير والمصيري للجيش السوري”، على حد قوله.

أسلوب تقليدي

ومع تصاعد التحذيرات للنظام من عواقب استخدام أسلحة كيمياوية وإقدامها بالفعل على استخدام نوع مخفف من تلك الأسلحة، وعلى أعتاب اجتماع أستانا، يبدو أن النظام وجد نفسه “مضطراً” للتغطية على موقفه، فلجأ إلى أسلوبه التقليدي في اختلاق تفجيرات في دمشق، بغية تصوير نفسه كضحية لـ”الإرهاب” ومكافح رئيس له، حيث انفجرت ثلاث سيارات مفخخة في عدة مناطق من العاصمة، ما تسبب بسقوط قتلى وجرحى من قوات النظام والمدنيين.

وبحسب رواية النظام، فان الأجهزة الأمنية التابعة له استطاعت إحباط محاولتي تفجير أيضاً، حيث لاحقت- بحسب زعمه- ثلاث سيارات مفخخة وضبطت اثنتين عند عقدة المطار بطريق العاصمة دمشق، إلا أن الثالثة انفجرت وتسببت بمقتل وإصابة العشرات نصفهم من عناصر النظام.

واتهمت فصائل المعارضة قوات النظام بتدبير التفجيرات، أو تسهيل تنقل منفذيها من أجل تحقيق مكاسب سياسية تتمثل خاصة في صرف الأنظار عن استهدافها زملكا وعين ترما بغاز الكلور السام، ولإظهار النظام بأنه ضحية لعمليات “إرهابية” عشية اجتماع أستانا وفي ضوء التهديدات الأمريكية للنظام.

 

 لا وقائع جديدة

ويتمثل الإخفاق الآخر في جبهة درعا، إذ لم تتمكن قوات النظام خلال شهر كامل من الضغط العسكري المكثف، مسنودة من الميليشيات الأجنبية، وبالطيران الروسي، من التقدم شبراً واحداً في جبهات درعا.

وبات من الواضح أن المعركة مرتبطة إلى حد بعيد بالجهود المبذولة لرسم خرائط “مناطق تخفيض التصعيد”، حيث دفع النظام منذ بداية الشهر الجاري بقوات كبيرة إلى الجنوب السوري في محاولة لخلق وقائع جديدة هناك يكون لها القول الحاسم في تحديد تلك المناطق، ساعياً بشكل خاص إلى إنهاء وجود المعارضة المسلحة في مدينة درعا والوصول إلى الحدود مع الأردن للسيطرة على معبر نصيب، وقطع التواصل بين مناطق المعارضة في الريفين الشرقي والغربي.

غير أن جهود النظام العسكرية باءت بالفشل حتى الآن، وقد تكبد خسائر فادحة في الأرواح والمعدات، ما دفعه، مع حليفه الروسي إلى التعويل على المفاوضات لتحقيق ما عجز عنه في ساحة المعارك.

ويبدو أن المفاوضات المتقطعة التي جرت في العاصمة الأردنية عمان منذ منتصف الشهر الماضي أسفرت عن التوافق على بعض النقاط، لكن بقيت هناك خلافات جوهرية حول نقاط أخرى، وهو ما يفسر انخفاض وتصاعد وتيرة عمليات القصف الجوي والصاروخي على درعا من جانب قوات النظام والطائرات الروسية، حيث يستخدم التصعيد العسكري كوسيلة ضغط في المفاوضات، مقابل دعم أردني وأمريكي لبعض الفصائل المشاركة في المعركة مع قوات النظام، بغية منع الأخيرة من تحقيق تقدم على الأرض يجعله يفرض نفسه على طاولة المفاوضات.

رسم الخرائط

وكانت مصادر عدة أشارت إلى أن مفاوضات عمان، ومجمل المفاوضات المرتبطة بمسألة ترسيم حدود “مناطق خفض التصعيد” في المناطق الثلاث الأخرى المشمولة بالاتفاق (إدلب والغوطة وريف حمص الشمالي) تصطدم حتى الآن بثلاث عقبات رئيسة:  رسم حدود هذه المناطق، وهوية الجهات التي ستقوم بمراقبة تنفيذ الاتفاق وإدارة هذه المناطق، وتلك التي سوف تسيطر على المعابر بين هذه المناطق، وبينها مع العالم الخارجي.

وبالنسبة للمنطقة الجنوبية، انضمت إسرائيل إلى الأردن في الاعتراض على مشاركة الميليشيات التي تدعمها ايران في الرقابة على “المنطقة الآمنة” في الجنوب، وهو ما ولّد ضغطاً على روسيا من أجل الموافقة على نشر قوات روسية كجزء من حماية المنطقة الجنوبية، بدل الميليشيات الإيرانية، ودفع إيران إلى التخلي عن طلبها المشاركة بشكل مباشر، أو من خلال الميليشيات التي ترعاها في الإشراف على إدارة “المنطقة الآمنة” المقترحة في درعا.

غير أن قضية السيطرة على المعابر، قد يكون لها الدور الحاسم في تحديد مصير هذه المناطق التي ستوفر ملاذاً آمناً للاجئين، وستدخلها المساعدات الانسانية، مع إمكانية توسيعها بضم مناطق أخرى تسيطر عليها قوات النظام أو المعارضة.

عملية عفرين

كما تتجه الأنظار إلى مدينة عفرين في أقصى الشمال الغربي للبلاد، حيث تتجهز القوات التركية وقوات المعارضة التي تدعمها للقيام بعملية عسكرية في مدينة عفرين التي تقول تركيا إنها باتت ممراً ومستقراً للعمليات الارهابية التي تنفذ في تركيا.

وبحسب صحيفة “صباح” التركية، فإن 20 ألف مقاتل من “الجيش الحر” مستعدون للعمليات العسكرية المقبلة ضد “وحدات حماية الشعب” في محيط مدينة عفرين بريف حلب الشمالي الغربي، ومدينة تل رفعت، وقاعدة منغ الجوية العسكرية، على أن تنتقل منطقة عفرين في وقت لاحق إلى مناطق خفض التوتر الأخرى، حيث سيضمن عسكريون روس وأتراك الأمن فيها.



صدى الشام