‘مشاريع “الآخرين” في سوريا: لكلّ دولةٍ حساباتها’
4 يوليو، 2017
حافظت إسرائيل على صمتها تجاه الثورة السورية فترة طويلة، مع أن الكل يعلم مصلحتها في استمرار ما يحدث، ومنذ العام الأول من عمر الثورة برزت عدة مشاريع استعمارية طفت على سطح الأحداث، وتجلت في المواقف والتصريحات والاصطفافات، إذ أعلنت إيران منذ البداية وقوفها ضد مصالح الشعب السوري لصالح نظام الأسد، وكان ثاني المواقف المعلنة لصالح النظام هو الموقف الروسي، بينما كانت التصريحات الأمريكية تظهر تعاطفاً لصالح الشعب السوري وتسكُت إزاء ما يجري من عنف، فيما كان الموقف التركي متأخراً قبل أن يتضح، فقد كان متعاطفاً مع مطالب الشعب السوري بينما تفرض علاقته الاقتصادية الطيبة بنظام الأسد أن يبذل جهداً كبيراً بمحاولة إقناع بشار الأسد ونظامه بإدخال إصلاحات تمتص الغضبة الجماهيرية، وتلبي شيئاً من مطالبهم، ولكن بشار خيب آمال الأتراك، ورفض طلباتهم مهمشاً وساطتهم مما بلورَ موقفاً تركياً واضحاً بالوقوف في صف الثورة ضد نظام دكتاتوري فاسد قاتل متآمر على شعبه.
الأسرع والأوضح
بالنسبة لباقي الدول كانت مواقفها أقل تأثراً وتأثيراً حتى مرحلة متقدمة من عمر الثورة، وبهذا يكون قد تبلورت لدينا أربعة مشاريع وكل مشروع له أهدافه انطلاقاً من الظروف الخاصة والظروف الموضوعية لكل دولة. فهناك المشروع الأمريكي الذي يحمل هموم إسرائيل ومخاوفها وطموحاتها إضافة إلى المصالح الأمريكية، والمشروع الروسي الواضح الأسباب والأهداف، والمشروع الإيراني الذي يعدّ أكثر المشاريع الاستعمارية وضوحاً وأقدمها على الأرض السورية حيث أنه لم يبدأ في زمن الثورة بل كان قد سبقها بعقود لذا لم يكن مفاجئاً لأحد.
أما المشروع التركي فقد فُرض على الأتراك أن يفكروا فيه بناء على الوقائع، فتركيا منشغلة بإنجاز نهضتها الاقتصادية والإدارية والسياسية بعد أن كان اقتصادها تابعاً لمدة لا تقل عن مئة عام تقريباً.
ولكن هذه المشاريع لم يكن خط سيرها متوازياً، ولا فترات نشاطها متزامنة، إنما كان بعضها أسرع من الآخر، فقد كان الإيرانيون الأسرع في التدخل والظهور المستتر بداية، ثم ما لبث ان أصبح ظاهراً وكلما مرّ الزمن كان التدخل الإيراني أكثر ظهوراً وفجاجة، فقد بدأ تدخلهم عن طريق المراقد والحسينيات ثم أجهزتهم الأمنية والخبراء الذين تغلغلوا في كل مفاصل الدولة العسكرية والمدنية، ثم عن طريق دفعهم لـ “حزب الله” اللبناني الذي يعتبر ذراعاً عسكرية لإيران، لكن هذا لم يكفِ، فدفعوا بالميليشيات الشيعية العراقية والأفغانية وغيرها.
هذا الإدعاء كان غطاءً لأهدافهم الاستعمارية والتي حققوا جزءاً كبيراً منها بتواطئ أجهزة النظام معهم منذ ما قبل الثورة، ثم حققوا المزيد من منها أثناء الثورة.
فرصة لنفوذ أكبر
كانت أهداف الروس ظاهرة حتى قبل بدء الثورة، فبعد انهيار الاتحاد السوفييتي وانفصال مجموعة الدول التي كانت تابعة له أصبحت روسيا أقل امتداداً جغرافياً وأقل مواردًا، وقد انحسر نفوذها الخارجي وأصبحت تجارتها الخارجية تعتمد على تصدير السلاح والنفط والغاز، فيما كانت بحاجة للحفاظ على علاقتها بسوريا وعلى نظامها لحماية مصالحها. بالإضافة إلى حاجتها لحدث ما يعيدها إلى واجهة الأحداث الدولية التي خرجت منها وأصبح العام يعاملها وكأنها دولة من دول العالم النامية (وهذا حدث مهم ومناسب يجب استغلاله).
وفضلاً عن ذلك كان البقاء في البحر المتوسط عبر قاعدة طرطوس البحرية هدفاً آخر للروس، دون أن ننسى سعيهم الدائم لسوق لسلاحهم، وبالمحصلة صبت الظروف في مصلحتهم بالكامل لا سيما أن الولايات المتحدة كانت تدير ظهرها للأحداث الدولية وليست كسابق عهدها، لذلك تمسكت روسيا ببشار الأسد، الذي من خلاله يتم تهيئة الظروف التي تناسبها وتحقق طموحاتها، وكان لها ما أرادت فقد وقعت اتفاقية مع نظام بشار تكفل لها مكاسب لم تكن تحلم بها من قواعد بحرية وجوية ونفط وغاز مقابل الإستمرار في حماية بشار وكرسيه.
في خدمة دولة الاحتلال
ليس جديداً وصف الولايات المتحدة بأنها القطب الأوحد في العالم الذي يأذَن بحل مشكلة ما أو يتركها تتفاعل وتتفاقم، وبالتالي فهي ومنذ بداية الثورة السورية لم ترغب بحل سريع، بل تركت الأمور تتفاقم كي يتم استنفاذ جميع العناصر المشاركة، لتتعقد المشكلة ويصعب حلها، وهذا ما حصل أو تركوه يحصل.
ومع أنه من المفروض نظرياً أن يراعي المشروع الأمريكي مصالح واشنطن وحسب، فإن إسرائيل وأهدافها تكمن في كل التفاصيل، وبالتالي فهي صاحبة الدور الخفي فيما يحدث بسوريا، إذ أنها هي التي منعت التدخل في سوريا، ومن سمح لطيران النظام بملاحقة الثوارعلى الشريط الحدودي في منطقة فصل القوات حسب اتفاقية الهدنه 1974 التي تمنع الطيران السوري من التحليق في تلك المنطقة، كما أن الاتفاقية تمنع وجود عتاد حربي سوري ثقيل بعمق 30 كم بدءًا من خط الفصل، هذا التصرف كان دليلاً واضحاً على شعور إسرائيل بالسعادة بما يجري على الأرض السورية، أما الدليل الأكبر فقد توضح بعد أن قصف نظام العصابة الحاكمة في دمشق الغوطة الشرقية ومدينة معضمية الشام في الغوطة الغربية بالمواد الكيمياوية في 21/8/2013 حينها تجاوز عدد شهداء تلك المجزرة الألف وعدد الإصابات بالآلاف، واستعد البيت الابيض عندها لتنفيذ ضربة قاصمة للنظام، باعتباره قد تجاوز الخطوط الحمر التي حددها له باراك أوباما الرئيس الأمريكي السابق، وظهر ارتباك النظام جلياً، وهرب الكثير من ضباطه وجنوده من قطعاتهم، وتوجه بعض الهاربين إلى لبنان فاراً بنفسه وبالأموال التي سرقها، تاركاً سوريا ونظامها للمصير المحتوم، عندها توجه إيهود باراك بزيارة للبيت الأبيض، وساكنه باراك أوباما، فتغيرت نبرة واشنن مباشرة للتتغير التصريحات تالياً ولتمسح الخطوط الحمر، ويصبح حل القضية بتسليم السلاح الكيمياوي لدى النظام وتنتهي القضية، وبهذا تكون إسرائيل قد حققت هدفين في آن واحد وهما: تخلصها من السلاح الكيمياوي الذي كان يؤرقها، والمحافظة على وتيرة القتل للشعب السوري وسحق البنية التحتية لسوريا بالكامل، وهذا يدل دلالة واضحة على المتابعة الحثيثة من إسرائيل لمجريات الأمور، وتعهد ساكن البيت الأبيض كائناً من كان بحماية مصالح دولة الاحتلال.
ويكفي هنا أن نذكر ما حدث في الآونة الأخير حيث أصدرت وزارة الدفاع الإسرائيلية بياناً اعتبرت فيه منطقة القنيطرة وما حولها من تلال منطقة عسكرية مغلقة، دون أن يحتج النظام أو أي جهة دولية، مع أن الأرض التي حددتها إسرائيل سوريّة، وليس من حقها أن تصدر بياناً يخص أرضاً تحت سيادة دولة أخرى (إذا فرضنا أن لسوريا اليوم سيادة)، وكان هذا كافيا ليمتنع نظام بشار من الاقتراب ولو بجندي واحد إلى تلك المنطقة.
على هذا الأساس نخلص إلى نتيجة مفادها أن المشروع الأمريكي هو المشروع الصهيوني ذاته، لكن بذراع أخرى، وما مشاريع التقسيم التي تمرّ تحت اسم المناطق منخفضة التوتر- أو سيعتبرونها مستقبلاً مناطق آمنة- إلا مقدمة لتقسيم سوريا إلى عدة دويلات، وهذه أهداف إسرائيلية تنفذ بأيادٍ أمريكية ودولية.
الحد الأدنى
تتجاور سوريا وتركيا بخط حدود مشترك يصل إلى 850 كم، والفوضى في سوريا تؤثر سلباً على الأمن في تركيا لا سيما أن لنظام بشار أداوت تخريب متعددة في تركيا، فالعلويون الأتراك يصل عددهم إلى 13 مليون نسمة، ومنهم الكثير على تواصل مع الداخل السوري وتربطهم صلات قربى ونسب، ومنهم مؤيدون لنظام بشار.
وهناك على الحدود المشتركة مجموعات الأكراد التابعين لحزب الـ PKK تناهض نظام الحكم في تركيا منذ ثمانينيات القرن الماضي، وهذان الفريقان (الكرد والعلويون) أدوات ضغط وزعزة الأمن التركي، لذا كان شعور تركيا بضرورة التدخل حفاظاً على أمنها.
يضاف هذا لشعور تركيا بقرب التواصل مع الشعب السوري حيث حكمت تركيا العثمانية الوطن العربي ومنه سوريا لمدة 400 عام إضافة إلى وحدة الدين والجغرافيا وقرابة الأنساب والتصاهر.
وتركيا تدرك تمام الإدراك أن سعي المجتمع الدولي لإطالة واستمرار الأزمة في سوريا يستهدف تركيا من حيث النتيجة، كما تدرك أن الهجمة في جزء كبير منها هي هجمة على الإسلام، كما أنها تشعر أن الوطن العربي هو عمقها الاستراتيجي، بعد أن يئست من الغرب والتقارب معه.
بناء على ما تقدم ونتيجة وعي الغرب لمدى التقارب بين الأتراك والعرب السوريين فقد حاول حرمان تركيا من لعب دور هام في حل “القضية السورية”، وما الدور التركي اليوم (والبعض يلوم تركيا) إلا قبول بالحد الأدنى الذي يمكن القبول به، مما يمكن فعله، نظراً للقوى الدولية المشتركة وأهداف كل دولة على حده، والتي تتفق بمجملها على أهداف تضر وحدة التراب السوري وتضر الثورة وتركيا بآن واحد، واتفاق الجميع على تحييد تركيا حتى أصبح دورها ينحصر في الحفاظ على أمنها القومي، دون القدرة على فعل ما هو أكثر من ذلك.
[sociallocker] صدى الشام[/sociallocker]