حتى لا يكون وأد الثورة نهاية المطاف
12 تموز (يوليو - جويلية)، 2017
نزار السهلي
ما يرسي قواعدَ تمثيل نضال الشعب السوري في المفاوضات وجبهات قتال النظام، بوصفها مراجع مهمة للتمثيل السياسي والعسكري والمدني، نقاط ٌمركزية تفقد الإجماع، ليس لعدم توفره بل لتشتته، وما يجب إقراره، في هذا المضمار، هو غياب وحدة التمثيل؛ فما هو متوفر ليس على المستوى المطلوب، وهو بحاجة إلى مزيد من التنشيط والتجديد، بخاصة في مواجهة المحاور العديدة المتحدة على هدف إجهاض ووأد ثورة الشعب السوري، وضرب قضيته العادلة في مقتل التناحر المستمر على راياتٍ، تسمياتها متضخمة أكثر من فعلها على الأرض.
عدا عن الخنجر المسموم الذي سنّه النظام بداعشية ومذهبية وطائفية، كطعنة في خاصرة الثورة، كإحدى المحاولات المستهدفة إشاعة وسم “الإرهاب” على النضال المشروع للسوريين، فإن تعدد التشكيلات المعارضة وتقديمها مطالب مختلفة تستهدف إشاعة الشك حول تمثيل المطلب الأساس لثورة الشعب السوري، وقد أسهمت ظروف عدة في تضارب المصالح والأهداف، بعدم الحسم بشكل قاطع في طرح التمثيل المناسب والمتوافق عليه إلا من بوابة التأثير الإقليمي والدولي على قوى المعارضة، وكان هذا جليًا منذ جولات أستانا المتعددة وجنيف بجولته الأخيرة التي انطلقت قبل أيام.
منذ البداية، بعد تجميد عضوية النظام في مقعد الجامعة العربية، وتركه فارغًا، وتعاطي المجتمع الدولي مع موفدي النظام وتمثيله الدبلوماسي بكثير من التحابي والتدليس، اتضحت مرامي انتحال العبارات المزيفة عن دعم المعارضة وتمثيلها الجزئي عربيًا، وغياب تمثيلها دوليًا، للحلول محل بعثات النظام، والأنكى أن بشار الجعفري ممثل النظام في الأمم المتحدة بقي على كرسي تمثيل القاتل يُلقي خطبه السمجة، والعالم يستمع إليه، وعسكريًا بقيت قطارة الدعم الشحيح ناظمًا لعمليات الكر والفر بين المعارضة المسلحة وقوات النظام المدعومة من دولة عظمى وأخرى إقليمية، بالمقابل يتصرف بعض معارضي النظام، كأنه فاقد، إلى حد ما، القدرةَ على ترتيب سلم الأولويات الراهنة، هذا بحد ذاته يُشكّل منزلقًا خطرًا لا بدّ من تجنبه، وإن ظهر هذا التجنب كأنه طمس لدراسة البدائل، وعجز عن تقديم مراجعة ناقدة لمسيرة الأعوام الخمسة الماضية؛ فإن وحدة تمثيل المعارضة تنطوي على مسلمات مبدئية لمقارعة نظام فاشي مستبد، لكن هذه الثوابت يجب ألا تكون حائلًا أمام مناقشة جملة تغييرات مهمة، من دون أن تتعرض للمبادىء والمسلمات التي ثار من أجلها الشعب السوري ومن دون فقدان القدرة على التمييز بين الثوابت والمتغيرات.
صحيح أن الثورة السورية، وتمثيلها المعارض بشقيه السياسي والعسكري، ليست في موقع يجيز لها مراجعة حقيقية، من حيث تركيب بنية الفصائل المعارضة سياسيًا وعسكريًا، إلا أنها استطاعت دكَّ بنية النظام وخلخلتها، وهي في وضعية التشتت والتشرذم، فكيف سيكون الحال مع التغيير “المأمول” إن شُكّل على قاعدة الاتحاد مع الهدف والمصير في ظرف تقفل فيه أبواب الاستفادة من المتغيرات العربية والدولية نحو مزيد من التردي وترسيخ عوامل القهر والظلم أمام السوريين وقضيتهم العادلة.
جولات التفاوض، بنسخها السويسرية والكازاخية، مع نظام كهذا، إن بقيت دون مضمون حي ووحيد، يفضي إلى رحيل النظام، فإنها ستبقى عنوانًا ساترًا لشلل، وهو أخطر من غياب الوحدة المنشودة بين مكونات المعارضة المختلفة، لأن بقاء الغطاء التفاوضي، بشكله وجوهره، يحول دون تنفيذ المضمون لرحيل النظام، خصوصًا الظهور كمن يسعى نحو تفريغ الثورة من محتواها الأساس، والبناء على هدنة هناك وتفصيل صغير هنا بخفض التوتر؛ التوتر والتصعيد سيبقى قائمًا، وإن بدت قدرية المجتمع الدولي بقبول إعادة تسويق المجرم من جديد، وحتى لا يكون آخر المطاف جر المجتمع السوري نحو السراب وإلهائه بأوهام أخرى، فإن المحذور التآمري سيبقى قائمًا مما يتطلب وعيًا ويقظة مستمرة، هي موجودة لدى السوريين، والمطلوب منهم الالتفات إليها والتعويل عليها أول المطاف وآخره.
[sociallocker] [/sociallocker]