«أفراح» إيرانية..


المستقبل

مَن تابَعَ ويتابع النفخ الممنهج والاستثنائي في «انتصار» الموصل من قبَل إيران وجماعتها في نواحينا، يظنّ بأنّ الأمر يتعلّق بتحرير القدس نفسها! أو بوصول طلائع حشود الممانعين الى مشارف تل أبيب! أو بأمر آخر إحيائي بالتمام والكمال لمقوّمات سيادة «الأمّة» على أرضها وأهلها ومقدراتها، وتمويت كل عنصر انقسامي فتنوي تشظّوي فيها!
سياق المبالغات التعبويّة والاستنفاريّة أساسي ومركزي في مدوّنة سلوك إيران وجماعتها. والشكل فيه يتقدّم على المضمون. والعنوان أهم من التفاصيل. وهو إن دلّ على شيء حقيقي وفعلي، فإنما على الشغف بترسيخ منطق الغلَبَة وإشاعة ثقافته، ثمَّ توظيفه في سياقات قوميّة أحاديّة يشعر أصحابها بالحاجة الدائمة الى تأكيد تفوّقهم وريادتهم!
وذلك أساس في سلوك اعتمدته وتعتمده إيران في مجمل مشروعها الهاجم في ديار العرب والمسلمين منذ نحو ثلاثة عقود.. من دون القدرة على فهم أو ملاحظة أي منطق سليم أو صحيح أو صحّي فيه. بحيث أنّ الانطباع، الذي لا تنقصه، روافد اليقين، يوصل الى استنتاج كئيب: كأنّ إيران مهجوسة بالتاريخ وتسكن فيه. ولا يهمّها في واقع الحال، أمر الحاضر ولا شؤونه. وليس كل ذلك التاريخ، إنما الجزء المفصلي الخاص بـ«دخول» الإسلام على إمبراطوريّتها، وانقلاب دنيا تلك الامبراطوريّة جذرياً!
و«الجلوس» في كتاب التاريخ على ما يقول الثقات، أمر غير صحّي، وولاّد انفصام بين الواقع والأوهام! ثمَّ فوق ذلك، ولاّد عُقَد تتحكّم بصاحبها الى حدِّ وصوله الى حالة انعدام القدرة على التمييز بين الصحّ والخطأ، والخطأ والخطيئة! ثمَّ تحكّم العقل الباطني بدقّة الأحكام البرّانية الواعية، وانطلاقاً من زاوية ثأرية حاسمة في وضوحها!
وإلا كيف يمكن صاحب الشأن في «الجمهورية الإسلامية» أن ينتشي الى هذا الحد بكل هذا التهتّك والخراب اللاحقين بأقوام المسلمين ومعتقداتهم، وصولاً الى اعتبار دمارهم ودمار مجتمعاتهم وثرواتهم شرطاً واجباً لاكتمال الاقتداء الإيراني؟! وكيف يمكن عدم «ملاحظة» حجم النكبة المتأتّية عن إغفال الجزء الإسلامي الذي يصدر عنه «العدو» الذي يجري تضخيم «الانتصار» عليه! أو الذي تجري عليه شيطنته على مدار الساعة! أو الذي تُعتبر بلاده المحروقة والمشلّعة، مراكز نفوذ تارة! ودلالات على «وصول» تأثيرات «ولاية الفقيه» تارة أخرى!
بدلاً من الإقرار بأنّ الأمر كارثة عامة، فعليّة و«ذاتيّة» الجذر والدفع والنشوء، وبدلاً من إشاعة منطق تأسّفي إزاء إرهاب وحشي تمارسه مجموعات مأزومة وملتبسة، مثلما تمارسه أنظمة عَدَمية يتسيّدها مثال نظام آل الأسد والجماعة الحوثية، مثلما تسيّدها سابقاً صدّام حسين من جهة، والقذافي من جهة ثانية.. وبدلاً من إظهار التأسّي على بلايا أصابت ملايين العراقيين والسوريين والليبيين واليمنيين واللبنانيين، وغيرهم.. بدلاً من ذلك وغيره، تنطلق «الأفراح» الإيرانية على وسعها من دون أي ضوابط أو فواصل أو قواطع، وكأنّ «الربط» اكتمل مع شواطئ فلسطين التاريخيّة! واعتدل الميزان أخيراً وعاد الفلسطينيون الى ديارهم! واكتملت «سيادة الأمّة» من دون أي تدخلات «أجنبية» فظّة أو عدائيّة أو ذات طموحات وجموحات خاصة بأصحابها، وعلى حساب دمار هذه «الأمة» ومقدّراتها!
وأي بلاء هذا؟!.
(*) كاتب لبناني




المصدر