مخافر نموذجية وشرطة مجتمعية … هل تلجم ارتفاع الجرائم؟
13 يوليو، 2017
«جريمة اليوم» زاوية قرّر موقع إلكتروني لبناني استحداثها بعد ارتفاع نسبة جرائم القتل وانتشارها بمستوى قياسي في البلاد أخيراً، لأسباب أقل أوصافها أنها «تافهة».
وقد ارتفعت الجرائم في لبنان بنسبة 35 في المئة مقارنة مع العام المنصرم، إذ وقعت 88 جريمة قتل منذ بداية العام الحالي 2017 وحتى مطلع شهر تموز (يونيو) الجاري، فيما سجّل عام 2016 كله 55 جريمة، وفق ما يقول مسؤول العلاقات العامة في قوى الأمن الداخلي العقيد جوزيف مسلّم.
ويوضح مسلّم لـ «الحياة» أن معدّل جرائم القتل كان في انخفاض مستمر من العام 2015، الذي سجّل 73 جريمة، إلى العام 2016 وحتى الأشهر الثلاثة الأولى من العام الحالي، لكن وتيرة الجرائم عادت وارتفعت في الأشهر الثلاثة الأخيرة نيسان (أبريل)، أيار (مايو) وحزيران (يونيو).
ويحتل لبنان المرتبة الثامنة عربياً و39 عالمياً في «مؤشر الجريمة العالمي» لعام 2016، الذي ضم 117 بلداً. وصنّف لبنان ضمن البلدان التي تسجّل معدّل جريمة معتدلاً، وهذا ما يؤكّده مسلّم، الذي يقول إن «معدّل الجريمة في لبنان هو 1.9 على 100 ألف من السكان، وهو معدّل منخفض مقارنة بالبلدان الأخرى».
لكن لا تكاد تمر أيام معدودة في لبنان، لاسيما في الأشهر الأخيرة، من دون وقوع جريمة أو أكثر، معظمها جرائم فورية. ويعزو مسلّم أسباب ذلك إلى «العنف والحروب المنتشرة من حولنا، إضافة إلى الأوضاع الاقتصادية الصعبة، فهناك 30 في المئة من الشباب عاطلون من العمل، كما أن أكثر من 30 في المئة من الجرائم التي ارتكبت مرتبطة في شكل من الأشكال بالفقر».
الباحثة والمحللة النفسية الدكتور أنيسة الأمين لا توافق على تحميل الفقر والبطالة المسؤولية المباشرة عن ارتفاع نسبة الجرائم، على رغم تأكيدها أنهما قد يكونان شرطين لارتكابها. وتقول: «على العكس، الفقراء أكثر قبولاً وخضوعاً لوضعهم السيّئ، لكن يمكن استغلالهم من أصحاب النفوذ مثلاً عبر إغرائهم بالمال لتنفيذ جرائم معينة، فيقومون بذلك نظراً إلى القلة (ضيق ذات اليد) وليس لأنهم مهيّأون نفسياً لارتكابها».
وتلخّص الأمين الوضع الحالي بأنه «تاريخ من العنف موجود فينا ولم ينته، تخزّن وبدأ يظهر في الجيل الثالث». فعلى المدى البعيد «هناك غياب للمرجعية والرادع»، وعلى المدى المتوسّط «هو تخزين لعنف الحرب الأهلية الذي نقله الآباء للأبناء».
وتركّز الأمين على ما وصفته بـ «أزمة الرجولة» في العالم كواحدة من أسباب الجريمة، «فالرجل اليوم لم يعد المقرّر الوحيد ولم تعد كلمته هي الفصل، سواء مع زوجته أو أولاده، ما خلق عنده شـعور بالدونية وبنظرة مبخسة إلى نفسه، فهناك عين لا تراه ولا تكترث لكلامه. وهذا الشعور قد يقوده إلى الانفجار وارتكاب جريمة ما في وقت من الأوقات من أجل استعادة الإحساس بالعظمة، سواء كانت الجريمة داخل الأسرة أو خارجها».
أما أستاذ علم النفس الاجتماعي في الجامعة اللبنانية محمد أيوب شحيمي، فيستعين بابن خلدون، مؤسس علم الاجتماع، لوصف «هذا الجنون»، ويقول «الدولة عندما تكون على شفير الانهيار، يفتك فيها الفساد من النواحي كافة، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والنفسية»، موضحاً أنّ «ارتدادات النظام السياسي اللبناني المتخلّف والميليشيوي أصابت النواحي المذكورة كلها وأدّت بالتأكيد إلى انتشار الجريمة».
كذلك، يضع شحيمي اللوم الأكبر على «الإعلام الضال والمضلل الذي يتناول الجريمة بطريقة غير علمية، وينشر مشاهد العنف التي تروّج وتنمّي روح الجريمة والانحراف في النفوس».
وتؤكّد الأمين أيضاً هذا الأمر، وتعتبر أن «وسائل الإعلام لم تقصّر أبداً في الشحن العنفي. وخطابها دائماً يعمل على إظهار الآخر كعدو».
سلاح متفلّت وقوانين عاجزة
يعدّ السلاح المتفلّت وغير المرخّص أحد أهم أدوات الجريمة في لبنان. ويقول مسلّم إن هذه الأسلحة «موجودة في أيدي اللبنانيين منذ فترة الحرب الأهلية ونحن في حاجة إلى وضع خطة لطريقة تنقّلها بينهم»، مؤكداً أنه يتم يومياً ضبط عشرات الأشخاص من حملة السلاح غير المرخّص وتوقيفهم.
وأمام «هذا التفلّت»، تشكّك الأمين في فعالية القوانين واحترامها، وتقول: «يبدو أن الدولة عاجزة طالما أن كل شخص على هواه»، مشيرة إلى أنّ «التلبّك الاجتماعي والسياسي والقانوني يؤدّي إلى حالة من الضياع وعدم معرفة أدوارنا وأماكننا، وتكثر التعديات»، في حين يؤكّد شحيمي أن «المشكلة لن تزول طالما السياسة العقابية غائبة والرؤية المستقبلية منعدمة».
ولا تعني السياسة العقابية بالضرورة تطبيق عقوبة الإعدام، وفق الباحثين، والذي عادت المطالبات بتفعيلها أخيراً وعلى لسان عدد من مسؤولي الدولة أبرزهم وزير الداخلية نهاد المشنوق، الذي اعتبر أن «الحلّ الوحيد لمواجهة التفلّت هو تطبيق الإعدام».
وترى الأمين أن عقوبة الإعدام «هي الحل الأقصى الذي لا يقدّم أو يؤخّر لأن الشخص الذي يُقدم على ارتكاب الجريمة، لا سيما الفورية منها، كأغلب الجرائم التي حدثت أخيراً، لن يفكّر بالعقوبة، وهو فقط يريد تفجير غضبه»، مضيفة أن «المحاسبة لا تغيّر شيئاً إن لم تُعالج الأسباب بالعقل»، بينما يعتبر شحيمي أنه قبل «تطبيق عقوبة مثل هذه، علينا في البداية تأمين متطلبات الحياة الكريمة للإنسان وتجفيف مسببات الجريمة، ثمّ النظر في إمكان تطبيقها، وإلاّ ستكون عقوبة جائرة بحق أشخاص يعيشون في مجتمع غير طبيعي».
ويلفت شحيمي هنا إلى أن «لبنان من أكثر البلدان الذي تفتك بشعبه الأمراض النفسية بالنسبة إلى عدد سكانه، وهؤلاء الأشخاص فعلياً لا تمكن محاسبتهم على ما يرتكبونه، لذا نحن بداية في حاجة إلى ورشة تربوية نفسية لتصحيح الخلل النفسي الذي أحدثته هذه الأوضاع والمشاهد والصور العنفية التي تلاحقنا».
تواصل وتفاعل ميدانيان
ويلاحظ في الفترة الأخيرة سعي قوى الأمن الداخلي إلى التواصل والتفاعل في شكل أكبر مع مختلف عناصر المجتمع، إذ باتت تنتشر في عدد من شوارع العاصمة بيروت عناصر من الشرطة المجتمعية التي تهدف إلى تعزيز التعاون والشراكة بين رجال الشرطة وفئات المجتمع المختلفة.
ويؤكّد مسلم أن مبدأ الشرطة المجتمعية لديه دور كبير في تعزيز الثقة بين المواطنين والدولة وحلّ المشكلات وتحقيق الأمن الاجتماعي، وبالتالي الحدّ من الجريمة ومواجهتها عبر البرامج التوعوية والتثقيفية التي تعمل عليها قوى الأمن، «فالمواطن هنا هو الشرطي الأوّل الذي يساهم في المراقبة والإبلاغ عن الظواهر الغريبة والمخلّة بأمنه وأمن الوطن».
وبالتوازي مع الشرطة المجتمعية، تعمل الدولة على تحويل مخافرها من مخافر عادية إلى مخافر نموذجية، إذ سيتحوّل قريباً مخفر شرطة الأشرفية في بيروت إلى مخفر نموذجي يهدف إلى التصدّي للجرائم ومحاربة الإخلال بالأمن بأســـلوب حضاري وإنــساني وعلمي، وذلك بعدما أثبتت التجربة الأولى التي كانت في مخفر عين المريسة نجاحها. وسيستكمل المشروع بدعم من وزارة الخارجية الأميركية والممول من مكتب انـــفاذ القانون الدولي ومكافحة المخدرات، على أن يشمل بيروت كلها وبعدها جميع المناطق اللبنانية.
[sociallocker] صدى الشام[/sociallocker]