جامعة حلب ..طلاب وأساتذة بمهام أمنية وامتيازات


ربما لم تُثِر جامعةٌ سوريّةٌ اهتمام الإعلام منذ اندلاع الثورة مثلما فعلت جامعة حلب، فقد كانت سبّاقة في احتضانها للاحتجاجات ضد النظام، إذ شهدت ساحاتها منذ الأيام الأولى خروج مظاهرات نادت بالحرية، أعقبها ممارسات قمعية، كانت مسؤولة عن ترك عدد كبير من الطلاب لمقاعدهم الجامعية، وخصوصاً أبناء المناطق التي  شهدت حراكاً مناهضاً للنظام.

في تلك الأثناء كانت الجامعة لا تزال تعيش ظروفاً طبيعية لجهة التدريس والكوادر وسير العمل فيها عموماً.

ذلك كان واقع جامعة حلب مع بداية الثورة، لكن ماذا عن حالها في وقتنا الراهن؟ تجيب المصادر المتقاطعة أن الجامعة تعاني على نحو متزايد، وعلى أصعدة عدة، من أبرزها ضعف إقبال الطلاب الذكور، وتراجع في دور بعض الأقسام الأدبية، وتحكم الشبيحة بجميع مفاصلها.

عنصر مفقود

يمثل النقص في عدد الطلاب الذكور مقابل ارتفاع الإناث، التحول الأهم في مسيرة جامعة حلب، بعد مرور أعوام على انطلاق الثورة السورية.

ويعود السبب المباشر وراء سطوة العنصر النسائي في الجامعة بمختلف أقسامها، إلى انقطاع الطلاب الذكور عن الدراسة جراء خوفهم من حملات الاعتقال بهدف التجنيد، في صفوف قوات النظام.

وبينما يبدو”صعباً للغاية” الحصول على أرقام رسمية توضح نسبة انخفاض عدد الذكور بالمقارنة مع عدد الإناث، يقول مصدر خاص من داخل الجامعة لـ صدى الشام: “بات بديهياً القول إن الجامعة نسائية بشكل واضح للجميع”، ويضيف المصدر الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، “يفوق عدد الإناث الذكور في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بنسبة كبيرة، تصل إلى70% فما فوق”، ويوضح “لا يقتصر النقص في عدد الذكور على حرم جامعة حلب ، بل هو مشهد مألوف في كل المدينة، من الشوارع إلى الأسواق وحتى البيوت “.

وعن أسباب ذلك، يشير المصدر إلى هجرة الشباب عن المدينة، مبيناً أنه “حتى من بقي منهم يحاول الخروج بطريقة أو بأخرى، هرباً من التجنيد الإلزامي، ومن الضغط الاقتصادي، ومن مستقبل غير واضح المعالم”.

ويرجح المصدر، أن تزداد أزمة نقص الشباب في مدينة حلب، لا سيما بعد التعديلات الأخيرة الصادرة عن النظام في قانون الخدمة الإلزامية والتي تتعلق بشطب الإعفاءات السابقة.

عزوف

“تعاني جامعة حلب في مختلف المجالات، فهناك انخفاض في أعداد طلاب بعض الأقسام خصوصاً الجغرافيا والتاريخ وعلم النفس والاجتماع وغيرها من الأقسام النظرية، ويرى المصدر أن هذا النقص أمر لافت جداً، فأحياناً لا يتجاوز عدد طلاب السنة الدراسية الواحدة في هذه الأقسام الـ50 فقط”، على حد تأكيد المصدر.

ويعزو المصدر عزوف الطلاب عن التسجيل في هذه الأقسام، إلى متطلبات سوق العمل بعد التخرج.

لكن ومقابل ذلك، أشار إلى  ما وصفه “إقبالاً منقطع النظير”، تشهده بعض الأقسام الأخرى، وعلى رأسها قسم اللغة الإنجليزية والفرنسية والعربية.

وقال، “إن الظروف الناجمة عن الحرب التي تعيشها البلاد، نبهت الطلاب إلى ضرورة تعلم اللغات الأجنبية، كونها تزيد من فرص الحصول على العمل في المنظمات التي تعمل على امتداد البلاد، سواء في المناطق التي يسيطر عليها النظام أو المعارضة”.

شؤون غير طلابية

لعل من أبرز المشاكل التي تواجه جامعة حلب في الوقت الحالي، هي تحكّم الشبيحة بشؤون الجامعة ككل، من خلال ما يسمى بـ” فرع اتحاد الطلبة”.

وفي هذا الصدد يقول الصحفي منار عبد الرزاق، “لم تتغير مهام الفرع عما كانت عليه في السابق، أي الاهتمام بالشؤون الطلابية، ومناقشة العقوبات التي تصدر بحق الطلبة مع عمادة الكليات، وكذلك مناقشة البرنامج الامتحاني، والتنسيق لوضع برامج امتحانية بشكل توافقي”.

ويستدرك، عبد الرزاق في تصريحه لـ”صدى الشام”: “لكن تمَّ إضافة مهام من نوع آخر للاتحاد”.

وعن طبيعة هذه المهام، يوضح: “هي مهام أمنية بالمجمل، وعلى رأسها مراقبة تحركات الطلاب، والتنسيق مع فرع الحزب للقيام بحراسة أبواب الجامعة من قبل الطلاب أنفسهم كمتطوعين لصالح الحزب”.

ويضيف عبد الرزاق، “لقد تحول الاتحاد من جهاز يدافع عن حقوق الطلاب إلى جهاز لقمعهم، بتواطؤ من بعض القائمين عليه، بعد أن تحولوا إلى وكلاء للأفرع الأمنية”.

أدوار

في جانب آخر يشير عبد الرزاق إلى الامتيازات التي يحصل عليها الطلبة من المتطوعين إلى جانب “حزب البعث” وكذلك في “لواء القدس الفلسطيني”، ويشرح ذلك بقوله، “يحصل طالب التعليم المفتوح المتطوع لدى الجيش أو اللجان الشعبية على خصم نسبته 50% من الرسوم الجامعية، بعد القرار الصادر عن وزارة التعليم العالي بهذا الخصوص”.

ويعرب عبد الرزاق عن أسفه لتخلي بعض عمداء الكليات عن دورهم الأكاديمي مقابل توجههم للعمل في الجانب الأمني “التشبيحي” إلى جانب أفرع النظام.

ويتحدث في هذا الصدد عن قوانين وصفها بـ”الغريبة”، طبقها بعض عمداء الكليات على الأساتذة والطلاب في آن معاً، من بينها منع الأساتذة من إدخال الهواتف المحمولة والحواسيب الشخصية إلى الجامعات، بذريعة التدابير الأمنية الوقائية.

ويختم عبد الرزاق قائلاً، “نتيجة لسلطة هؤلاء الشبيحة الذين هم أساساً من الطلاب، ازدادت في الآونة الأخيرة حوادث الاعتداء على أساتذة الجامعات، ولا يكاد أن يمر أسبوع واحد دون حدوث مشاكل من هذا القبيل”.



صدى الشام