ما بعد كتابة النص. هل أضع اسمي الصريح؟!


علاء علوش

استبقاء التجربة التاريخية للكتابة الأدبية دون تفكيكها المستمر، ونفي مدلولاتها وإعادة صياغتها من جديد، كمن يؤمن بالموت كنهاية للطريق، والكتابة الأدبية لم تكن يومًا إلّا لروّاد تجربة الخلود، المُدلّهين بعشق الحياة، كمن يريد لها أن تُعاد مع كلّ قراءة جديدة لنصٍ ما.

الكتابة هي الشكل الأسمى والأكثر رمزية في تكثيف اللاوعي وطرحه للآخر، والكتابة الإبداعية -بخصوصيتها- هي حالة من السُّعار الأدبي التي تظهر فيها التقاطعات الذهنية للكاتب، كمن مسّه الجن فنقول: داهمه الوحي..

في إضاءتي هذه التي لا تملك قيمة تُضاف إلى فضاء الكتابة العام، أردتُ تقدير موقفٍ ما يتعلق بخصوصية النص ومآلات كتابته. سأعرج لوهلة على ما يُحكى عن صنعة الحرف، وبدعة تشكيله، فكما يُطرح في تعريف النص على أنه أسلوبٌ للكتابة، يُعبر بشكلٍ أقل التباسًا عن وعي كاتبه، وينظم فضاء الكتابة ليرصف الطريق نحو الفكرة التي هي جوهر النص وغايته، فإني أراه بعيدًا عن إنصاف النص وتجاهلًا لخصوصيته وتفرُّده، فالفن حالة من الاختلاق المستمر للوعي في ما وراءه، كأنه حلقة سوريالية واحدة لم تتوقف، وما شابها من تسطيرٍ في باحة الوعي ليس من أصالة الفن.

تحدث أرنست فيشر مطوّلًا عن العمل الفني، بالنسبة للفنان، كعملية عقلية بالغة الوعي، يظهر الفن فيها بواقعٍ خاضع لسيطرة الفنان، وهنا كانت نقطة انعتاقي من كتابة فيشر. ارتبط مفهوم الفن لدى فيشر بالفنان، والكتابة بالكاتب، وجعل من الفن صنعة حرفية لصاحبها، ولكنّ كُثُرًا رأوا الفن أبعد ما يمكن عن هذا. ففي غزوات العقل المتمرد لكل فنان نحو باحة لاوعيه؛ حيث يتكدس كل التناص لثقافة العالم، ويتشكل فيها الوعي الإنساني بشكله المُختلف، هناك، حيث لا سيطرة للكاتب على النص، ولا عمل له إلا بإخراجه من باحة اللاوعي تلك نحو الورقة، ثم تنتهي المهمة بلا أيّ أبعادٍ أخرى.

وهنا أُقارب مسألة موت المؤلف لرولان بارت، وكانت كصدًى لمقولة نيتشه “موت الإله”، الذي ذهب بعيدًا بتجريد النص من كاتبه، وبهذا لم يقم بتجريد النص من الكاتب فحسب، بل كتب له الديمومة وأخرجه من حلبة تصارع الأزمنة والتأطير ضمن ثقافة ودوافع المؤلف، نحو فضاء الثقافة العام؛ حيث لا حاجة هناك لقتل الأب، فغياب الأب يقتضي المضي بالفكرة بعيدًا عن هواجس قتله، وبعيدًا عن الخوف من مُحاباته.

عندما يصبح انتماء النص إلى فضاء الثقافة، فكلُّ محاولةٍ لقتله هي روحٌ جديدة تُضاف إلى حيواته، تفتح له قراءاتٍ جديدة، وتبقيه في حالةٍ من التزاوج الدائم مع القارئ. هذا ما يجعل من النص الأدبي عملًا مستمرًا وممتدًا على كامل احتمالات القراءة والتأويل، وهو ما يُمثل جوهر النص وأصالته. وهنا يبقى الطرح الفصل لما أردت الوصول إليه: هل النص يحتاج اسمًا صريحًا لكاتبه؟ أم يكفينا ترك اسمٍ مُستعار يشغل مخيلتنا قليلًا بتشكيل ذات المؤلف، ونقف موقف الناقد للنص لا لكاتبه؟




المصدر