صحيفة نيزافيسيمايا غازيتا: روسيا تفوز على الولايات المتحدة الأميركية في سورية


سمير رمان

“بوتين ربح في سورية!” تحت هذا الشعار البرَّاق، نشرت الصحيفة الأميركية واسعة النفوذ (واشنطن بوست) مادَّةً تقول فيها إنَّ وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية ستقوم، تنفيذًا لقرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بوقف برنامج تدريب المجموعات المسلّحة المعارضة للحكومة السوريّة. تقول الصحيفة: “من الناحية العملية، يعتبر قرار إغلاق البرنامج اعترافًا بمحدودبَّة إمكانيّة واشنطن تحريك أذرعها في سورية، وكذلك يشي بغياب الرغبة في إسقاط نظام الأسد”. من ناحيةٍ أُخرى، يُنظر إلى القرار بمثابة “الرغبة المبيَّتة للتنازل لروسيا”. هناك مبررات للافتراض بأنَّ استنتاجات صحيفة (واشنطن بوست) تطابق جزئيًّا فقط الوقائع.

أولًا، لم تُناقش، في واقع الأمر، أيُّ تنازلات من جانب الولايات المتحدة الأميركية لروسيا. وهذا واضحٌ من معلومات الصحيفة نفسها، وكذلك من بقيّة وسائل الإعلام الأميركية الأخرى التي نشرت موادَّ حول هذا الموضوع. تقول مصادر (واشنطن بوست) إنَّ ترامب اتّخذ قرار وقف برنامج تدريب المعارضة السورية المسلّحة، قبل اللقاء” التاريخي” مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في هامبورغ بداية شهر تموز 2017. وقد نضج هذا القرار، “بعد لقائه مع مدير وكالة الاستخبارات الأميركية مايك بومبيو ومع مستشاره للأمن القومي غيربرت ماك ماستر”، تكتب الصحيفة.

ثانيًا، تؤكّد (واشنطن بوست) أنَّ قرار ترامب يتعلَّق أساسًا بالمقاتلين المتمركزين في الأردن، حيث كانت تجري عمليّات تدريبهم. وكما هو معروفٌ الآن، اتفقت الولايات المتحدة الأميركية وروسيا معًا على إقامة منطقة حدوديّة جديدة من مناطق خفض التصعيد في سورية. وبالطبع، لم يعد لتدريب المقاتلين في هذه المنطقة معنى.

وثالثًا، لم يحصل بوتين على أيَّ تنازل من الرئيس الأميركي، لأنَّ تدريب المجموعات المسلّحة الأُخرى يتمّ، كما كان في السابق، على خطّ البنتاغون.

يوم البارحة، نشرت وكالة (الأناضول) التركية حزمةً جديدة من المعلومات المتعلّقة بالتسليح الواسع وغيره من وسائل الدعم التي تقدّمه الولايات المتحدة الأميركية للمجموعات المسلَّحة الكرديّة وللفصائل المسلّحة المعارضة، التي تخوض معارك ضدَّ تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). وتؤكِّد أنقرة أنّ تدريب وتسليح هذه المجموعات يتمّ في عشر قواعد أقامتها الولايات المتحدة الأميركية في الشمال السوريّ، على المناطق التي تسيطر عليها فصائل حزب “الاتحاد الديمقراطي” الكرديّ، الذي تعدّه تركيا تنظيمًا إرهابيًّا. وبحسب معلومات مصادر وكالة (الأناضول) من محافظة الحسكة السورية، فـ “خلال الأسبوع الماضي فقط، تلقَّت فصائل قوات سورية الديمقراطية المتواجدة شمال مدينة الرقّة 195 حاوية من الأسلحة”. ومن هنا يُفهم أنَّ الولايات المتحدة الأميركية ستستمرّ بتقديم الأسلحة لهذه الفصائل حتى هزيمة “تنظيم الدولة الإسلامية” بالكامل.

في الوقت نفسه يمكننا أن نؤكّد أنَّ استنتاج (واشنطن بوست) عن انتصار روسيا في سورية، لا يخالف الواقع كثيرًا. إذ تواردت، في الأيّام الماضية، أخبارٌ من سورية تتحدَّث عن هجومٍ ناجح تشنّه القوات الحكومية السورية بمساندةٍ من قبل الميليشيات الشيعيّة المتحالفة معها في عدّة مناطق، ومن ضمنها منطقة حقول النفط والغاز الموجودة على شاطئ نهر الفرات الأيمن. وبحسب المعلومات الواردة من دمشق، وفي وقتٍ تشتبك “قوات سورية الديمقراطية” الكردية وإلى جانبها القوات الأميركية مع مقاتلي “تنظيم الدولة الإسلامية” في مدينة الرقّة ومحيطها، قامت قوات بشار الأسد مدعومةً بالقوات الجويّة الروسية بتحقيق تقدمٍ ناجح جنوب محافظة الرقَة نفسها لتحرّر مدينةً وسدًّا، بالإضافة إلى خمسة عشرة بئرًا لاستخراج النفط والمياه. وتقتبس وسائل الإعلام عن أحد مهندسي استخراج البترول قولَه: “خلال الأربع أسابيع الماضية فقط، تمكَّنت القوات الحكومية من استعادة أكثر من 40 بئرًا من آبار النفط في منطقة الرقة”. وبشكلٍ خاصّ، عادت لسلطة دمشق آبار استخراج النفط في دابسان، دايلَع، تبيسان، الثورة، باهاب والرميلان. وكما تبيّن لاحقًا، فقد فجّر مقاتلو “تنظيم الدولة الإسلامية”، أثناء تراجعهم، بعض أبراج الآبار أو قاموا بتحطيمها. يقول المهندس السوري: “بعد نزع الألغام من أماكن مضخَّات الأبراج، سنقوم بفكِّها وإرسالها إلى مدينة حمص ليتمَّ إصلاحها، ونأمل أنْ يتمَّ استئناف العمل في غالبية الآبار، بحلول نهاية شهر تموز”.

في الوقت نفسه، ما زال موقف “تنظيم الدولة الإسلامية” قويًّا، وخاصَّةً في دير الزور التي انسحب إليها مقاتلو التنظيم من مناطق الرقَّة، تحت ضغط القوات الكردية والفصائل الداعمة لها. وكما يقول المستشرق الخبير فلاديمير بوبوف، فإنَّ آبار النفط السورية الرئيسيّة تقع في محافظة دير الزور تحديدًا. وبرأيه، لن يكون الاقتصاد السوري قابلًا للحياة، إذا لم تتمكّن دمشق الرسميّة من استعادة السيطرة على هذه المحافظة. وبأخذ النشاط الأميركي، فإنَّ هذا الخطر يبقى قائمًا. وعلى الرغم من ذلك، تشنُّ القوات الحكوميّة السورية، بمساندة الميليشيات ودعم القوات الجويّة الروسية، هجومًا من عدَّة محاور في الوقت نفسه باتجاه دير الزور: من الغرب انطلاقًا من منطقة تدمر، ومن الشمال بمحاذاة نهر الفرات انطلاقًا من نقاط انطلاق في حلب. أمّا من الجنوب فتتقدّم باتجاه مقاتلي التنظيم الميليشيات الشيعيّة العراقية.

تفسَّر نجاحات دمشق هذه، بارتفاع كفاءة الدعم الذي يقدِّمه لقواتها الخبراءُ من روسيا الاتحاديّة على مدى عامَين تقريبًا. إلى جانب تدريب الجنود السوريين، تقوم الإدارة العسكرية الروسية في سورية بابتكار طرقٍ جديدة أكثر فاعليَّةٍ للقيام بالعمليات القتالية للسوريين ولقواتِّها نفسها. على ما يبدو، لم يكن من باب المصادفة عقدُ اجتماعٍ لقادة القوات الروسيَّة، كان أحد مواضيعه الرئيسيّة يتعلّق بتبادل الخبرات في مجال تنفيذ العمليات العسكرية في سورية.

تقول وزارة الدفاع الروسية: إنَّ مناوراتٍ مهمَّة جرت في مركز التدريب “مولينو” في مقاطعة نيجني غورد، حيث تعرَّف خلالها المشاركون “على تنظيم عمليات الفصائل المهاجمة للاستيلاء على مناطق مأهولة، تتحصَّن فيها تشكيلات المتمردين المسلَّحة، وكذلك تلقّى المشاركون في هذه المناورات تدريبًا على تنظيم الأعمال القتالية الدفاعيّة”. بالإضافة إلى ذلك، استُخدمت، في حلّ المهماتّ الموضوعة أمام الوحدات المقاتلة، أحدث وسائل الاتصالات، الطائرات المسيّرة، التحصينات الهندسيّة وغيرها من التقنيات. وسبق أنْ نفت السلطات الرسمية الروسية عدَّة مراتٍ مشاركتها في العمليات العسكرية في سورية. إلا أنَّه يبدو أنَّ التجربة السورية ضروريةٌ للحرس الروسي، لمواجهة التشكيلات المسلَحة المتمردة على الأراضي الروسية نفسها، وخاصّةً في عمليّات محتملةٍ ضدّ المقاتلين في شمال القوقاز.

اسم المقالة الأصلية Россия переигрывает США в Сирии

  كاتب المقالة فلاديمير موخين/ محلّل وكاتب عمود في الصحيفة مكان وتاريخ النشر صحيفة نيزافيسيمايا غازيتا. 21 تموز 2017 رابط المقالة http://www.ng.ru/world/2017-07-21/1_7034_siria.html ترجمة  سمير رمان


المصدر