العريضي: موسكو تستميت لإنجاح اتفاقات (خفض التصعيد)


آلاء عوض

أكد يحيى العريضي، المستشار الإعلامي لوفد الهيئة العليا للمفاوضات، أنّ روسيا تُصرّ على إنجاح مُخرجات أستانا، وفي مقدمها مناطق (خفض التصعيد)، في محاولة منها لتقويض أي جهد سياسي سابق لا يحاكي مصالحها، وقال في حديث خاص لـ (جيرون): “ما قامت به روسيا أخيرًا من نشر قوات مراقبة وتفتيش في الجنوب السوري والغوطة الشرقية، يؤكّد عزمها على إنجاح الاتفاق، ومن ثمّ الادعاء بأنه مُخرج أستانا البديل السياسي عن (جنيف)”.

وأضاف: “تنحدر معظم القوات التي نشرتها روسيا مؤخرًا في عدة مناطق سوريّة، من جمهوريات سوفياتية تأتمر بأوامر موسكو، بالإضافة إلى قوات الشرطة الروسية، والهدف الرئيس من نشرها هو إيقاف النار، وتخفيف الطلعات الجوية عسكريًا، أما إنسانيًا فهدفها إعادة تهيئة هذه المناطق والإفراج عن المعتقلين؛ كل ذلك يدلّ على أن روسيا تدفع بمحادثات أستانا في سبيل إجهاض جنيف، ولكن ليس من السهولة تحقيق ذلك، فغياب المظلة الأممية عن محادثات أستانا يجعلها منقوصة ومحدودة الفاعلية والأثر”. منبهًا إلى “مساع روسية لتحويل أستانا إلى المسار الأممي، مع استبعاد حدوثه لعدة أسباب، أبرزها تعذّر المصادقة الأوروبية عليها”.

وبشأن موقف المعارضة من اتفاق مناطق (خفض التوتر)، قال: “المُغري في هذه الاتفاق، بالنسبة للمعارضة سياسية كانت أو عسكرية، هو أن إيران وميليشياتها خارجه، وهو جزء من الاستراتيجية الأميركية في إبعاد إيران عن سورية. فصائل المعارضة على الأرض رفضت إيران مراقبًا وضامنًا، وروسيا إلى الآن تلتزم بهذا الشرط، وعلى الرغم من أن إيران موجودة في الاتفاق مع تركيا وروسيا كـضامن، إلا أنه من الواضح أن هناك توجّهًا روسيًا، بإيعاز أميركي، لإبعادها. إيران موجودة على الأرض، ولا يمكن إلغاؤها بجرّة قلم، وزُجّت في الاتفاق من قِبِل روسيا، لكن يبقى التساؤل إلى أي مدى تستطيع روسيا الضغطَ على إيران وإقصاءها؟”.

عن مخاوف تقسيم سورية بالاستناد إلى مناطق التهدئة، رأى العريضي أن هذا التصوّر أبعد ما يكون عن الواقع، وأضاف مبيّنًا: “جذر الثورة وجدواها يتنافيان مع فكرة التقسيم، وكل التوجّهات السورية للمعارضة السياسية والعسكرية والشعبية تتعارض مع التقسيم شكلًا ومضمونًا، وعبر التاريخ فشلت كل محاولات استثمار الفوضى الناجمة عن الثورات لتقسيم الأرض، فالجغرافيا والأرض السورية كلّها متشابكة ومعتمدة على بعضها؛ ما يعرقل أي مخطط تجزئة للأرض السورية”، مُرجّحًا أن “تقود هذه المناطق إلى تخفيف سلطة المركز وتقوية سلطة المحافظات، وهو في سياق (المناطق أدرى بإدارة أمورها)”.

بخصوص الخروقات لمناطق (خفض التوتر) من جانب النظام، رأى العريضي أن “ما من مصلحة للنظام وإيران في التهدئة ووقف النار، بل على العكس تتبدّى مصلحة الطرفين في استمرار شلال الدم، لأنهما يدركان أن فرصة حقيقية لإنجاح أي عملية سياسية ستقود في النهاية إلى بتر النظام”، متوقعًا “حدوث المزيد من الانتهاكات من جانب النظام ريثما تتمكن روسيا من لجمه لتجنّب غضب أميركا”.

عن استراتيجية الإدارة الأميركية الجديدة تجاه سورية، قال: “لم تكن الإدارات الأميركية المتعاقبة مُغرمة يومًا بالسوريين وبمصيرهم، زعماء أميركا يدركون أن الشعب السوري جادٌّ بعدائه لـ (إسرائيل) حليفتهم؛ لذا فإن الإدارة الجديدة هاجسها -كسابقتها- أمنُ (إسرائيل)، ومنذ العام 2013 سعت الإدارة الأميركية لتعهيد القضية السورية لروسيا، وأنقذتها الأخيرة مرارًا من مأزق سقوط الأسد، (حامي إسرائيل)، والإدارة الجديدة ماضية في هذا التعهيد”.

وعدّ العريضي أن قرارَ وقف برنامج الدعم العسكري لبعض فصائل المعارضة الذي أعلن عنه الرئيس الأميركي دونالد ترامب أخيرًا، ليس له أي تأثير، ولن يُحدث فارقًا على الأرض موضحًا: “لا يخفى على أحد أن ضرر برنامج المساعدات المذكور كان أكبر من نفعه، بدليل أن لا أهمية تُذكر ولا تأثير له على تغيير الموازين على الأرض، فما حاجة المقاتل إلى أي نوع من الأسلحة والمناظير الليلية وأدوات الإسعاف، عندما يتعرّض لقصف مقاتلات جوية تطحن الأرض وتحول المقاومة إلى عبث لا جدوى منه؟ لقد أعلن المسؤولون الأميركيون أنفسهم، أولئك الذين أوقفوا البرنامج، بأنه شبه معدوم التأثير، من جانب آخر، معروف أن الولايات المتحدة، منذ عسكرة الثورة، حظّرت على أصدقاء سورية الإقليميين تقديم أي أدوات حربية فاعلة في وجه الطيران والبراميل الأسدية، كل ذلك ينبغي أن يدفعنا إلى الابتعاد عن التعويل أكثر على سياسية أميركا إزاء القضية السورية شعبًا وثورةً”.

يحيى العريضي، كاتب وسياسي سوري، من مواليد السويداء 1954، حائز على دكتوراه في الإعلام من جامعة (جورج تاون) الأميركية، يشغل حاليًا منصب المستشار الإعلامي لوفد الهيئة العليا للمفاوضات.




المصدر