on
صحيفة لوبوان الفرنسية: منذ سنة 1967 الحرم المقدسي في قلب الصراع
Idrak Editor
منذ سنة 1967 مثّل الحرم الشريف أو “جبل الهيكل”، ثالث أقدس موقع إسلامي في القدس الشرقية، محور التوترات بين اليهود والمسلمين.
بعد سبعة أيام من انتهاء حرب الأيام الستة، وتحديداً يوم 17 حزيران/يونيو، قرّر موشيه دايان، وزير الدفاع الإسرائيلي الذي بلغت شهرته أوجها حينها، زيارة الحرم الشريف أو جبل الهيكل. وبعد نزعه حذاءه دخل المسجد الأقصى، حيث رحب به قادة المسلمين. وحين كان جالساً على سجادة، وعد دايان هؤلاء القادة بأن إدارة الأوقاف الإسلامية ستستمر في الإشراف على هذا المكان المقدس، الذي سيكون خالياً من أي وجود عسكري. كما أضاف دايان أنه “يُسمح لليهود بزيارة المكان، ولكن لا يُمكنهم الصلاة فيه…”.
وفي وقت لاحق، ونظراً لأن الصهاينة المتدينين لم يكفّوا عن التعبير عن غضبهم إزاء هذه التصريحات، أفاد موشيه دايان قائلاً: “بما أن جبل الهيكل يُعتبر مسجد صلاة بالنسبة للمسلمين، ولا يتعدى كونه سوى موقع تاريخي يُذكر اليهود بالماضي، فإنه يجب الاعتراف بحق المسلمين في السيطرة عليه وإدارته”.
ومن الواضح أن موشيه دايان فهم مدى خطورة سيطرة إسرائيل على “الحرم الشريف”، ثالث أقدس موقع إسلامي بعد مكة والمدينة المنورة. وبناء على ما ورد في القرآن الكريم، انطلقت رحلة النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) الليلية إلى السماء لإمامة بقية الأنبياء، على غرار إبراهيم وموسى وعيسى (عليهم السلام)، والصلاة بهم، من المسجد الأقصى. وفي الواقع خشي دايان من تنامي حركة المسيانية اليهودية، التي كانت تضم بعض الجموع القليلة في ذلك الوقت. وكان هذا الوزير هو الذي أزال العلم الإسرائيلي الذي رفعه المظليون خلال الاستيلاء على المسجد. وعلاوة على ذلك، كان دايان قد أمر بإخلاء الكنيس الذي أنشأه الحاخام العسكري الجنرال شلومو غورين.
وحتى سن متقدمة جداً لم يتخل غورين قط عن المطالبة بسيطرة إسرائيل على الحرم القدسي الشريف. وعلى الرغم من ذلك، وبمجرد انتهاء حرب سنة 1967، أصدرت الحاخامية الكبرى فتوى تمنع اليهود من الدخول إلى الحرم القدسي الشريف؛ كي لا يسيروا فوق المكان الذي يوجد فيه “قدس الأقداس”.
وخلال الفترات القديمة، كان لا يُسمح سوى للكاهن الأكبر بالدخول مرة واحدة سنوياً للمسجد الأقصى، بمناسبة يوم كيپبور، أو عيد الغفران. ولكن ماذا لو طالب اليهود بالصلاة داخل الحرم؟ لهذا السبب، أعلنت لجنة وزارية، سنة 1968، أنها غير قادرة على منع هذا الأمر بصفة رسمية. ويعني ذلك الاعتراف “بجبل الهيكل” كمكان مقدس خاص بالمسلمين. ونتيجة لذلك تم تفويض هذه المشكلة إلى الشرطة الإسرائيلية، المسؤولة عن الحفاظ على النظام وحماية الأمن العام في باحات الأقصى؛ ذلك أنه من المرجح أن يثير وجود اليهود المتدينين ردود فعل قوية من طرف المسلمين. ومنذ ذلك الحين لم تطرأ أية تغيرات على ذلك الوضع.
الهجوم المضاد لحاخامات المستوطنات
لم يوافق حاخامات الصهيونية المتدينة على ذلك. وكخطوة أولى أقدم مجلس الحاخامين، في شهر شباط/فبراير سنة 1996، على نشر مرسوم يسمح لليهود بزيارة بعض الأماكن في الحرم الشريف. في المقابل حُظر الاقتراب من قبة الصخرة حيث يوجد “قدس الأقداس”، وفقاً للدراسات التي أجراها الحاخام غورين. وفي هذا الإطار شدد هذا المجلس على ضرورة مراعاة اليهود لمبادئ الطهارة الفردية، على غرار القيام “بحمام طقسي”، وعدم ارتداء الأحذية الجلدية قبل الدخول إلى جبل الهيكل.
وعلى الرغم من ذلك، حافظ اليهود الأصوليون والمتشددون والحاخامية الكبرى على تحريمهم لزيارة اليهود للأقصى. لكن خلال سنة 2003، وبالتزامن مع اندلاع الانتفاضة الثانية، اتخذ حاخامات المستوطنات قراراً جديداً ينص على أن زيارة الهيكل لم تعد فقط ممكنة، وإنما أضحت واجباً دينياً.
في السياق ذاته، وردت التصريحات كالآتي: “إن عدم الصعود إلى جبل الهيكل يعني أننا نعلن للعالم أجمع أننا لسنا على علاقة “بجبل الله”؛ الأمر الذي من شأنه تعزيز شعور العرب بامتلاكهم لهذا المكان (…). ونحن نعتبر أنه لمن العار أن (…) يزورعشرات الآلاف من العرب هذا الموقع، في الوقت الذي يُسمح فيه ليهودي واحد فقط بالدخول إليه”.
ومنذ ذلك الحين يزور مئات الصهاينة المتدينين ونشطاء اليمين المتطرف، المدعومون من طرف وزراء خلال السنوات الأخيرة، الحرم الشريف بطريقة منتظمة. وخلال هذه الزيارة يرتدي هؤلاء الطاقية اليهودية وشال الصلاة أحياناً، الأمر الذي يعزز انطباع المسلمين بأن إسرائيل تريد السيطرة على مكانهم المقدس، على الرغم من نفي الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة على السلطة لذلك. وخلال الفترة الأخيرة، أعاد بنيامين نتنياهو تكرار ذلك مرة أخرى مفيداً أنه “لن يتم تغيير الوضع القائم في القدس”.
وفاة 4500 فلسطيني وأكثر من 1000 إسرائيلي
يوشك كل حادث يقع في هذا المكان على تغيير منحى الأمور، مثل المستجدات الأخيرة التي شهدناها خلال الأسابيع القليلة الماضية. وتجدر الإشارة إلى أن الأستاذ ماتي شتاينبرغ، الباحث المختص في الدين الإسلامي والمحلل الرئيسي السابق للشاباك، كان قد ذكر أن “الأقصى أو جبل الهيكل يُعتبر بمنزلة الثقب الأسود (وهو ظاهرة فيزيائية غريبة تدل على موت الكوكب واختفائها تاركة ثقباً أسود فقط) للصراع في منطقة الشرق الأوسط، ثقب يُمكن أن يقضي على كل شيء”.
كما أشار شتاينبرغ إلى أن “هذا المكان المقدس يُعتبر الخط الرفيع الفاصل بين الإسلام واليهودية، وبين إسرائيل والعالم العربي… والجدير بالذكر أن كل الأحداث التي تجدّ فيه تخضع لاستراتيجيات مسبقة إذ لا يجب على القادة تناسي ذلك”. وفي الواقع هذا ما أظهره التاريخ الحديث فعلاً.
ففي شهر آب/أغسطس سنة 1969، أقدم شاب يهودي “مسياني” أسترالي الأصل على إضرام النار في المسجد الأقصى؛ ممَّا تسبب في أعمال شغب عنيفة. أما في اليوم الثامن من شهر تشرين الأول/أكتوبر من سنة 1990، وعقب وقوع حادث، فتحت الشرطة الإسرائيلية النار على المسلمين، الأمر الذي أسفر عن مقتل 17 شخصاً وإصابة 150 آخرين. وعلى إثر ذلك شهدت الأراضي الفلسطينية احتقانات شديدة. ولم يُخيم الهدوء على الأوضاع إلا بعد إدانة إسرائيل في مجلس الأمن الدولي، بتاريخ 12 تشرين الأول/أكتوبر.
وفي شهر أيلول/سبتمبر سنة 1996، تسبب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في اندلاع موجة عنف جديدة بعد سماحه بافتتاح مترو أنفاق على طول حائط المبكى، خاصة أن الفلسطينيين كانوا مقتنعين أن في ذلك انتهاكاً للمساجد المقدسة. ونتيجة لذلك قُتل نحو 85 فلسطينياً و15 إسرائيلياً. وعلى خلفية ذلك اضطر نتنياهو إلى الانسحاب من أحد أجزاء مدينة الخليل.
وفي نهاية شهر أيلول/سبتمبر سنة 2000 اندلعت الانتفاضة الثانية في أعقاب الزيارة التي أداها أرئيل شارون إلى الحرم القدسي الشريف. ومن جهتها أطلقت الشرطة الإسرائيلية النار من جديد على المصلين المسلمين إثر صلاة الجمعة.
في غضون ست سنوات قُتل نحو 4500 فلسطيني وأكثر من 1000 إسرائيلي. ومن ثم فربما حان الوقت لكلا الجانبين لتعلم الدروس من التاريخ: فبالنسبة للإسرائيليين؛ تعني هذه الأرقام ضرورة احتواء الحركات المسيانية. أما فيما يتعلّق بالجانب الفلسطيني فعليه تجنب الإسلام الراديكالي.
الصحيفة: لوبوان
الكاتب: دانيال كريجيل
Share this:Click to share on Twitter (Opens in new window)Click to share on Facebook (Opens in new window)Click to share on Google+ (Opens in new window)المصدر