on
مركز كارنغي: عامٌ على المحاولة الانقلابية في تركيا: ما الذي حدث وماذا نجم عن المحاولة؟
سمير رمان
المحتوى
مقدمة………………………………………1
منْ ضدّ منْ؟ ……………………………….2
نظام حكم 15 تموز………………………..3
الخلاصة…………………………………..4
مقدمة
كانت الغيمة التي مرَّت فوق تركيا، في شهر تموز/ يوليو من العام الماضي مفارقةً؛ فمن ناحيةٍ، بدا وكأنَّ الانقلاب قد فشل، وأنَّ الديمقراطية انتصرت على الطّغمة العسكريّة. لكن، بعد مرور عامٍ على الحدث؛ يمكننا القول إنَّ ما حدث في البلاد لا يختلف بشيءٍ عن انقلابٍ عسكريٍّ كامل، ويتزايد عدد الأتراك الذين يعتبرون ما حدث ليس انقلابًا واحدًا، بل انقلابين متنافسين، كانت الديمقراطية هي الخاسر الأكبر فيهما.
قبل عامٍ، ليلة 15-16 تموز، جرت محاولةٌ انقلابيّة ضدّ الحكومة؛ إذ حاولت مجموعةٌ من العسكريين الاستيلاء على السلطة في البلاد بالقوة، ولكنَّهم فشلوا، بعد أن خرج الآلاف من المواطنين الأتراك إلى شوارع المدن التركية، تلبيةً لنداء الرئيس أردوغان لدعم الحكومة القائمة. قُتل أثناء المواجهات أكثر من 250 مواطنًا. بعد انتهاء الأمر، أُعلنت السلطات انتصار الديمقراطية في تركيا، وقف الشعب التركيّ صفًّا واحدًا في مواجهة الانقلاب، مدركًا أنَّه مهما كانت السلطة القائمة سيئةً، فإنَّها أفضل من الطّغمة العسكرية. ولكن سريعًا ما تحوَّل النجاح في هزيمة المتمردين إلى تعزيزٍ لسلطة أردوغان الشخصيّة، وأصبح الكثير من الأتراك الآن، يعتبرون ما حدث ليس انقلابًا واحدًا، بل انقلابَين متنافسين، كانت الديمقراطية هي الخاسر الأكبر.
مَنْ ضدّ مَنْ؟
على الرغم من وصف المحاولة الانقلابية بالعسكريّة -كما جرت العادة- فقد كان للخلاف بين مختلف التيارات الإسلامية المتصارعة دورٌ ليس بأقلّ أهمية. تقول رواية قادة الحزب الحاكم حزب العدالة والتنمية الإسلامي، إنَّ جزءًا من الشرطة والقوات الجويَّة قد تحرَّك تنفيذًا لأوامر الداعية الديني التركي فتح الله غولن.
منذ تسعينيات القرن العشرين، يعيش غولن في الولايات المتحدة الأمريكية، وهو شخصيةٌ نافذة ليس في تركيا وحدها، بل في الكثير من الدول الأخرى، وتتمتَّع حركته المعروفة بـ “الخدمة”، بدعم الكثير من الأتباع. خلال العشر سنوات الأولى من حكم أردوغان، كان غولن يتعاون مع السلطات الإسلامية في تركيا. وبتسهيلٍ من السلطات التركية؛ تمكَّنت حركة غولن خلال سنوات طويلة من زرع مؤيديها في النظام القضائي والتعليمي التركي، سلك البوليس، وزارة الخارجية، وسواها. في عام 2013، افترقت طرق غولن وأردوغان: فمن حليفين، ذوي مواقف إسلاميّة محافظة، تحوَّلا إلى عدوَّين لدودين. وبعد محاولة انقلاب تموز، أُعلنت حركة غولن منظمةً إرهابيّة في تركيا، وأُطلق عليها تسمية “FETO (Fetullahçı Terör Örgütü” أي منظمة فتح الله غولن الإرهابيّة.
بحسب رواية السلطات التركية، كانت منظَّمة FETO بالتحديد وراء محاولة الانقلاب الفاشلة. وقد أكَّدت هذه الرواية لجنةٌ برلمانيّة خاصّة، تولَّت التحقيق في أحداث 15-16 تموز لعام 2016. وقد توصَّل التقرير الصادر عن اللجنة التي شكَّها البرلمان التركي من ممثلين عن الأحزاب الرئيسية الأربعة، إلى خلاصةٍ مفادها أنَّ أنصار غولن هم من بدأ التمرد.
من جانبٍ آخر، تبدو رواية أعضاء المعارضة في البرلمان أكثر تعقيدًا، من الرواية الرسميّة. فمن ناحيةٍ، هم يوافقون أنَّ حركة غولن كانت تقف وراء الانقلاب، ولكنَّهم يضيفون أنَّ السلطات التركية كانت على علمٍ بمحاولة التمرّد، ولكنَّها تعمّدت عدم مواجهتها.
ورد في تقريرٍ موازٍ، أعدَّته لجنةُ برلمانية فرعية عن حزب الشعب الجمهوري المعارض، أنَّ الانقلاب كان متوقَّعًا ومسيطرًا عليه، ولكنَّه لم يُقمع في وقتٍ مبكِّر، بغرض تحقيق أهدافٍ معيّنة تصبّ في مصلحة النظام الحاكم؛ ومما يؤكّد هذه الرواية، أنَّ السلطات التركية لم تسمح للّجنة التي تولّت التحقيق في الأمر، بالحصول على إفادة كلٍّ من رئيس الاستخبارات خاقان فيدان، ورئيس الأركان خلوص أكار وبعض الشخصيات الرئيسية الأُخرى المرتبطة بالقضية، التي وُضعت تحت الحراسة. وبالطبع، عارض أعضاء اللّجنة عن حزب العدالة والتنمية هذا الطلب. ومن جانبها، نشرت صحيفة (جمهوريت) المعروفة المعارضة تحقيقها الخاصّ الذي يقول إنَّ الاستخبارات التركية كانت على علمٍ مسبق بتحضيرات الانقلاب.
غولن أيضًا له روايته الخاصَّة عن الأحداث. يقول أنصار (الخدمة) إنَّه لم تكن هناك أيّ محاولة انقلاب على الإطلاق، بل تمثيلية أعدَّتها السلطة لكسب مساندة المجتمع التركي لها وإقصاء المعارضة. ففي اليوم التالي بعد التمرد، صرَّح غولن أن لا علاقة لحركته بمحاولة الانقلاب، وأدان ما جرى. يقول أنصار هذه الرواية إنَّ الرئيس أردوغان حذر في أيَّار عام 2016، أنَّ حركة “الخدمة” التابعة لغولن ستعلن قريبًا منظَّمةً إرهابيّة. وبرأيهم، كان الانقلاب ضروريًّا لأردوغان لتنفيذ هذه المخططات.
بالفعل، أصبحت حركة غولن عدّوًا داخليًّا مناسبًا بالنسبة للسّلطات التركية، حتى قبل محاولة الانقلاب. إذ كانت تُلقى على أنصار غولن كلُّ الآثام، حتى دون محاكم أو تحقيقات، على سبيل المثال: التعاون مع حزب العمال الكردي، مساعدة (داعش)، مقتل السفير الروسي أندريه كارلوف.. وما إلى ذلك. ومع ذلك، يبدو أنَّ الاتّهامات الموجّهة للمنظمة، بضلوعها في محاولة الانقلاب، ليست بلا أساس.
على الأرجح، كانت تهديدات أردوغان بتصفية الحسابات مع المنظّمة حافزًا لتنظيم الانقلاب من قبل أنصار رجل الدين غولن والعسكريين الكماليين (أتاتورك) المعارضين للنظام التركي. وكانت الاستخبارات، على الأغلب، تعلم مسبقًا بشأن الانقلاب، ولكنَّها لم تقم بالحيلولة دون وقوعه. المنطق هنا بسيط: وحّدت المحاولة الانقلابية الشعب التركي، وإن لم يكن لفترةٍ طويلة، وارتفعت نسبة تأييد أردوغان، والأهمّ من ذلك، أعطى التمرُّدُ السلطاتِ التركية إمكانيةَ التخلّص من خصومها بصورةٍ قانونيّة.
نظام حكم 15 تموز
بدا وكأنَّ الانقلاب قد فشل، وأنَّ الديمقراطية انتصرت على الطّغمة العسكريّة. لكنْ، وبعد مرور عامٍ على الحدث يمكننا القول إنَّ ما حدث في البلاد لا يختلف بشيءٍ عن انقلابٍ عسكريٍّ كامل، بل ربّما تكون عواقبه أسوأ.
بعد فشل محاولة الانقلاب مباشرةً، أُعلنت في البلاد حالة الطوارئ التي مدِّدت عدة مراتٍ، وما تزال ساريةً حتى الآن. وهذا يعني -من الناحية الفعلية- أنَّ بإمكان السلطات احتجاز المواطنين لفترةٍ غير محدَّدة، دون توجيه اتهامٍ لهم، ويستطيع البوليس إيقاف أيّ شخصٍ للتفتيش، ويحتّم على الجميع اصطحاب هوياتهم معهم والتقيّد بساعات حظر التجوّل، حيث يُفرض.
أعطت محاربة المتمردين السلطات التركية المبرِّرَ للقيام بحملة تطهيرٍ واسعة في مختلف مجالات الحياة العامة. ففي خلال العام الماضي، سرّح 138 ألف شخصٍ، واعتقل 55 ألف، وأُغلق قرابة ألفي مؤسّسة تعليميّة. وكانت الضربة الأقسى من نصيب حريَّة الكلمة: اعتُقِل أكثر من 260 صحفيّ، وأغلقت 149 من وسائل الإعلام، غالبيتها من الإعلام المعارض والمرتبط بحركة غولن، وكذلك المؤيدة للأكراد. وعلى الرغم من ذلك، تستمر بالعمل بشكلٍ طبيعيّ كبريات الصحف العلمانية، كـ (جمهورييت)، (بيرغون)، (سوزجو)، وكذلك أكبر شركة إعلاميّة ميديا هولدينغ المستقلة (دوغان) التي تمتلك صحيفة (حورييت) وقناة CNN Turk.
يدعو أردوغان جميع المواطنين إلى الإبلاغ عن أولئك الذين يرتبطون بشكلٍ أو آخر بتنظيم غولن، معتبرًا ذلك واجبًا وطنيّا. ولا يستطيع أقارب هؤلاء اللجوء إلى أيّ جهةٍ طلبًا للمساعدة، فهم أنفسهم مهدَّدون بالاعتقال في أيّ لحظة. لم تقتصر الاعتقالات وحملات التطهير على أولئك المرتبطين بشكلٍ أو آخر مع غولن؛ فالنظام التركي ضيَّقَ أيضًا على بقية القوى المعارضة: الساسة والصحفيين العلمانيين، الناشطين الأكراد وسواهم. وفي شهر تشرين الثاني الماضي، اعتُقل زعيم (حزب الشعوب الديمقراطي) المعارض والقريب من (الحزب الديمقراطي الكردي)، صلاح الدين دميرتاش ونائبه فيغين يوسك دار، بتهمة علاقتهما بالإرهابيين.
الآن، بإمكان جزء من المعارضة العلمانية فقط مواجهة السلطة. فبمبادرةٍ من حزب الشعب الجمهوري وزعيمه كمال كيليش دار أوغلو، نُظِّمت مسيرةٌ في شهر حزيران، سُميت مسيرة العدالة، قطع المشاركون فيها المسافة من أنقرة وصولًا إلى إسطنبول، مطالبين بالعدالة لجميع من طالتهم حملة التطهير ما بعد الانقلاب، واختتمت المسيرة باجتماعٍ جماهيريِ حاشد، كان أضخم تحشدٍ احتجاجيٍّ معارض منذ محاولة الانقلاب. غير أنّ محاولات جعل الاجتماع الجماهيري فرصةً لتوحيد قوى المعارضة لم تُفلح، فعلى الرغم من أنَّ منظمي الاجتماع ادَّعوا أنَّهم خرجوا للدفاع عن مصالح جميع من اعتُقل أو سُرّح من العمل، فإنَّهم فضّلوا تجاهل المعتقلين الأكراد. يتعرّض الأكراد الذين يصل عددهم في تركيا إلى نحو 20 مليون، لمزيدٍ من الإقصاء من الحياة السياسية التركية.
إضافةً إلى ذلك، لم يعد بوسع العسكر تأدية دورهم التقليدي، بالمحافظة على النظام خلال الأزمات. فبعد المحاولة الانقلابية، تقلَّص عدد العاملين في الجيش بمقدار الثلث، وأصبح الكثيرون من ممثّلي النخبة العسكريّة إمّا قيد الاعتقال، وإمّا لاجئين في أوروبا، وأصبح الجيش الحالي مواليًا لأردوغان. وفي مجال الأعمال، يفضّل رجال الأعمال الأتراك عدم التعليق على ما جرى في البلاد، ذلك أن شركات الأعمال الكبرى ترتبط بشكلٍ ما بالسلطات القائمة.
خاتمة
بعد فشل المحاولة الانقلابية؛ ارتفع التأييد الشعبي لأردوغان بشكلٍ واضح؛ ما مكّن السلطات، في شهر نيسان، من إجراء استفتاءٍ على تعديل الدستور الذي حوّل تركيا إلى نظام حكمٍ رئاسيّ يمنح الرئيس سلطاتٍ أوسع بكثير. ظهرت فكرة الاستفتاء قبل وقتٍ طويلٍ من محاولة الانقلاب العام الماضي، ولكنَّ العدوّ المشترك (الإرهاب) وارتفاع أسهم أردوغان، هو بالتحديد ما ساعد في الحصول على تأييد 51.4 بالمئة من الأصوات اللازمة لتغيير الدستور.
غيَّر الانقلاب الفاشل تركيا بشكلٍ كبير، بحيث يمكننا القول إنَّه قد يصبح مرحلةً جديدة في تاريخ البلاد. فإذا كان يوم إعلان استقلال الجمهورية التركية في 29 أكتوبر/ تشرين أول، هو التاريخ الأهمّ بالنسبة إلى تركيا الأتاتوركية القديمة، فإنَّ 15 تموز بالنسبة إلى تركيا الأردوغانية الجديدة، سيكون يوم انتصار الديمقراطية على الانقلابيين، وعلى جميع الأعداء الداخليين والخارجيين.
ومع ذلك، لا يشعر الجميع في تركيّا بفرحة هذا الانتصار؛ فالمجتمع التركي منقسمٌ إلى معسكرين متصارعين، وهذا ما أكّدته مسيرة العدالة الأخيرة، وما بيَّنته نتائج الاستفتاء على الدستور، حيث انقسمت الأصوات مناصفةً تقريبًا.
بعد مرور عامٍ، يشعر الكثيرون ممَّن وقفوا ضدّ التمرد بخيبة الأمل من السلطة الحاليَّة، مدركين أنّ “انتصار الديمقراطية”، انقلب إلى تسلّطٍ أقوى، وتشدّدٍ في ملاحقة المعارضة، وتراجعٍ في العلاقة مع الغرب.
ما يزال نصف الشعب التركي يحتفل بانتصار الديمقراطيّة، بينما يشعر النصف الآخر بأنه أكثر غربة في بلاده.وات
اسم المقالة الأصلية Год попытке переворота в Турции: что это было и что из этого стало كاتب المقالة يكاترينا تشودكوفسكايا مكان وتاريخ النشر مركز كارنغي في موسكو 17 تموز 2017 رابط المقالة http://carnegie.ru/commentary/71552ترجمة سمير رمان
المصدر