on
“انتخابات” أكراد سورية: خطوة نحو الانفصال المستحيل
muhammed bitar
خطت “الإدارة الذاتية” الكردية، الناطقة باسم القوميين الأكراد الانفصاليين في سورية، خطوة إضافية في مشروع تكريس الأمر الواقع المفروض في شمال سورية تحت وقع السلاح، فحددت مواعيد ما سمتها انتخابات مجالسها المحلية في مناطق سيطرتها التي تمتد بين محافات الحسكة وحلب والرقة. انتخابات تشكل، نظرياً، ذروة المسعى الانفصالي لمن يحاولون استعجال خطواتهم قبل انتهاء موجة “الحرب على الإرهاب” التي فرضوا أنفسهم فيها كحليف مركزي للولايات المتحدة، ضد تنظيم “داعش”، من موقع يبدون فيه قريبين للغاية من النظام السوري. غير أن مشروع الانفصال لا يزال يبدو أقرب إلى المستحيل عملياً، ذلك أن الذهاب بعيداً في “فك الارتباط” عن سورية الموحدة، بعربها وأكرادها، يواجه عقبات جوهرية، إذ تبدأ معارضة هذا المسعى من طيف سوري كردي واسع النطاق، يؤمن باستحالة هذا الخيار وضرره، ولا تتوقف عند حدود الدول الإقليمية الفاعلة جداً، كتركيا وإيران الرافضة بشكل قاطع تجاوز “الخط الأحمر الكردي”، مروراً بمعارضة متوقعة للنظام السوري الذي اضطر لمغازلة مقاتلي الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني، أي “الاتحاد الديمقراطي”، في السنوات الماضية من الحرب، عندما كانت الظروف تحتّم عليه التنازل لهم في مناطق الشمال، مقابل تأديتهم أدواراً عسكرية وسياسية مناهضة فعلياً للثورة السورية. لكن اليوم، يشعر النظام السوري، في عزّ مرحلة تعويمه إقليمياً ودولياً، باحتمال قدرته استعادة السيطرة على كامل الأراضي السورية، بالتالي من غير المرجح أن يستمر تحالفه طويلاً مع المقاتلين الأكراد وممثليهم السياسيين، وهو ما يُتوقع أن ينعكس رفضاً من دمشق لخطوة الانتخابات المقررة على 3 مراحل متلاحقة ومستعجلة، تنتهي في بداية عام 2018. كما أن المعارضة الشاملة لانفصال أكراد سورية، بمناطق يسيطرون عليها، مع أنها تاريخياً لم تكن يوماً جزءاً مما يسمونه “روج آفا” أو غرب كردستان (ما صار يرمز إليه بكردستان سورية غير الموجودة بدورها في أدبيات الحركة القومية الكردية تاريخياً)، تشمل الجزء الأكبر من الشعب السوري. ولا يحظى هذا الخيار بحماسة من أي دولة كبرى فعلياً، لا من روسيا الساعية إلى إبقاء علاقات حسنة مع تركيا، ولا من دول أوروبا الغربية الكبرى. وحدهم الأميركيون ربما “لا يمانعون” بتكريس نفوذ القوميين الأكراد في سورية، من دون انفصال كامل أيضاً، مراعاةً لصفة “حليف الميدان” المعطى للوحدات الكردية، المكون الأساس لـ”مجلس سورية الديمقراطية”.
وقد أعلنت “الادارة الذاتية، التي يهيمن عليها “حزب الاتحاد الديمقراطي” الكردي بقيادة صالح مسلم، أنها تعتزم إجراء انتخابات للمجالس المحلية، ومجلس لإدارة الإقليم نهاية هذا الصيف. وحددت الجمعية التأسيسية لما يعرف بـ “اتحاد شمال سورية”، موعد إجراء أول انتخابات على مختلف المستويات للإدارات المحلية والمناطقية التي تديرها على طول الحدود مع تركيا. “انتخابات” ستجري في 22 سبتمبر/أيلول من هذا العام لما يسمى المؤسسات البلدية، وهذا هو المستوى الأول من الإدارة المحلية العامة. وإضافة الى ذلك ستنظم في 23 نوفمبر/تشرين الثاني انتخابات الإدارات المحلية والمجالس الريفية والحضرية والإقليمية. وأخيراً، ستجرى انتخابات مجالس المحافظات يوم 19 يناير/كانون الثاني 2018. وكان “اتحاد شمال سورية” قد تم تشكيله من جانب عدد من المنظمات الكردية في مارس/آذار مارس 2016، في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري شمال وشمال شرق البلاد، على طول الحدود مع تركيا. وكشفت مصادر مقربة من حزب الاتحاد الديمقراطي، عن تقسيمات جديدة للمناطق شمالي سورية، تضم تسمية “إقليم” على غرار التجربة الكردية في العراق، إلى جانب تسمية “المقاطعات”، حيث تم قبل أيام المصادقة على “قانون التقسيمات الإدارية، الممهد لتشكيل حكومة اتحادية شمال سورية”. وأوضحت تلك المصادر أن التقسيمات الجديدة ستوزع مناطق سيطرة الادارة الذاتية على الشكل التالي (بالتسميات الكردية): إقليم الجزيرة ويضم مقاطعتي الحسكة وقامشلو (القامشلي). إقليم الفرات ويضم مقاطعة كوباني (عين العرب) ومقاطعة كري سبي (تل أبيض). وإقليم عفرين ويضم مقاطعة عفرين ومقاطعة الشهباء. أما بالنسبة إلى مدينة منبج، فقد عقد ما يسمى بالمجلس التشريعي فيها اجتماعا الخميس الماضي، وأعلن رسمياً عن انضمام المدينة إلى مجلس سورية الديمقراطية. وستعلن منبج مقاطعة تابعة للفدرالية قريباً، بحسب تلك المصادر.
ورأى نائب رئيس “رابطة الكرد المستقلين”، رديف مصطفى، أن الاتحاد الديمقراطي يتصرف كسلطة أمر واقع وكيلة لنظام بشار الأسد بمنطق القوة. ووصف مصطفى في تصريح لـ”العربي الجديد”، هذه الانتخابات بأنها “مجرد مهزلة، فمن يقمع ويمنع القوى السياسية المختلفة ويتفرد بالقرار السياسي والعسكري والاقتصادي بالقوة، عن أي انتخابات يتحدث”؟ وتساءل: “هل يمكن لإدارة غير شرعية أن تنتج حالة شرعية عبر الانتخابات على فرض صحتها ونزاهتها”؟ وخلص إلى اعتبار “ما يبنى على باطل فهو باطل حكماً، وقد عوّدنا حزب الاتحاد الديمقراطي بين الفينة والأخرى على إلهاء الناس بقضايا شكلية تتضمن عناوين كبيرة بمضامين فارغة من أجل تعزيز سلطته فقط، وبالتالي فتح ممرات للمشاركة بمفاوضات جنيف”.
والواقع أن هذه الخطوة ليست الأولى على طريق تكريس “الحالة الانفصالية” للقوميين الأكراد في سورية تحت ستار “الإدارة الذاتية” التي يديرها حزب صالح مسلم والتي تحاول فرض أجندتها على السكان المحليين من أكراد وعرب ومكونات أخرى بوسائل الإكراه عبر العديد من الأذرع العسكرية والأمنية التي امتلكتها خلال السنوات الماضية بدعم قوى خارجية تحت ذريعة محاربة تنظيم “داعش”. وقد تمكنت هذه الفصائل، طيلة السنوات الماضية، من ضم العديد من المدن والبلدات العربية الى مناطق نفوذها مثل منبج ومناطق غرب حلب، إضافة إلى مساحات واسعة من ريف محافظة الرقة، ناهيك عن مدينة الرقة نفسها التي تتولى قوات “سورية الديمقراطية” التي يهيمن عليها المكون الكردي معركة تحريرها من “داعش”، بدعم من التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة. وكانت الشرطة العسكرية التابعة لـ”وحدات حماية الشعب” وهي أحد الاذرع العسكرية لحزب الاتحاد الديمقراطي، شنت حملات دهم واعتقال بحثا عن الشبان من عمر 18 عامًا فما فوق، في جميع المناطق التي تسيطر عليها شمال شرق سورية، في إطار قوانينها الجديدة الخاصة بالتجنيد للخدمة العسكرية. واستهدفت الحملة ملاحقة المطلوبين لقانون “واجب الحماية الذاتية” أو التجنيد الإجباري الذي يطاول أهل المنطقة، إضافةً إلى جميع النازحين والوافدين من الداخل قبل عام 2011، وما يسمى بـ “عرب الغمر”.
وتقول مصادر كردية محلية إن بعض المسؤولين في الإدارة استعانوا بدوائر النفوس التابعة لحكومة النظام في كل منطقة للحصول على إحصائية دقيقة عن “عرب الغمر” في المنطقة، إضافة لتشكيل لجان محلية في كل قرية من قرى المغمورين لتسجيل أسماء المكلفين بالخدمة وتبليغهم بضرورة الالتحاق بشعب التجنيد التابعة للإدارة. وكانت الإدارة الذاتية قد أعفت سابقاً المغمورين والنازحين من المحافظات الأخرى من الخدمة العسكرية. ويقدر عدد قرى عرب الحسكة بأكثر من 40 قرية تتوزع في محيط مناطق رأس العين والقامشلي وعامودا، وسكانها مواطنون عرب نُقلوا إلى محافظة الحسكة، بعدما غمرت مياه بحيرة سد الفرات بيوتهم عام 1974. ولم يستبعد ناشطون أن يكون قرار تجنيدهم محاولة من جانب الادارة الذاتية الكردية لترحيلهم نحو محافظة الرقة، مشيرين الى أن حملة التجنيد الجديدة سببها النقص الكبير في أعداد مقاتلي ميليشيا “وحدات حماية الشعب” و”قوات سورية الديمقراطية”، خاصة على ضوء مغادرة معظم شبان المحافظة العرب والأكراد هربا من تجنيدهم. ولا تقتصر قوانين “الادارة الذاتية” على مسألة الخدمة العسكرية، وسبق للإدارة منذ تشكيلها قبل عدة سنوات، أن أصدرت قوانين عدة تتعلق بحياة الناس اليومية سواء في التعليم أم القضاء وغير ذلك، وهو ما تسبب في ازدواجية في التعليم والقوانين والقضاء في العديد من المناطق التي تخضع لسلطة مشتركة من جانب “وحدات الحماية الكردية” وقوات النظام السوري، كما هو حال محافظة الحسكة في أقصى الشمال الشرقي للبلاد.
وعمدت الإدارة الذاتية إلى الاستيلاء على المدارس الابتدائية بحجة تدريس اللغة الكردية، ما دفع بالنظام إلى إغلاق جميع المدارس التي دخلتها الإدارة الذاتية والتي فرضت عليها اعتبارا من مطلع العام الماضي، مناهج خاصة بها تتضمن التعليم باللغة الكردية وحدها حتى الصف الثالث الابتدائي، ثم إدخال العربية في الصف الرابع، وهو ما دفع بالنظام السوري إلى تهديد الكادر التدريسي بقطع الراتب والفصل من الوظيفة بحق كل من يدخل إلى أي مدرسة تطبق مناهج الإدارة الذاتية، فعمدت الأخيرة الى تأهيل “مدرسين” على عجل، بعد إخضاعهم لدورة تدريبية قصيرة. وقد تسبب ذلك في اضطراب الدورة التعليمية ومحاولة كثير من الأهالي نقل أبنائهم إلى المدارس الخاصة أو إلى مدارس النظام التي اكتظت بالطلاب وبينهم أعداد كبيرة من العرب والأشوريين ممن لا يتقنون اللغة الكردية.
ويشكو أهالي مناطق سيطرة المليشيات الكردية، من أن مناهج الإدارة الذاتية تقوم على التعصب القومي للأكراد، وإهمال ثقافة المكونات الأخرى لسكان المنطقة. وقد تسبب ذلك برفع معدلات النزوح إلى خارج المناطق الكردية والتفريغ المستمر للمنقطة من سكانها. وعلى صعيد المحاكم، لجأت الإدارة الذاتية إلى إحداث المحاكم منذ عام 2012 في بعض المناطق، كالقامشلي وعامودا والدرباسية والمالكية، ثم في الحسكة وعفرين وعين العرب ومنبج، وكانت تسمى بمحاكم الشعب، الا انه في شهر إبريل/نيسان 2016، صارت تسمى بـ”دواوين العدالة”. وهذا الواقع، أي وجود نظامين قضائيين في ذات المنطقة يعمل كل منهما بآلية مختلفة، وانعدام التنسيق بينهما لعدم وجود اعتراف من قبل النظام السوري بالهيئات القضائية للإدارة الذاتية، أوجد ازدواجيةً وتناقضاً في الأحكام.
ويرى مراقبون أن محاولة بعض القوى الكردية الانفصالية التي يمثلها بشكل خاص حزب الاتحاد الديمقراطي الاستفادة من الزخم الدولي الحالي الذي يركز على محاربة “الارهاب” وتنظيم “داعش” والاستفادة من الدعم العسكري والسياسي الأميركي، قد تكون مراهنة خاسرة، وخصوصاً أن هذه الحرب توشك على نهايتها، مع الانحسار المتواصل لتنظيم “داعش” في سورية والعراق، ما يعني أن الحزب الكردي سوف يخسر الكثير من شرعيته الدولية بمجرد تراجع أهمية هذه الحرب، وحينها سوف تبرز مصالح قوى أخرى سيترتب على الولايات المتحدة أخذها في عين الاعتبار، وفي مقدمتها تركيا إضافة إلى مكونات الشعب السوري التي تتفق على رفض أي مشروع انفصالي أو تقسيمي للبلاد. وفيما تعتبر تركيا هذا الحزب امتدادا لحزب العمال الكردستاني الانفصالي في تركيا وتصنفه كتنظيم إرهابي، وأعلنت بوضوح أنها لن تسمح بتمرير أي مشروع انفصالي على حدودها الجنوبية تحت أي ظرف، تصف المعارضة السورية حزب صالح مسلم بأنه عميل لنظام بشار الأسد، وينسق معه في الكثير من المجالات.
وعلى هذا الصعيد، من غير المعروف ما إذا كان الإعلان الكردي عن مواعيد الانتخابات المقررة، سوف يعجل من خطط تركيا بتنفيذ عملية “سيف الفرات” التي تلوح بموجبها منذ فترة بدخول عسكري إلى منطقة عفرين تحديداً، ما من شأنه وقف عجلة مشروع تكريس الأمر الواقع الكردي على الحدود التركية. ثم إنه من شبه المؤكد أن يترجم الموقف الإيراني الرافض لأي توسع في النفوذ الكردي السوري، من خلال سلوك النظام السوري الذي ربما يشعر بأن حاجته للتحالف الضمني مع المقاتلين الأكراد وحزبهم السياسي، تقترب من الزوال، بالتالي من غير المستبعد أن تسوء العلاقة بين الطرفين بشكل كامل لتعود إلى ما كانت عليه قبل 2011. ثم إن العديد من المناطق الكردية المشمولة بانتخابات الأشهر المقبلة، محاذية لمناطق فصائل المعارضة السورية العربية، وهو ما قد يترجم أيضاً باشتباكات بين الطرفين. انطلاقاً من كل ذلك، لا تبدو مواعيد “الانتخابات الكردية” المعلنة مختلفة كثيراً عما سبقها من مواقف انفصالية كردية بقيت تكريساً للأمر الواقع بفعل السلاح، ربما تزول كل مفاعيلها عند انتهاء عاصفة “الحرب ضد داعش” التي حصلت في غمرتها تطورات كثيرة قد تزول مفاعيلها فور انتهاء حقبة “داعش” نهائياً.
المصدر