on
الباحث فيصل دهموش لـ”صدى الشام”: دير الزور ستتحول إلى مركز أساسي لتنظيم “داعش”
muhammed bitar
صدرَت دراسة جديدة عن مرصد “العدالة من أجل الحياة” بعنوان “أبناء العشائر في دير الزور..من الاستقرار إلى الثورة، ديناميكيات الصراع وعوامل السلم الأهلي”، تناولت بشكل تفصيلي الواقع العشائري في دير الزور، ودوره في هذه المرحلة التي تعيشها المحافظة.
واعتبر مُعدّ الدراسة، الباحث فيصل دهموش المشهور، أن تشكيل قوة موحدة من أبناء المحافظة هو “أمر مستحيل”، مشيراً إلى حاجة المدينة لبناء قوى تكون “مراعية لحساسيات المنطقة”، قبل الدخول في معركة ضد تنظيم الدولة “داعش” الذي يحشد قواته فيها.
ورأى دهموش في حوار مع “صدى الشام” أن دير الزور مقبلة على معارك مفتوحة وطويلة، مرجحاً سيطرة النظام على المناطق الجنوبية من نهر الفرات، مقابل سيطرة قوى مرتبطة بالولايات المتحدة على المناطق المتبقية.
وإلى نص الحوار:
-أصدرتم دراسة مؤخراً بعنوان “أبناء العشائر في دير الزور”، ركزتم فيها على البنية التقليدية للمحافظة، أي البنية العشائرية، لو حدثتنا بإيجاز عن أهم مخرجات الدراسة؟
الدراسة بحثت في التحولات التي طالت العشائر في المحافظة، من الفترتين العثمانية والفرنسية، إلى دولة الوحدة والاستقلال، ومن ثم فترة حكم البعث، وأخيراً خلال مراحل الثورة السورية، وفي هذه التحولات كانت العشائر تنتقل ما بين الدور السياسي والوظيفي.
استمرت العشائر السورية في شكلها الحالي عبر عشرات السنين، أما في مرحلة حكم حزب البعث، فقد تعرضت البنية التقليدية للعشائر للتفكيك جراء سياسات البعث ونظام الأسد، فمن جهة ساهم الاستمرار في تطبيق قانون الإصلاح الزراعي في منح استقلالية أكبر لأبناء العشائر عن القيادات التقليدية لعشائرهم، وساهمت سياسات البعث باستمرار وجود هذه القيادات من خلال منح المشايخ والوجهاء أدوار وأدوات وسلطات معينة، لكن بالمقابل قوّضت السياسات الاقتصادية للبعث إمكانية التطور الاقتصادي للعشائر، ما أدى إلى غياب المشاريع التنموية التي كان باستطاعتها تحقق اختراقات اقتصادية تراكمية، قادرة على نقل البنية العشائرية إلى مرحلة أخرى.
– بالبناء على مخرجات الدراسة، كيف نقرأ مستقبل المحافظة اليوم في ظل غياب بنية مجتمعية متماسكة؟
الوضع الحالي يشير إلى وجود شروخات اجتماعية واقتصادية، والمجتمع المحلي يعاني من حالة من التفكك، فالعشيرة لا تزال موجودة ظاهرياً، لكن فعاليتها غير موجودة في الواقع، وعلينا التفريق ما بين العشيرة كبنية ونظام اجتماعي ومرحلة تاريخية، وما بين النزعة العشائرية كنسق من الأحكام والقيم التي تتحكم بسلوك أبناء العشائر، بمعنى آخر إن العشيرة مفككة وفاعليتها محدودة جداً لكن النسق موجود، والأخير يحتاج إلى فترات زمنية طويلة لتغيره.
بعد غياب سلطة النظام وانكفاء مؤسسات الدولة عن المنطقة، شكلت العشائر شبكات أمان وحماية لأبناء المنطقة نوعاً ما، وعادت الممارسات العشائرية للظهور بقوة، ولكنها انعكست كواقع عشائري يحمل هويات فرعية، وبدون وجود فعلي للمظلة السياسية، باستثناء التنظيمات الجهادية الموجودة، وأدى كل ذلك بالفرد إلى التعبير عن نفسه ضمن هذه التنظيمات، وانطلاقاً من خيارات الأفراد ومن سعيهم الشخصي للكسب المالي، وساهمت المكبوتات العشائرية أيضاً في تحديد خيارات أبناء العشائر واصطفافاتهم، وهذا ما أخذ الصراع في المنطقة إلى حدوده القصوى، وأورث المنطقة العديد من حالات الثأر الشخصي والعشائري، ومن خلال واقع العشائرية فمن السهولة أن يعمم الثأر الشخصي إلى ثأر عشائري.
نستطيع أن نقرأ من تجربة أبناء العشائر في ريف دير الزور خلال الأعوام الثلاثة التي سبقت سيطرة تنظيم الدولة، أننا أمام واقع اجتماعي عشائري متشظي، يتحكم فيه خلافات ومكبوتات، وقد أنتج العديد من التصدعات التي أصابت البنية الاجتماعية.
– المحافظة محاطة بقوى متعددة، والنظام على سبيل المثال لم يعد يفصل بينه وبين مناطق سيطرته داخل المدينة إلا نحو 80 كيلو متر، ومع ذلك اعتبرتم أن الثأر العشائري هو الخطر الأكبر، لماذا؟
لنتحدث بوضوح، تعاني العشيرة من التصدع، أي أنها منقسمة بين مؤيد ومعارض ومحايد، بالتالي لم تعد تمثل هذه العشيرة نظاماً سياسياً وإنما نسقاً اجتماعياً فقط، بالتالي صار من الصعوبة الخروج بموقف موحد لأبناء العشائر، بمعنى آخر بات تشكيل قوة موحدة قائمة على العصبية العشائرية من أبناء دير الزور لتحرير المدينة أمر غير وارد، ولم يعد أمامنا سوى تشكيل قوة متوازنة من أبناء المنطقة، للدخول وفق خارطة انتشار العشائر، ونحن في سباق مع الزمن في هذا الصدد، لنسبق دخول النظام وحلفائه للمحافظة التي دفع أبناؤها دماءهم في سبيل تحريرها من النظام.
– ما المقصود بمراعاة خارطة انتشار العشائر؟
قوات النظام والمليشيات موجود في الجهة الشرقية للمحافظة، أما من الجنوب تتواجد القوات المتحالفة مع التحالف الدولي أي الفصائل التابعة للجيش الحر، ومن الشمال “قوات سوريا الديمقراطية” وقوات النخبة والقوات العشائرية التي من بينها “عشيرة الشعيطات”، وهي العشيرة التي عانت من سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية، وبالتالي من الخطورة بمكان أن تدخل قوات العشيرة من الجهة الشمالية حيث هي متموضعة، لأن دخولها من ناحية “الصوّر” باتجاه محافظة دير الزور، في المناطق التي تتوزع بها عشيرتا “البو كامل، والبكير”، قد يترتب عليه مجازر كبيرة من قبل أبناء عشيرة الشعيطات ضد أبناء العشيرتين، لأن البعض يربط عشيرة البوكامل بجبهة النصرة، والبكيّر بتنظيم الدولة الإسلامية.
أي نحن أمام مشهد معقد وصعب للغاية، لأن عشيرة “الشعيطات” تحمل وزر ما حل بها من مأساة لبعض أبناء عشيرة البوكامل لعقدهم الصلح مع تنظيم الدولة، وكذلك لبعض أبناء عشيرة البكيّر لتحالفها مع التنظيم.
– ما هي توقعاتكم لتحركات العشائر في الفترة المقبلة فيما المحافظة مقبلة كما يبدو على صراعات كبيرة، ودخول أطراف جديدة، منها الحشد الشعبي الذي أشار إليه نواف راغب البشير؛ شيخ عشيرة البكارة المتحالف مع النظام مؤخراً؟
سبق وأن رصدنا في دراسة سابقة، التحولات العشائرية السريعة والمتناقضة وفق موازين القوى والصراع الاجتماعي والاقتصادي وديناميكيات الصراع السياسي، وكل ذلك يجعل من الصعوبة بمكان التنبؤ بتحركات العشائر، خصوصاً في ظل واقعها المتصدع والمتشظي.
– قوات النظام تتقدم باتجاه المحافظة، كما أن دخول الحشد الشعبي من العراق أمر غير مستبعد، ولدينا “قوات سوريا الديمقراطية” أيضاً، وهناك جماعات من الجيش الحر مرتبطة بالتحالف، ومقابل كل ذلك التنظيم متواجد، وقد يدافع بكل قوته عن آخر مناطق سيطرته، بماذا يوحي لك هذا المشهد؟
لا شك أن دير الزور ستتحول إلى مركز أساسي للتنظيم، وهذا الأمر بدأ قبل انتهاء معركة الموصل، أي انتقل الكثير من رجال التنظيم إلى المحافظة، وهذا يؤكد لنا بأننا أمام معركة قاسية وطويلة، وهذا سيجري مع غياب القوى الموحدة من أبناء المحافظة، نتيجة العوامل التي أشرنا إليها سابقاً، إلى جانب ارتباطها بأطراف مختلفة، أي مع التنظيم و النظام، ومع “قوات سوريا الديمقراطية”، ومع الجيش الحر، بالتالي هناك خلافات شخصية ومشاريعية وأسباب تمنع تشكيل قوة متوازنة من أبناء المحافظة.
اليوم هناك خطط كثيرة تطرح لمستقبل المحافظة المرتبط بشكل التفاهم الروسي- الأمريكي. في السابق كان التفاهم ضبابياً، لكن اليوم يتضح أن التحركات الحالية العسكرية تأتي في سياق تفاهم بين الطرفين حصل كما يبدو، وأتوقع أنا شخصياً، أن الولايات المتحدة لن تنخرط في حرب مفتوحة مع أي طرف كان، لأن ذلك يحتاج إلى تجهيز عسكري ضخم، وهذا سيؤدي إلى تقاسم المحافظة، أي سوف يسيطر النظام على المناطق الجنوبية من نهر الفرات، بينما ستكون المناطق الشمالية من نهر الفرات تحت سيطرة قوات متحالفة مع التحالف الدولي.
– من هي القوات المتحالفة مع التحالف الدولي؟ هل تقصد “قوات سوريا الديمقراطية”، أو قوى بعينها داخلها، مثل قوات النخبة المرتبطة بالسياسي أحمد الجربا؟
كل الاحتمالات واردة اليوم. إن بناء قوة من أبناء المنطقة تكون متحالفة مع الولايات المتحدة غير مكتمل لغاية الآن، بسبب الخلافات الشخصية والعشائرية، كما أشرنا.
أما بالنسبة للحشد الشعبي العراقي، فعلى الأرجح أن أي تحرك من قبل قوى شيعية إلى المنطقة سيغير من موقف أبناء العشائر في محافظة دير الزور، لأسباب سياسية وليس عقائدية.
– إذاً دير الزور أو لنقل المساحة الأكبر فيها ستكون تحت سيطرة النظام، أليس كذلك؟
إن إصرار الروس على حماية الجيب المتبقّي للنظام داخل المدينة، في ظل الإدارة الأمريكية السابقة، يشي بأن هناك بناء مستقبلي على هذه الجزيرة الصغيرة المحاصرة من قبل تنظيم الدولة.
بالتالي أرى، وفقاً للتحركات العسكرية في محيط محافظة دير الزور، أن المناطق الجنوبية من نهر الفرات، أو المناطق الواقعة على الضفة اليمنى للنهر أي البادية الشامية التي تشكل امتداد للبادية السورية، ستكون من حصة النظام وروسيا، أما الشمالية أي “الجزيرة السورية” فغالباً سيصار إلى تشكيل تحالف من أبناء دير الزور برعاية أمريكية ليخوض معارك ضد تنظيم الدولة، لتحرير هذه المنطقة وحكمها فيما بعد.
طبعاً هذه المنطقة، أي الجزيرة السورية برمتها، تحوي غالبية الثروات الزراعية والباطنية والطاقة، التي تعتمد عليها سوريا عموماً، بالتالي نستطيع القول بأن منطقة النفوذ الأمريكي هي منطقة الموارد، ومن المؤكد أن من سوف يحكم هذه المنطقة من الأدوات، سيكون مؤثراً في القرار السياسي، وما يتخوف منه أبناء دير الزور أن يتحالفوا مجبرين مع “قوات سوريا الديمقراطية”.
– في هذا السياق تحديداً، يتحدث بعض أبناء دير الزور اليوم عن ضرورة بناء تحالف على أساس مصلحي، وليس على أساس قومي، هل ترى ذلك مجدياً؟
الأمر خاضع للشرط الأمريكي، والواقع السوري العسكري يتطلب من أي تشكيل عسكري محلي وجود غطاء سياسي دولي من روسيا أو الولايات المتحدة، أو من تركيا.
إن القوات المكونة من أبناء المحافظة المتحالفة مع “قوات سوريا الديمقراطية” اليوم، هي قوات غير مقبولة لدى المجتمع المحلي، وبالتالي لا بد من تشكيل قوى متوازنة ضمن فصيل “مغاوير الثورة” للدخول إلى المحافظة.
والمقصود بالمتوازنة، أي يجب أن تضم هذه القوى خليطاً من أبناء العشائر، لدخول أبناء كل عشيرة إلى المنطقة التي تتواجد فيها عشيرته، بحيث نتجنب الحساسيات المجتمعية العشائرية.
– في سياق الحديث عن “مغاوير الثورة”، ما هو تفسيركم لانسحاب بعض الفصائل من قاعدة التنف، بعد تشديد الولايات المتحدة على عدم قتال هذه الفصائل للنظام، وهل نستطيع تفسير ذلك بالحديث الواضح عن اتفاق روسي- أمريكي؟
أستطيع أن أجزم بأن هذا الطلب غير متعلق بمفاعيل الاتفاق الروسي- الأمريكي، وإنما هو متعلق برؤية برنامج التدريب الأمريكي الذي بدأ في العام 2015 الذي يشترط قتال التنظيم لدعم الفصائل المرتبطة بالبرنامج، وهذا الأمر يشابه تماماً الاتفاق التركي- الروسي الذي نجم عنه عملية “درع الفرات”.
– على ذكر “درع الفرات” ما هو دور المجلس العسكري الموحد لدير الزور الذي تم تشكيله في ريف حلب الشمالي هذا العام؟
الجغرافيا اليوم تحكم، والمجلس بعيد عن المحافظة، ومن الممكن قراءة تشكيله على أنه محاولة من تركيا للاستفادة منه في دخول في صراع مع “قوات سوريا الديمقراطية” للوصول إلى دير الزور؛ المدينة التي كانت محطّ اهتمام الأتراك.
-ختاماً ما هو الرابط بين معركة الرقة، وتوقيت الإعلان عن معركة شاملة في دير الزور؟
لا تزال هناك بعض الخلافات التي تؤجل من إعلان معركة دير الزور، منها الخلافات على معبر البوكمال، وكذلك على مناطق النفوذ في المدينة التي من المرجح أن يسيطر عليها النظام، لكن المؤكد أن الانتهاء من معركة الرقة سيسرّع من معارك دير الزور.
المصدر