Written by
MICRO SYRIA ميكروسيريا
on
on
التمكين السياسي ليس أولوية للاجئات السوريات
محمد
ميليا عيدموني
صحفية سورية، والمديرة الإقليمية لشبكة الصحفيات السوريات.
بقلم ميليا عيدموني.
“أنا عم درب حالياً على خربان البيوت”. بهذه العبارة الساخرة تصف أميرة عملها كميسّرة لنشاطات مرتبطة بالتمكين السياسي، ومهارات اتخاذ القرار، التي تستهدف النساء اللاجئات السوريات في لبنان، والمقدمة من قبل بعض المنظمات الدولية العاملة هناك. عندما وصلت أميرة حسن (٣٢ سنة) إلى مدينة بعلبك اللبنانية، كانت تحمل عبء تربية أبنائها الخمسة وتأمين مصاريف حياتهم اليومية وضمان التحاقهم بالمدرسة، وبنفس الوقت حماية نفسها من التحرّش والاستغلال الذي تعرّضت له باعتبارها غريبة عن المنطقة، ولا قانون يحميها مع الحكم المسبق أنّها ستسكت عن هذه الانتهاكات. تقول: “بدأت رحلة مضنية للبحث عن عمل في جمعيات محلية تقدم الدعم للنساء، لاقتناعي أني لاجئة ولي حقوق في البلد الذي استضافني، ورغم المضايقات التي تعرّضت لها خلال السنة الأولى، لم أستسلم وقاتلت للحصول على حقي، ووضعت هدفاً أمامي، أن أخترق هذا المجال وأجد عملاً ضمن هذه الجمعيات، لأضمن أنّ النساء لن يتعرّضن لما تعرّضت له، وسيحصلن على حقهن من المساعدة بعدل وكرامة”. تقسم أميرة يومها في مدينة بعلبك، بين العمل كمتطوعة وميسّرة نشاطات لأكثر من خمسة منظمات دولية عاملة في منطقة البقاع اللبناني، تتراوح هذه البرامج بين دعم نفسي اجتماعي لليافعين واليافعات، وتمكين المرأة وتعزيز قدراتها في وقت الأزمات. شاركت أميرة في عدد من دورات القيادة المجتمعية للنساء، منها المقدم من منظمة آكشن إيد وهي فرع لمنظمة آكشن إيد الدولية، التي تهتم بتمكين وبناء قدرات المتضرّرات والمتضرّرين في مناطق النزاع، تؤكد أميرة أنّ المهارات التي اكتسبتها من خلال التدريبات، ساهمت في بناء شخصيتها، خاصة أنّ المجتمع يرى انتهاء حياة وآمال اللاجئة أو اللاجىء مع الخروج من بلدهم. تأمل أميرة أن تعود لسوريا للعمل ضمن اختصاصها. “حياتي الفعلية بدأت من خمس سنين، اليوم أنا قادرة على التأثير الإيجابي في مجتمعي بشكل أكبر، من خلال المهارات التي حصلت عليها خلال تواجدي في لبنان” تقول أميرة. وتتنوع برامج منظمة آكشن إيد، المصمّمة لرفع وعي النساء بحقوقهن ومحو الأمية القانونية، وتشكيل لجان محلية تعتمد في إدراتها على مجموعة من النساء القياديات في مجتمعاتهن المحلية. التركيز على التمكين السياسي نتيجة ضغط الممولين إنّ مفهوم التمكين السياسي، يعني القدرة على المشاركة في صنع واتخاذ القرارات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وصولاً إلى تحقيق التنمية المستدامة والمساواة في المجتمع. وبدأت المنظمات الدولية تأخذ منحى جديداً في نوعية برامجها التي تستهدف النساء، لتركز أكثر على بناء قيادات نسائية ضمن مجتمع اللاجئين، ودمجهن في سوق العمل عبر برامج التمكين الاقتصادي والريادة المجتمعية، ومهارات التفاوض وصنع القرار، بعد أن كان النمط السائد في عملهم: الجانب الإغاثي، وتوفير ورشات عمل قصيرة الأمد، ليست خارجة عن المألوف فيما يخص الصورة النمطية حول عمل المرأة التقليدي، مثل دورات الطبخ والحرف اليدوية والتجميل. التحوّل في عمل المنظمات الدولية نحو التمكين السياسي والاقتصادي للنساء، بدأ بحسب عضوة رابطة النساء السوريات، صباح حلاق، نتيجة الضغط من الجهات المانحة، لكن جدوى هذه المشاريع لا يمكن قياسها في فترة قصيرة وإنما هي عملية تراكمية “التمكين السياسي مرتبط بشكل مباشر بالتمكين الاقتصادي والاجتماعي، مما يعزّز ثقة المرأة بنفسها، فالمشاركة السياسية تبدأ من آلية اتخاذ القرار في المنزل، وصولاً إلى حقها في الترشح والانتخاب وكيفية ممارسة هذا الحق، على اعتبار أنه كان مغيباً لعقود في سوريا”، مضيفة “أنّ الخطأ الذي وقعت فيه المنظمات الدولية وتفادته المنظمات المحلية السورية مثل رابطة النساء السوريات، هو إبعاد الرجال عن هذه الدورات، مما رفع نسبة العنف الأسري الذي تتعرّض له اللاجئات في لبنان”. المجال العام في بلدان اللجوء مغلق أمام اللاجئات وعن الفجوة والاختلاف الكبير بين البرامج التي تستهدف النساء السوريات في الداخل مثل دورات العدالة الانتقالية، ورفع نسبة المشاركة النسائية في المجالس المحلية في سوريا، والبرامج في بلدان اللجوء، التي اقتصرت على دورات الحماية من العنف القائم على أساس النوع الاجتماعي والقيادة المجتمعية، تقول مسؤولة برنامج النوع الاجتماعي في منظمة كير الدولية، ديمة كرادشة: “قد يعزى اختلاف البرامج إلى ظروف النساء في المجتمعات المستضيفة ومحدودية القدرة على العمل في المجال العام وتحديداً في النشاط المدني، هي ليست فجوة بل مقاربات متنوعة تثري العمل في مجال تطوير المرأة وتمكينها للانخراط على عدة مستويات؛ اقتصادي، اجتماعي أو سياسي”. واستهدفت منظمة كير الدولية عبر فرعها الاقليمي في الأردن خلال العام ٢٠١٦ ما يقارب ١١٠٠ امرأة سورية ضمن برامج التدريب المهني في كل من محافظات الزرقاء والمفرق وإربد، ويهدف المشروع بحسب موقع المنظمة الرسمي إلى مساعدة النساء على الاعتماد على الذات وإعالة أنفسهن وأسرهن. وترى “حلاق” أنّ برامج التمكين السياسي التي تستهدف اللاجئات، ليست بالضرورة قابلة للتطبيق في بلدان اللجوء مع غياب القوانين التي تعترف بحقوقهن “عند بداية تطبيق برامج المشاركة السياسية في منطقة البقاع ارتفعت حساسية الأمن اللبناني للموضوع، ولكن مع القليل من الشرح حول التدريبات وأهدافها لم تواجهنا أيّة مشكلة أمنية تذكر”. وتوضح الكاتبة والناشطة السياسية لمى قنوت أنّ بعض مشاريع التمكين، التي طبقت في لبنان على سبيل المثال، تخلو من التخطيط الاستراتيجي “يقتصر التواصل بين الشرائح المستهدفة من الورشات والمنظمة على أيام الورشة فقط (2-3 أيام) فقط، دون متابعتهن لتطوير معارفهن وكيفية تطبيقها أو محاولة تطبيقها عملياً داخل بلد اللجوء، ودون تخصيص مبالغ مالية محدّدة من ضمن المشروع لمساعدتهن القانونية داخل البلد المضيف”. ورغم أنّ التمكين القانوني والاقتصادي جزء لا يتجزأ من التمكين السياسي للنساء بحسب قنوت، إلا أنّ نظرتها مختلفة لهذا النوع من التمكين المقدم من المنظمات الدولية، تقول: “لم يتم تشجيع النساء ودعمهن من أجل تنظيم أنفسهن (ضمن منظمة مجتمع مدني أو حزب)، بل تستغل بعض المنظمات العمل معهن للتحدث باسمهن في المنابر الدولية، عوضاً عن تشجيعهن للتعبير عن مطالبهن بأنفسهن، وتطوير مهاراتهن ومحاولة وصلهن مع البعثة الأممية ومؤتمرات الدول المانحة”. ونشرت قنوت مؤخراً كتاباً تحت عنوان “المشاركة السياسية للمرأة السورية بين المتن والهامش” بهدف تسليط الضوء على النخب السياسية التي ترسم القرار وتستبعد النساء من صنع القرار. ويهدف الكتاب الذي عالج أربعة قضايا رئيسية ضمن كواليس القوى السياسية، الديمقراطية، النظرة النمطية، الكوتا، والعنف، إلى إزاحة الستار عن العقلية التمييزية ضد المرأة ومشاركتها السياسية. الخوف من الحديث في السياسة تنبّهت وئام غباش (٣٢ سنة)، مع بداية لجوئها إلى لبنان في العام ٢٠١٤، أنّ معظم النشاطات المرتبطة بالتمكين السياسي لا تأتي ضمن أولويات اللاجئات مقارنة مع التمكين الاقتصادي، لعدّة أسباب، منها غياب معرفتهن بالموضوع بالإضافة إلى أنّ مصطلح “المشاركة السياسية” مرتبط لديهن “بالمعارضة” والخوف من الحديث في السياسة، في حال تواجد أحد أفراد الأسرة داخل سوريا. ورغم الاختلاف بين مجال اختصاص وئام الأكاديمي، والدورات المقدمة من قبل المنظمات والجمعيات المحلية في لبنان، فقد شاركت وئام منذ لجوئها إلى لبنان، بما يزيد عن عشرين دورة تدريبية حول مواضيع مختلفة، مثل العنف القائم على أساس النوع الاجتماعي، تمكين المرأة والعدالة الانتقالية… تقول: “في البداية شعرت بالخوف من هذه الأفكار، معتقدة أنها تمثل الغرب الكافر، وهنا نقطة الالتقاء الإيجابية بيني وبين اللاجئات اللواتي أعمل معهن والتقي بهن يومياً، نحن نتشارك نفس الخلفية الثقافية والدينية”. شهادة الحضور وبدل المواصلات هي الدافع تعمل وئام الحاصلة على إجازة في اللغة الإنكليزية من جامعة دمشق، اليوم مع منظمة النساء الآن كإدارية ومدربة كمبيوتر ضمن برنامج التمكين المعرفي في مركز المنظمة في منظقة البقاع في لبنان، وترى أنّ دورات الخياطة والتجميل، هي باب يجب استغلاله للحديث مع النساء حول التمكين السياسي، والقيادة المجتمعية وحقوق النساء، بطرق غير مباشرة، “دوري الأساسي اليوم هو فتح أبواب جديدة أمامهن للعمل على محو أميتهن في مجال التمكين السياسي والاقتصادي، ووضع خيارات متعدّدة أمامهن لتحديد أهدافهن المستقبلية”. ومن خلال عملها المستمر مع اللاجئات ترى وئام أنّ غالبية النساء يفضلن المشاركة في نشاطات متعلقة بالتمكين الاقتصادي على المشاركة بدورات التمكين السياسي، لعدّة أسباب منها، الحصول على شهادة الخبرة المقدمة مع نهاية التدريب، والاستفادة من بدل المواصلات الذي يساهم بتوفير دخل بسيط للنساء، ما يعادل ٤ دولارات أميركية في اليوم، بالإضافة إلى إمكانية العمل من المنزل في حال توافر المعدات الأساسية؛ لكن مع انتهاء مدة المشروع والتمويل المخصّص له، تُترك النساء وحيدات في منتصف الطريق، دون متابعة النتائج بعد المشروع، أو مساعدتهن في توفير سوق لتصريف المنتجات”. الأمر الذي تؤكده “كرادشة”: “في أغلب البرامج التي تنفذ، هناك ضعف في عملية المتابعة وذلك لعدّة أسباب، منها ما له علاقة بمدّة المشروع وتمويله، ومنها ما له علاقة بالمتدربات أنفسهن، مثل السفر وإعادة التوطين”، موضحة أنّ الهدف من التدريب المتعلق بالتمكين السياسي أو بناء السلام، بالأساس اكتساب المتدربة المعارف والمهارات اللازمة لتصل إلى ما تسعى إليه، ولكن يبقى تكوين الاتجاهات والممارسات بحاجة إلى استمرارية ومتابعة وانخراط فعلي في العمل العام. وعن المحتوى التدريبي خلال هذه البرامج والنشاطات تقول غباش”: “أغلب التدريبات قائمة على شرح المفاهيم الأساسية لحقوق النساء في المواثيق الدولية، مفهوم الدولة والمجتمع المدني، حقوق الإنسان، والقانون الدولي الإنساني، بالإضافة إلى ورشات لتنمية المهارات الشخصية متل التواصل والتفاوض والتيسير، وذلك في سبيل تهيئة النساء للوصول إلى مراكز صنع القرار وتشكيل قيادات نسائية قادرة على إدارة المجتمع والدفع باتجاه التغيير والسلام على المستويات المحلية والدولية”. وغالباً ما تواجه اللاجئات السوريات في كل من لبنان أو الأردن صعوبة في تطبيق المهارات المكتسبة في المجال السياسي أو صنع القرار، في بلدان اللجوء نتيجة موقف لبنان والأردن من الوضع السياسي في سوريا. تعتبر رنا (٣٣ سنة)، والتي فضلت إخفاء هويتها الحقيقية لأسباب أمنية، أنّ عمل المرأة في مجال الخياطة، ليس تنميطاً لدورها في المجتمع، وإنما فرصة للإبداع أيضاً في هذا المجال، “أنا خريجة كلية التجارة، ومع بداية لجوئي إلى الأردن في العام ٢٠١٢ وجدت فرصة عمل في مشغل خياطة وبالرغم من بعد هذا العمل عن تخصصي الجامعي، لكن اليوم اكتسبت مهنة جديدة وأمنت دخلاً مادياً مقبولاً”. أكبر تحديات رنا اليوم كلاجئة سورية هو غياب الشعور بالأمان، وإيجاد عمل لائق يضمن حقوقها، خاصة مع استخدام أرباب العمل هذا الموضوع كأداة للاستغلال. لم يسبق لرنا المشاركة أو حضور دورات أو ندوات عن التمكين السياسي أو القيادة المجتمعية، لكنها ترى أنّ فرص اللاجئات السوريات في المشاركة في صنع القرار لبناء سوريا أكبر، “خاصة أنّ اللاجئات السوريات أثبتن أنفسهن ونجحن في عدة مجالات وتحملن أعباء ومسؤوليات لم يعتدن عليها في السابق” بحسب تعبيرها. القانون هو الرهان للحفاظ على المكتسبات لا يمكن لورشة واحدة أن تحدث تغييراً ملحوظاً في حياة النساء خاصة ما لم تكن هناك متابعة مستمرة من الجهات المعنية بالموضوع. وترى الباحثة السورية علياء أحمد، أنّ الرهان الحقيقي لمحافظة النساء على هذه المكتسبات يقع على عاتقهن أولاً، وعلى القانون لاحقاً: “هناك تغيرات عميقة وجذرية في سلوكيات النساء السوريات في السنوات الأخيرة سواء كلاجئات، نازحات، أو حتى مقيمات في مناطق تحت سيطرة النظام أو تحت سيطرة الفصائل الإسلامية المسلحة أو المناطق الكردية. في جميع هذه المناطق بدأت النساء بثورتهن الخاصة على كثير من القيم التقليدية والأنماط الاجتماعية التي تسيطر وتحد من حريتهن، المجالات تعددت الآن وخيارات النساء باتت أكثر اتساعاً، وكثيرات يقفن من مواقعهن ويقلن “لا” ضد من يريد قمع إرادتهن والحد من حريتهن”. مؤكدةً أنّ هذا العمل سيستغرق وقتاً أطول بكثير لينجز بشكل مؤسساتي، إن لم تُنظم النساء أنفسهن ضمن جمعيات ومؤسسات تطالب بتثبيت هذه الحقوق ضمن القانون والنصوص التشريعية، وتلغي التمييز القانوني والتشريعي ضد النساء لتضمن مساواتهن الحقيقية مع شركائهن الرجال في المجتمع والدولة. ملاحظات: (1): أنجز هذا التحــــقيق في بداية عام 2017 ضمن مشروع “تجمع الصحافة السورية المستقلة، الذي يشارك فيه كل من :راديو روزنة، موقع الجمهورية,عنب بلدي، سيريا ديبلي, شبكة الصحفيات السوريات, حكاية ما انحكت.(الصورة الرئيسية: امرأة من حمص، لاجئة في لبنان، أمام مجموعة من الأعمال اليدوية التي تعلمت صنعها، من خلال الدعم المقدم من هيئة الإنقاذ الدولية، والمساعدات البريطانية (Russell Watkins/DFID))
المصدر