جراب الكردي
1 آب (أغسطس - أوت)، 2017
فوزات رزق
جاء في الأمثال الشعبية: “ناس بتنعصرلهن العكة، وناس بينقرالهن العذر”
والمثل يضرب في الرجل يحابي الناس من أجل مصلحته، ويفعل المستحيل لإرضائهم، بينما يقفل بابه في وجه الآخرين، مبديًا أعذارًا كاذبة. والعكّة وعاء من جلد لحفظ السمن أو الدبس. فإذا جاء من يطلب دبسًا أو سمنًا، وكان عزيزًا، تعصر له العكة لاستخراج آخر ما فيها ويُقدّم له. في حين أذا استرفد أحدهم آخر لا مصلحة له معه؛ فيسارع للاعتذار ولو كانت عكّته مترعة.
تذكّرت هذا المثل الشعبي، وأنا أقرأ افتتاحية الأسبوع الأدبي العدد 1545 تاريخ 11/ 6/ 2017 تحت عنوان: (رؤى على أشرعة الفجر). والافتتاحية تتحدّث عن كتاب للدكتورة نجاح العطار نائب رئيس الجمهورية للشؤون الثقافية، الصادر عن الهيئة العامة السورية للكتاب يحمل هذا العنوان.
وقد جاء في الافتتاحية ما نصّه: (يتضمّن الكتاب خمسة وستين نصًّا، يحار القارئ في إحالة كلٍّ منها على حقل معرفيّ محدد. أو جنس أدبيّ محدد؛ لأن كلًا منها يبدو ثمرة غير حقل، وغير جنس أدبي بآن، من فنّ المقال، إلى البحث، فالدراسة، فالمحاضرة، فالكلمة في هذه المناسبة أو تلك). انتهى توصيف الكتاب.
ومع أن هذا التوصيف يشي بأن هذا الكتاب هو أشبه بكشكول السمان الذي يجمع بقع الزيت إلى بقع القطران. وبضاعته كبضاعة مخزن القرية الذي يمكنك أن تجد فيه ما هبّ دبّ، من الإبرة إلى الجمل كما يقول التعبير الفلاّحي. غير أن صاحب الافتتاحيّة يأبى إلاّ أن يقرّضه بالقول: (إلى الحدّ الذي يعزّز الصواب، بما كنت أشرت إليه غير مرّة وفي غير مجال، أعني نص السيّدة العطّار هو نصّها وحدها، وينسب إليها وحدها، ويجهر بها وحدها. ولا أحد سواها من المشتغلين بالفكر والثقافة والأدب). وتسترسل الافتتاحية في كيل التقاريض ببلاغة قلّ مثيلها. ولم أدر لمَ لم تُرفَق كلمة وحدها التي كررها الكاتب أكثر من مرّة بعبارة “لا شريك لها”، حتى يكتسب التقريض صفة القداسة، ويصبح أكثر حميمية. فصاحبة الكتاب من علية القوم ولكل مقام مقال.
حسنًا. حينما قرأت تلك الافتتاحية؛ انتابني ما يشبه الحسد والغيرة وضيق العين، وتصوّرت نفسي أتقدم بكتاب مماثل وبالمواصفات نفسها؛ فيعود المخطوط لي مع عبارة: “لا ينتمي المخطوط إلى جنس أدبي محدد. مع الاعتذار عن النشر”.
وقد وذهب بي الظن إلى أن هذا الكتاب يشبه “جراب الكردي” الذي يتحدّثون عنه. وحكاية هذا الجراب غريبة عجيبة لو كتبت على مآق العين بالإبر، لكانت عبرة لمن اعتبر. والخلاصة أن رجلًا كرديًّا أراد الحج لبيت الله الحرام، وكان لديه جراب احتوى على بعض حاجاته الشخصية التي يشفق عليها من الضياع، فأودع جرابه عند جاره، وتيسّر إلى الحج برعاية الله مع قافلة الحجيج. وما إن عاد بعد شهرين أو ثلاثة حتى ذهب إلى جاره لاسترجاع جرابه. بيد أن جاره، لسوء الحظ، كان قد فقد الجراب، وأبدى استعداده لتعويض الرجل عن حاجاته المفقودة. فأخذ الكردي يعدد محتويات جرابه، قال:
“فيه جواهر ونقود، وخلاخيل وعقود، وعباءات وملاءات، وصوانٍ وأوانٍ، وفيه سيوف مرصعة، ودروع مدرّعة. وخناجر مسنونة، وطناجر مدهونة. وفيه أربعة رماح مشرفيّة وخمس سجاجيد أعجميّة. وفيه من الذهب ألفان ومن الفضّة ما ينوء به الميزان. وفيه عقاقير تشفي البرصاء، وأشربة تروي الظماء…
فصاح به جاره قائلًا:
– خف الله يا رجل، أنت أودعتني جرابًا فيه بعض المتاع، أم قيسريّة يُشترى فيها ويُباع.
ختامًا كم أتمنّى، كي تعمّ الفائدة ويرتفع مستوى الإبداع في الاتحاد، أن يعاد طبع هذا الكتاب في مطابع الاتحاد، ويلزم أعضاء الاتحاد باقتنائه أسوة بالأسبوع الأدبي والموقف الأدبي وغيرها من دوريات الاتحاد، على أن يرصد ريعه لصالح الجيش العربي السوري.
“وما حدا أحسن من حدا”.
[sociallocker] [/sociallocker]