‘فزغلياد: بوتين لن يدير ظهره أبدًا لترامب’

7 آب (أغسطس - أوت)، 2017
11 minutes

سمير رمان

الصورة: إيفان فوتشي /AP/ТАСС

انتقد الرئيس الأميركي دونالد ترامب الكونغرسَ، بسبب قانون العقوبات الذي اضطَّر إلى توقيعه يوم البارحة. كيفما اجتهد المحللّون السياسيّون الروس في التأويل، فإنَّه لم يكن في تصرُّف رئيس الولايات المتحدة الأميركيّة أيُّ تناقضٍ أو ضعف؛ إذ يجب ألّا ننسى أنَّ ترامب يحاول القيام بثورةٍ، وهذا بالذات ما يجب أنْ يحدِّد مسار سياستنا تجاهه.

كتب دونالد ترامب، في صفحته على (تويتر)، صباحَ يوم الخميس آخرِ يوم عملٍ قبل العطلة الأسبوعية: “علاقاتنا مع روسيا في وضعٍ خطيرٍ وضعف غير مسبوق. بإمكانكم تقديم الشّكر للكونغرس، ولأولئك الأشخاص الذين لا يستطيعون منحنا حتى الضمان الصحيّ”. وكان الرئيس الأميركي قد وقّع، قبل يوم، القانونَ الذي صادق عليه الكونغرس بفرض عقوباتٍ على روسيا، إيران وكوريا الشماليّة، وعلى الرغم من أنَّ القانون لم يعجبه، فإنَّ استخدامه حقَّ النقض الرئاسي سيكون بلا معنى؛ إذ يستطيع البرلمان إلغاءَه بكلِّ سهولة.

ولهذا، بعد أن وقَّع القانون، أطلق ترامب “تصريحين خاصَّين”، شرح فيهما موقفه وبيّن اعتراضاته، يتعلَّق أهمُّها بتعارض هذا القانون مع الدستور، وقد كرّس الرئيس الأميركيّ أحد التصريحين لتوضيح هذا الأمر، وكتب: إنَّه وقَّع الورقة “للحفاظ على الوحدة الوطنيّة”، مشيرًا في الوقت نفسه، إلى أنَ القانون “يتعدَّى على التفويض الذي تتمتَّع به فروع السلطات التنفيذية في مجال إجراء المفاوضات الدوليّة”، وأضاف: “باستعجاله المصادقة على هذا التشريع؛ اتّخذ الكونغرس عدَّة مواقف غير دستوريَّة”.

أمَّا الاعتراضات السيَّاسيّة على القانون، فقد حدَّدها ترامب على النحو التالي:

“مشروع القانون هذا، يحدُّ من مرونة السلطة التنفيذية، ويصعِّب على الولايات المتحدة الأميركيّة مهمَّة عقد صفقاتٍ مفيدة، تصبّ في مصلحة الشعب الأميركيّ، ويساهم في تقريب مواقف الصين، روسيا وكوريا الشماليَّة”.

ومعنى هذا أنَّ الرئيس يلوم الكونغرس على المساهمة في تعزيز التقارب الروسيّ-الصيني، وهو الأمر الذي يعدّه الاستراتيجيّون وكبار الجيوسياسييّن الأميركيين الجادّين، من أسوأ السيناريوهات التي لا يرغبون في حدوثها. ومن ناحيةٍ أُخرى، يساعد القانون الجديد، أيضًا، على إبعاد أوروبا عن الولايات المتّحدة الأميركيّة، فهو -في الحدّ الأدنى- يسبّب التوتّر في مسألة فرض عقوباتٍ مشتركة (أميركية-أوروبية) ضدَّ روسيا.

سبق أن حذّر الاتحاد الأوروبي بأنَّه سيردّ، إذا ما حاولت الولايات المتحدة الأميركيّة تطبيق العقوبات على الشركات الأوروبيَّة التي تعمل في قطاع الطاقة مع الشركات الروسيّة. وفي هذه النقطة بالذات، لم يتمكَّن ترامب والاتحاد الأوروبيّ، من إدخال تعديلاتٍ على مشروع القرار، وقد نبّه الرئيس الأميركي إلى هذه النقطة، عندما صرَّح بأنَّ “النصَّ المحسَّن يعكس العلاقة العكسيَّة مع حلفائنا الأوروبيين الذين يمثِّلون حلفاءَنا الصّلبين في مسألة فرض العقوبات على روسيا، خاصَّةً في مجال قطاع الطاقة الذي ينظر الكونغرس فيه”.

أي أنه سيتمُّ التشاور مع الأوروبيين، قبل اللجوء إلى هذه الإجراءات أو تلك، على الرغم من أنَّ الاتحاد الأوروبيّ يريد -من حيث المبدأ- أن يغضَّ القانون الطرف عن الشركات الأوروبيّة المتعاونة في مشاريع مع الروس. ومن الواضح، أنَّ ترامب لا يريد الضغط على أوروبا بهذه الطريقة، على الأقل، لأنَّه يدرك عدم جدوى هذه الإجراءات التي ستؤدي بالنتيجة إلى نتائج عكسيّة تمامًا. أي إلى تقليص تبعيّة الاتحاد الأوروبيّ بالولايات المتحدة الأميركيّة؛ ولهذا جاء في “التصريحات الخاصَّة” التالي:

“تنتظر إدارتي -بشكلً خاصّ- أن يمتنع الكونغرس عن استخدام هذا المشروع الخاطئ في إعاقة عملنا المهمّ مع الحلفاء الأوروبيين في حلِّ النزاع في أوكرانيا، وألّا يفكِّر باستخدامه لإعاقة جهودنا الرامية إلى تجنُّب أيّ نتائج غير متوقَّعة، يمكن أن تواجه المشاريعَ الأميركيَّة، أو مشاريعَ أصدقائنا وحلفائنا”.

هذا يعطينا المبرّر لنؤكِّد أنَّ ترامب سيقوم بتنفيذ القانون، فقط عندما يرى في تطبيقه تلبيةً لمصالح سياسته؛ لهذا ركَّز ترامب في تصريحاته على القول: “مَنْ كتبَ دستورنا ارتأى وضع العلاقات الدوليَّة بين يديّ الرئيس، وسيثبت مشروعُ هذا القانون حكمةَ هذا الخيار”. في حال حاول الكونغرس اتهام الرئيس بخرق القانون، فإنَّ بإمكان ترامب اللّجوء إلى المحكمة الدستوريّة العليا والحصول على اعترافٍ منها بعدم دستوريَّة بعض نصوص القانون.

من المفهوم، أن يثير التوقيع على القانون ردَّة فعل سلبيّةٍ في روسيا، إلى درجةٍ لم تفلح معها حتى تحفّظات ترامب في تلطيف الاستياء في روسيا، بل على العكس، فقد رأينا المزيد من الحنق، بعد حديثه عن أنّ القانون “يعكس إرادة الشعب الأميركيّ الذي ينتظر من روسيا الإقدام على خطواتٍ، من شأنها تحسين العلاقات مع الولايات الأميركيَّة. نحن نأمل استمرار التعاون بين بلدينا حول أهمِّ القضايا العالميّة، بحيث تنتفي الحاجة إلى هذه العقوبات”.

تحوّل الحديث في روسيا عن الرئيس الأميركي، من القول إنَّ ترامب رئيسٌ ضعيف، وإنَّ ترامب قد خسر المعركة، إلى القول إنَّ خصومه قد حطّموه، أجبروه، وانتصروا عليه. ولكنْ إذا أجرينا تقويمًا صحيحًا منطقيًّا؛ فإننا نستطيع القول إنّ القانون الجديد هو عبارةٌ عن واحدٍ من أساليب الصراع الذي يخوضه المعارضون مع ترامب، بهدف إقصائه في النهاية عن السلطة، لأنَّ هناك استنتاجات شاملة تقول إن “المؤسسة الأميركية تغلّبت تمامًا على ترامب”. بالإضافة إلى ذلك، نشهد ظهور توقّعاتٍ بنهاية الآمال المعقودة على تحسين علاقاتنا مع الإدارة الأميركيَّة الجديدة.

وهنا، علينا بالطبع أن نتنفَّس الصعداء ونحن نراقب اللعبة التي يديرها فلاديمير بوتين مع الولايات المتحدة الأميركيّة. من المضحك الحديث عن “أحلامٍ فارغة”، في العلاقة مع ترامب من جانب الرئيس الروسيّ. لم يكن بوتين (على عكس منتقديه والمولولين بأنَّ “كلَّ شيءٍ قد ضاع”) يعلِّق الأوهام على أيِّ شخصٍ أيًّا كان. في عام 2007، تحدَّى بوتين الهيمنة الأميركيّة علنًا، وفي عام 2013 – 2014، دخل في مواجهةٍ مباشرةٍ مع الولايات المتحدة الأميركيَّة. وبشكلٍ أدقّ، ليس مع الولايات المتحدة الأميركيّة، إنَّما مع النخب الأطلسيّة ما فوق القوميَّة التي أدركت منذ زمنٍ طويلٍ خططه لاسترجاع عظمة الدولة الروسيّة. في هذه المعركة الجيوسياسيَّة لا مكان للأوهام، ولا للأصدقاء، ولا للآمال، فهناك لا توجد معايير أُخرى، غير معرفة التاريخ، والحسابات الباردة والإيمان الراسخ.

من المضحك أن يسمع المرء مناقشات عن إمكانيّة خداع بوتين أو مخاتلته، أو الخشية من أنّه قد يذهب إلى تقاربٍ مع الغرب، مضحِّيًا في سبيل ذلك بالدونباس، بالمصالح القوميّة، بالنهج الخارجي أو بشيءٍ آخر من هذا القبيل. المواجهة مع قادة العولمة لا تعني أبدًا أنَّ علينا أنْ نلطِّخ جميع من يقف على الجانب الآخر بضربةٍ واحدة، بل على العكس تمامًا، ففي عالم الجيوسياسية شديد التعقيد، الذي يتقلَّب في مستويات الدول القومية، كما في الهياكل ما فوق القوميَّة، يجب أنْ نكون دومًا متأهبين، نصطفُّ، ندعم ونغيِّر التشكيلات، نستجيب للتغيّرات التي تطرأ على الأوضاع وعلى اصطفاف القوى. وبهذا المعنى، أعطى انتصار ترامب في الانتخابات الأميركيَّة لروسيا إمكاناتٍ فجائيَّة إضافيةٍ ورائعة.

يدلُّ مزاج ترامب نفسه، وكذلك المهامّ والأهداف التي وضعها نصب عينيه، على بداية الأزمة الأقوى في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية، ويمكن، بشكلٍ فجٍّ، أن نقارنها بالبيريسترويكا (إعادة البناء) في الاتحاد السوفيتي، زمن غوباتشوف.

بإمكان الولايات المتحدة الأميركية الخروج من هذه الأزمة بطريقتين: إمَّا أن تتحوَّل تدريجيًا، والأدق، أن تعود شيئًا فشيئًا إلى حالة الدولة القوميَّة الأقوى في العالم، والتي لها مصالحها الخاصَّة التي تهتّم بها. أو أن تهوي إلى الأسفل بقوة، بعد انهيار كلِّ المحاولات التي ستبذل للحفاظ، بأيِّ ثمن، على حالة القوة المهيمنة العالميةّ (وقد فقدتها فعلًا).

إنّه خيارٌ ذو أبعادٍ تاريخيّة حقًّا، وبحسب القوّة التي ستفوز في المدى المنظور (15-10 سنة)، ستُعرف الأثمان التي سيدفعها العالم لقاء الانتقال (الذي بدأ)، من عالم القطب الواحد إلى عالمٍ متعدِّد الأقطاب.

هذا ما يراهن عليه بوتين، ولهذا نحن (روسيا/ المترجم) بحاجةٍ إلى ترامب. وكلُّ هذه “العقوبات”، و”الآمال المحطَّمة” وسواها نتركها للآلة الإعلاميَّة، فهي كانت موجودة قبل ترامب، وكانت لتكون في حال فوز هيلاري كلينتون.

أمَّا أولئك الذين يعتقدون أنَّ ترامب قد خسر، فننصحهم بالتريُّث والتفكير بعمق. فحتى خسارة ترامب (بمعنى عزله، اغتياله أو إرغامه على الانتقال إلى صفوف دعاة العولمة)، فإنَّه لصالحنا (روسيا) من وجهة نظرِ جيوسياسيَّة بحتة، لأنَّ قطع تلك العملية “عودة أميركا كما كانت” التي وصل ترامب بفضلها إلى السلطة، يجعل خصومه يحرِّضون انتكاسةً أقسى للانعزاليّة الأميركيّة في المستقبل القريب.

في كلّ الأحوال، ستستمرّ روسيا في لعبتها لإقامة نظامٍ عالميٍّ جديد، بغضِّ النظر، عمَّا إذا كان سيكون لدينا أنصارٌ في الولايات المتحدة الأميركية أم لا. الفارق الوحيد أنَّه سيكون علينا العمل معًا للحدِّ من إراقة الدماء اللازمة لقيام النظام العالمي الجديد، وهذا كافٍ لجعل اللعبة تستحقّ حرق بعض الشموع.

اسم المقالة الأصلية
Путин никогда не отвернется от Трампа

كاتب المقالة
بيتر آكوبوف

مكان وتاريخ النشر
صحيفة فزغلياد. 3 آب 2017

رابط المقالة
https://www.vz.ru/politics/2017/8/3/881396.html

ترجمة
سمير رمان

[sociallocker]

المصدر

[/sociallocker]