on
بديل اللحم في دوما المحاصرة.. إنتاج وفير وتكاليف بسيطة
رغداء زيدان
داخل غرفة تتدلى منها أكياس معلقة في السقف، يتفقد أبو نبيل حبات الفطر التي تفرعت عنها، يتأكد من درجة الحرارة والرطوبة لضمان جودة الإنتاج الذي بات بديلاً عن اللحوم على موائد السكان المحاصرين في الغوطة الشرقية لدمشق.
ويقول أبو نبيل (50 عاماً)، وهو مدير مشروع لزراعة الفطر تنفذه مؤسسة محلية في مدينة دوما: "لجأنا الى زراعة الفطر باعتباره مادة غذائية عالية القيمة تعادل اللحمة ويمكن زرعه ضمن البيوت والأقبية والأماكن الضيقة".
ويعيش سكان الغوطة الشرقية منذ أكثر من أربع سنوات ظروفاً صعبة مع حصار قوات النظام للمنطقة التي تعد أحد آخر أبرز معاقل الفصائل المعارضة قرب دمشق.
وتسبب الحصار بنقص كبير في المواد الغذائية، وتراجعت قدرة السكان على تأمين احتياجاتهم مع ارتفاع الأسعار لا سيما اللحوم.
ويوضح مدير العلاقات العامة في مؤسسة عدالة للإغاثة والتنمية المنفذة لمشروع إنتاج الفطر مؤيد محي الدين أن الفكرة "جاءت من نقص المواد الغذائية في الأسواق"، مضيفاً "كنا نتقصى لإيجاد مصدر بروتينات وأملاح معدنية جيدة عوضاً عن مادة اللحم مرتفعة السعر (..) ووجدنا فكرة زراعة الفطر كحل بديل".
ورغم أن الغوطة الشرقية كانت تعد قبل عام 2011 منطقة زراعية بامتياز وتعرف بجودة إنتاجها لا سيما للفواكه والخضار، إلا أن زراعة الفطر لم تكن مألوفة، وفق ما يقول محي الدين، رغم سهولة زراعتها وقلة رأس المال المطلوب لذلك.
ويضيف "لم تكن هذه الزراعة موجودة في الغوطة قبل الأزمة، وتعرفنا إليها عبر الإنترنت من مناطق يشبه وضعها وضع الغوطة الشرقية".
ولا يلحظ المطبخ العربي عموماً والسوري تحديداً هذا المكون في أطباقه التقليدية والشعبية.
إنتاج بذور
وتتطلب عملية إنتاج بذور الفطر وزرعها وصولاً حتى القطاف عناية خاصة. ووفق أبو نبيل، تتراوح المرحلة الأولى بين 15 و25 يوماً، يتم خلالها إنضاج بذور الفطر داخل غرفة قليلة الإضاءة مع حرارة لا تتجاوز 25 درجة ورطوبة عادية. وخلال هذه المرحلة، يتم تقطيع حبات فطر ذات جودة عالية إلى شرائح رقيقة توضع بين ألواح صغيرة من الكرتون داخل وعاء بلاستيكي معقم ومقفل بانتظار انتشار الفطر على شكل عفن، قبل مزجه مع حبوب شعير مسلوقة ومعقمة، تشكل لاحقاً بذور الفطر.
ويشرح المتطوع في المشروع أبو أحمد (32 عاماً)، آلية العمل في المرحلة الثانية، إذ يتم غلي أكياس معبأة بالتبن داخل قدر كبير لمدة نصف ساعة بهدف التعقيم. ثم تعلق الأكياس لتصفيتها من المياه.
إثر ذلك، يتم "وضع التبن على طاولة التعقيم ورش مادة الجبص عليه لتعديل نسبة الحموضة فيه"، قبل أن يعبأ هذا المزيج في أكياس بلاستيكية. وتوضع خمس طبقات من المزيج في الأكياس وتنثر بذور الفطر بينها، قبل نقلها إلى غرفة خاصة تعرف بالحاضنة.
وبحسب أبو نبيل، تحتاج هذه المرحلة ما بين 25 و45 يوماً، مع حرارة تبلغ 25 درجة مئوية ورطوبة فوق الـ80 بالمئة وإضاءة وتهوئة جيدة، وفي نهايتها يتم القطاف بمعدل4 أو 5 مرات.
وللحفاظ على درجات الحرارة والرطوبة المطلوبة، يتم الاستعانة، وفق القيمين على المشروع، بمولدات كهربائية تعمل بدورها على محروقات يتم استخراجها محلياً من مادة البلاستيك مع ارتفاع أسعار الوقود وندرتها.
ومنذ بدء المشروع قبل ثلاثة أشهر، تم إنتاج "1300 كيلوغرام من الفطر تقريباً يتم توزيعه على 600 شخص أسبوعياً" بحسب أبو نبيل.
ويوزع الفطر "مجاناً على العائلات الأشد فقراً وتلك التي تعاني من سوء تغذية أو إصابات في النخاع الشوكي وتحتاج إلى تغذية".
مع استمرار الحصار، باتت اللحوم ترفاً لا تقوى عائلات كثيرة على تحمل كلفته خصوصاً بعدما تجاوز ثمن الكيلوغرام الواحد عشرة دولارات.
وتقول أم محمد (50 عاماً) وهي والدة لأربعة أولاد "إذا كنت قادراً على الحصول على الفطر فأنت في نعمة كبيرة (..) كما لو أنك تأكل صحن سمك أو دجاج أو لحمة".
وتضيف السيدة التي ترتدي ثوباً وحجاباً أسود وتعيش في منزل متواضع شبه خال من الأثاث، "إذا كنا غير قادرين على إحضار تلك اللحوم، بإمكاننا الحصول على الفطر".
وتذوق أبو عدنان الصيداوي (30 عاماً) الفطر للمرة الأولى قبل فترة قصيرة. ويقول وهو مستلق على سريره نتيجة إصابته بكسور عدة في رجله وظهره جراء غارة استهدفت دوما في إبريل/نيسان، "وصلني صحن فطر من ثلاثة أو أربعة أسابيع، لم أكن أعرفه ولم نتناوله من قبل".
ويشرح مع ابتسامة "تعلمنا طريقة طبخه عن الإنترنت. في اليوم الأول، طهيناه مقلياً مع البصل وفي اليوم الثاني مع الشاكرية"، الطبق السوري التقليدي الذي يتكون بشكل رئيسي من اللبن والبصل واللحوم ويقدم مع الأرز.
ويضيف "الفطر لذيذ في الطبخ وأحببناه مع الشاكرية".
وعلى غرار الكبار، لم يتذوق أطفال دوما يوماً الفطر. وتروي المسؤولة عن مركز للدعم النفسي في المدينة، تعرف عن نفسها باسم رشا، الدهشة التي اعترتهم حين رأوا الفطر للمرة الأولى بعد توزيعه عليهم في شهر رمضان في يونيو/حزيران، باعتباره "يضم الألياف ويحتوي على كثير من المكملات الغذائية".
وتقول "نظمت لهم ورشة صغيرة في المركز حتى يتعرفوا إلى طريقة طبخه (..) وعندما عرضته أمامهم سألوني آنسة ما هذا؟ ورد؟ فأجبتهم لا إنه فطر. كانت تلك أول مرة يرونه فيها".