الثورة السورية وحاجاتها الماسة


جيرون

لم يشأ العالم أن يكون نصيب الثورة السورية أفضل من أخواتها، وكذلك لم يشأ السوريون أصحاب الشأن أو بعضهم.

بعد النسخة السابعة من جنيف، التي تزامنت مع إعلان الجنوب “منطقة آمنة”، مع القليل من الخلافات على بعض التفاصيل بين الدول صاحبة الشأن، وبعيدًا عن سورية التي لم يكن لها رأي بهذا الاتفاق، لا موالاة ولا معارضة؛ بدأ الحراك السياسي الإقليمي والدولي يأخذ وتيرةً متسارعة، بإيقاعات واجتماعات وتصريحات متواترة، وتزايدت خلافات المعارضة، وسرّع الضغط الدولي بنموها، حتى كادت أن تُفجّر كل الأجسام المعارضة من الداخل، لأنها قد بُنيت على أسس خاطئة أساسًا. ومن الطبيعي ألا يكون هناك توافق في أساليب العمل والرؤى بين الليبراليين والديمقراطيين وذوي الخلفية الدينية، وإن كان الهدف واحد، وهو إنهاء زمن الاستبداد، فبدا المشهد وكأن كل طرف من أطراف المعارضة يرى في نفسه أنه الأجدر بأن يكون المستبد البديل.

كانت البداية في اجتماع الهيئة العليا للتفاوض مع وزير الخارجية السعودي الذي نقل إليهم الموقفَ الدولي، ومع كثرة التصريحات التي أعقبت اللقاء، ونفي بعضها، ونفي النفي، إلا أنه بات من الواضح أن هناك متغيرات دولية مهمة، تفرض نفسها على الثورة والمعارضة السورية، وبات على “البيادق” أن تأخذ وضعيةً جديدة على “الرقعة”؛ فكان الخلاف بين “بيادق” تتمترس في أماكنها، وأخرى لا تُمانع بأن تتحرك ولكن بحذر شديد.

الضغوط متبادلة، والثورة بدأت تضغط بثقلها على دول الإقليم والعالم، فلبنان مهدد بالانفجار في أي لحظة، والأردن يعاني، والسعودية الغارقة في اليمن لا تجد الوقت والإمكانية لمتابعة الملف السوري الذي بات مؤرقًا لها، وروسيا مقبلة في العام القادم على انتخابات رئاسية، ومصر التي تخوض حروبها السياسية والاقتصادية الداخلية لا تكاد تقوى على الوقوف، فبات الجميع على عجلة من أمره كي يُغلق الملف السوري لصالح ملفات أكثر أهمية، ودون الاهتمام بمصالح الشعب السوري وثورته.

اجتماع آخر تم بالأمس، بين موظفي الخارجية السعودية ومجموعة من الائتلاف السوري المعارض، والموضوع هو “الرياض 2″، وتبادل الأفكار حول التوسعة المنشودة وضم المنصات، إذ إنه لم يعد كافيًا التوافق على أوراق العمل، ولا بدّ من توحيد كامل للمعارضة السورية في جسد واحد، تذهب إلى طائف سوري إقليمي، يُراعي مصالح الجميع في سورية، ويُراعي كذلك مصالح تركيا والأردن و”إسرائيل”، وقد يكون المكسب العربي الوحيد هو تحجيم إيران، وهنا يجب التأكيد على “قد”، فإيران التي استثمرت بأقصى ما تستطيع، في الحرب على الشعب السوري، لن تقبل بسهولة أن تخرج من المعركة خالية الوفاض.

إيران هي الطرف الخارجي الوحيد المرشح للخسارة، ويقابله داخليًا الأطراف ذات الخلفية الدينية، فكما هو واضح، لن يُسمح لأي جماعة ذات صبغة دينية بأن تصل إلى سدة الحكم، لا في سورية ولا في دول الإقليم، ولكي نكون أكثر صراحةً ووضوحًا، بات على الإخوان المسلمين أن يعوا هذه الحقيقة بكل وضوح، وأن يُجروا مراجعة داخلية يعودون من خلالها إلى الخطوط الخلفية، إن كانت فعلًا تهمهم مصلحة الوطن واستقراره، ولو بشكل نسبي، فالمنطق العالمي يقول إن العالم، وخاصة أميركا والغرب و”إسرائيل”، لن يُساعد جماعة إسلامية لتحكم سورية، وحين تكون المقارنة بين الإسلام السياسي والأسد تُرجّح كفة الأسد دون تردد.

من جانب آخر، بات على اليسار السوري أن يخجل من خيباته وتشرذمه، وأن يتخلى أفراده عن أنانيتهم، ويحاولوا أن يُوحّدوا صفوفهم ويؤجلوا معاركهم البينية إلى حين الوصول إلى صناديق الاقتراع، وأن يُجسّدوا خطابهم اليساري الذي ما فتئوا يقولونه، عبر عشرات السنين، ودفع البعض منهم من شبابه ثمنًا باهظًا في سجون الاستبداد.

باتت الثورة السورية اليوم بأمسّ الحاجة إلى عقلاء وطنيين، يجرون مراجعة شفافة وعميقة، ويدرسون الواقع الحالي، ليخرجوا بورقة واحدة تُحدد معالم المرحلة؛ فالأمر بالغ الخطورة وبالغ التعقيد، كذلك على المستوى الدولي والإقليمي، لكن اتفاقًا داخليًا في المعارضة قد يجعل فرصها أكبر، من حيث تحقيق المكاسب بلا شك.

الحراك السياسي -داخليًا وخارجيًا- سيتسارع بشكل ملفت في الأيام القادمة، وستتكشف مواقف صادمة للبعض، وسيرحل الأسد في نهاية المطاف، لكن تبقى المسألة: متى، وكيف، وما هو الثمن؟




المصدر