طبيب نفسي لكل 4 آلاف مريض سوري!


نسرين أنابلي

تشهد سورية معالم أزمة مختلفة عمّا هو ظاهر ومعلوم من أزمات أخرى، كتدمير للبنى التحتية والتهجير والنزوح، خصوصًا لمن بقي “حيًا” داخل البلاد. تتمثل هذه الأزمة بكثرة الاضطرابات النفسية لمختلف الفئات العمرية، على نحو غير مسبوق، نتيجة للحرب التي تشهدها سورية منذ نحو 6 سنوات.

صحيفة (الوطن) شبه الرسمية نقلت عن رمضان المحفوري مدير دائرة الصحة النفسية في وزارة الصحة التابعة للنظام، قوله: “يوجد أكثر من 300 ألف شخص، بحاجة إلى العناية للشفاء من الأمراض النفسية”.

وبحسب تصريحات المحفوري؛ يوجد في سورية حاليًا 70 طبيبًا أخصائيًا نفسيًا فقط، مؤكدًا أن هؤلاء لا يغطون سوى 9 بالمئة من حاجة المصابين، إضافة إلى أن هذا الرقم لم يتغير منذ بداية الحرب، وعلى الرغم من تخرّج 10 أطباء نفسيين من الجامعات السورية، إلا أن جميعهم هاجروا خارج البلاد، حيث بلغ عدد الأطباء النفسيين الموجودين خارج سورية نحو 500 طبيب، وقدّرت مديرية الصحة حاجتها إلى 2000 طبيب نفسي؛ لتغطية الحاجة المتزايدة.

يوجد في سورية عمومًا 3 مشافي للأمراض النفسية: الأول مشفى ابن خلدون في حلب ويتسع لنحو 300 مريض، وقد تمت إعادة تأهيله عام 2015 بعد تعرضه للقصف والتخريب، والثاني هو مشفى ابن سينا، ويستوعب 400 مريض إضافة إلى مشفى ابن رشد وهو الأصغر، ويتسع لنحو 50 مريضًا. لكن هذه المشافي -على اختلاف إمكاناتها- لا تستطيع أن تغطي العدد الكبير من المرضى النفسيين الذين يتزايد عددهم تزايدًا كبيرًا.

في السياق ذاته، أظهرت نتائج دراسة لجمعية “أنقذوا الطفولة” ومقرها بريطانيا، أجرتها في 7 محافظات سورية، وتحديدًا في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، خلال الفترة الممتدة بين أواخر كانون الأول 2016 وآذار 2017، “ارتفاع عدد الأطفال المصابين بالصدمات النفسية إلى درجة من الممكن أن تتسبب بضرر دائم مدى الحياة”.

خلصت الدراسة إلى أن أكثر من 70 بالمئة من الأطفال الذين أجرى خبراء مقابلات معهم “يعانون من أعراض اضطراب ما بعد الصدمة، مثل التبول اللاإرادي”، وأشارت إلى أن “فقدان القدرة على النطق والعدوانية والخوف من الأصوات المرتفعة من الظواهر الشائعة بينهم”.

من جانب آخر، قالت ألكسندرا تشين، المختصة بحماية الأطفال والصحة النفسية، في جامعة هارفارد الأميركية، وهي عضو في لجنة الخبراء التي أعدت الدراسة، تعليقًا على نتائج الدراسة: “إن أزمة الصحة النفسية لأطفال سورية وصلت إلى نقطة اللاعودة، نظرًا إلى انهيار هياكل الدعم الأسرية والخدمات الطبية”.

المرض النفسي لم يَعد مخجلًا:

على عكس ما كان شائعًا، قبل اندلاع الثورة من حيث التحفظ على زيارة الأخصائيين النفسيين وعدم تقبل الناس للاعتراف بإصابتهم بأي عارض نفسي؛ أصبحت المجاهرة بهذا الأمر حالة شائعة ومنتشرة بين السوريين، نتيجة الضغوطات الكبيرة التي يعانونها يوميًا، فضلًا عن أحاديث تتعلق بارتفاع نسبة الأشخاص الذين أقدموا على الانتحار، على الرغم من عدم وجود إحصائية دقيقة حول هذا الأمر؛ نظرًا إلى عدم ذكر سبب الوفاة في أغلب الأحيان في مشافي النظام، وذلك بحسب الدكتور رامي الربّاط (اسم وهمي) في مشفى حلب الجامعي.

الطبيب النفسي نضال سعدون تحدث عن انتشار ظاهرة بيع الأدوية النفسية والمنوّمات، بشكل عشوائي؛ ما يهدد بازدياد وتفاقم مشكلة الإدمان التي لم تكن ترتقي في السابق إلى وصفها بمشكلة شائعة. ويضيف: “بجهود كبيرة من منظمة الصحة العالمية تم العمل على برنامج “رأب الفجوة”، ويتلخص بتدريب الأطباء العامين وأطباء الأسرة، لتدبر بعض الحالات النفسية الشائعة، كالاكتئاب والقلق وغيره. ولكن -للأسف- هناك معوقات لإتمام البرنامج والإشراف عليه، بسبب نقص الأطباء النفسيين.

المرشد النفسي راغد السباعي يرى أن “تفاقم الأزمات النفسية لدى الناس غيّر المزاج الجمعي للسوريين، وجعله يبتعد عن حالة الخجل من الذهاب إلى الطبيب النفسي. لكن المشكلة تكمن في قلة المشافي أو الأطباء الذين يقدمون الرعاية للمرضى”. ولفت في الوقت نفسه إلى أن “العلاج لا يقتصر على توافر الأطباء والأدوية فحسب، فثمة جزء يتعلق بالجانب الاجتماعي، لتكتمل رحلة العلاج بصورة سليمة وناجحة؛ إذ يُفترض أن يكون العلاج النفسي في إطار فريق عمل يتألف من الطبيب النفسي والمعالج النفسي والمعالج الاجتماعي والممرض النفسي، ويؤلف الجميع فريق المعالجة، مع مراعاة ضرورة إقامة جلسات مع أهل المريض، لتلافي الثغرات التي من الممكن أن تؤثر سلبًا على سير العملية العلاجية”.

عن سبل التوصل إلى حلول لهذه المشكلة قال السباعي: إن “العديد من الجمعيات والمنظمات، ولا سيما في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، لجأت إلى تدريب عدد من الشباب للعمل في مجال الرعاية الصحية النفسية”.

في المقابل، يرى الدكتور سعدون أن مفهوم الصحة النفسية في أسوء حالاته حاليًا، ويقول: إن “أغلب الخدمات تُقدم من خلال المنظمات الدولية، وقد بذلت جهودًا كبيرة في هذا المجال”. ويختلف الدكتور سعدون مع السباعي، حول تدريب كوادر من الشباب لتقديم خدمات للمرضى النفسيين؛ إذ يرى أن من” أكبر المعضلات الآن ممارسة الطب من أشخاص غير مؤهلين، مما يسبب الإساءة للمريض، ويفاقم وضعه الصحي”.




المصدر