(جيرون) تفتح ملف العودة إلى “حضن الوطن”


مؤيد اسكيف

قيادي في جماعة الإخوان: “لا يوجد حضن للوطن.. إما حضن الثورة أو النظام”.

معارض ينوي العودة إلى سورية: “أنا خائن، ومن يذهب إلى (إسرائيل) بطل!”.

الملك: “ألتزم الصمت في المرحلة الحالية”.

خوري: “سأعود إلى سورية”.

رحّال: “أطلق رصاصة في رأسي، ولا أعود..”.

شحود: “عودة السوريين إلى مواطنهم أو ما بقي منها مرهون باحتمالات”.

منصور: “أدعو إلى عودة جماعية إلى سورية”.

مشوّح: “لا يمكن مقارنة الرغبة السابقة للإخوان بالعودة، مع الوضع الحالي”.

الحلو: “سيعود من يسيل لعابه على مال إعادة إعمار الفساد والخراب”.

الدّدو: “عودة الناس إلى مناطق النظام تعرّي فشلنا”.

بلال: “لا للتسويات الفردية.. والعودة الجماعية ضمن حل يضمن الحقوق”.

سامر رضوان: “تصريحات (دخل الله) مجرد تخريفات لكائن هلامي منتفع”.

فجرت محاولة عودة المعارض السياسي بسام الملك إلى دمشق، قبل أيام، النقاشَ السوري العام حول مفهوم العودة إلى الوطن، وتسبب قرار عودته إلى البلاد بموجة من التصريحات، في ظل تراشق كثيف للاتهامات، كخيانة دماء الشهداء، والعمالة للنظام، واختراق الثورة والمعارضة؛ وبذلك تكون فضاءات السوريين -ولا سيما على مواقع التواصل الاجتماعي- قد شهدت وابلًا من التخوين وانهمارًا في المزايدات مع زخات من التصيد وتصفية الحسابات؛ ما أدى إلى تعميق الهوّة بين الأسئلة المطروحة والأجوبة المفترضة، لإعادة تعريف العديد من المفاهيم مثل “حضن الوطن – الأسد”.

تصريحات على مقياس الفضيحة

ساهمت تصريحات وزير الإعلام الأسبق مهدي دخل الله، في مقال له في جريدة (البعث) في تأجيج القضية، وخصوصًا بعد أن رأى كثيرون أنها تصريحات “على مستوى فضيحة”، تستوجب محاكمته عليها؛ لما تحويه من تحريض على الكراهية وتكريس لثقافة الحقد، ولما تختزنه من تشفّ وإمعان في الإذلال، إذ قال دخل الله: “إذا كانت سورية تريد أن تكون متفوقة في الحكمة والتسامح، فمن الممكن أن تقبل عودتهم، على شرط أن يقبّل هؤلاء (التائبون) بسطارَ الجنود السوريين، أمام وسائل الإعلام”.

انتهى كلام دخل الله عضو القيادة القطرية لحزب البعث الحاكم، ورئيس مكتب الإعداد والثقافة والإعلام، والوزير السابق، وقد قال هذا الكلام، قبل وفاة الفنانة السورية المعارضة والثائرة فدوى سليمان في بلاد اللجوء والاغتراب بأيام قليلة؛ ما يجعل فكرةَ نقاش مثل هذا الكلام أمرًا مفجعًا أكثر أمام فداحة هذا الموت الذي يختصر في جوانبه حكاية الموت السوري، منذ أعوام.

صمت الملك

(جيرون) في إطار فتحها لملف القضية، تواصلت مع عضو الائتلاف السابق بسام الملك، وأعلن خلال الاتصال التزامَه الصمت في المرحلة الحالية، رافضًا التعليق عمّا يُكال له من اتهامات، ورفض الإدلاء بأي تفاصيل حول الموضوع.

استطلعت (جيرون) آراءَ العديد من المعارضين والناشطين السوريين، وقد أعلن بعضهم نيته العودة إلى سورية، بينما أكدوا جميعهم على حق العودة إلى الوطن، وأشاروا في مجملهم إلى ضرورة التمييز بين من انخرط في أجسام المعارضة السياسية والعسكرية وكان جزءًا أساسًا من الصراع، وبين من حافظ على نشاطه المعارض بعيدًا عن تلك الأجسام، كما كشف المستطلعة آراؤهم عن هشاشة المعارضة وبناها التنظيمية، وقصورها الحاد في القدرة على علاج القضايا والمشكلات، قبل أن تتفاقم.

المعارض السوري المستقل بدر منصور يعلن عن نيته العودة إلى سورية، ويدعو إلى عودة جماعية، ويقول: “عودتي إلى سورية لا تعني عودتي إلى حضن النظام، فهناك فارق كبير، هذا وطني وهذا ملاذي الأخير، لطالما اعتُقلت وخرجت من المعتقل، وما زالت إلى الآن عندي إمكانية العودة إلى سورية على الأقل، ولا أعرف إن كنت مطلوبًا أم لا!، وهذا لا يعني أني غير مطلوب، وكما نعلم فالنظام السوري ليس له أمان”. ويعلق منصور على كلام وزير الإعلام السابق: “لو كنا نريد أن نقبل البوط العسكري، لما كنا معارضين بالأساس.. كلامه لا يستحق الرد”.

يضيف منصور: “أنا لم أعمل في أي منصب سياسي في الخارج، ولم أمثل أي معارضة في المحافل الدولية. أنا شخص عادي، لم أصرح بأي خطاب ناري، وموقفي واضح في السابق ضد العسكرة وضد الأسلمة، وموقفي أكثر وضوحًا من هذا النظام المستبد، طبعًا هناك الكثير ممن قُتل في سجون النظام، وهو ضد العسكرة وضد الأسلمة، ولكن لي الحق في العودة إلى بلدي”.

انتهازية على إيقاع الربح والخسارة

يضيف منصور: “بعض المعارضين يتهمون من يعود إلى سورية بالخيانة، وينظرون إلى من ذهب إلى (إسرائيل) كبطل وشجاع، بينما كنا سابقًا نطالب بحق عودة الإخوان المسلمين المحرومين من دخول سورية، بسبب (قانون 49) الذي يقضي بإعدام كل من ينتمي إلى الجماعة، وقد طالب الإخوان بحقهم في العودة إلى سورية، وكانوا على استعداد لحل الجماعة، قبل الثورة بأيام لقاء ضمان عودتهم”.

يشدد منصور على انتهازية بعض المعارضين، فيقول: “أنا ضد أي شخص انتهازي، قبل الثورة وفي الثورة والآن، يريد العودة إلى سورية، لأنه يحسب العودة على أساس موازين الربح والخسارة، وليس من منطلق الموقف الوطني، وطبعًا أقصد في هذا الكلام من كان يتبوأ مناصب في المعارضة السورية، وكانت خطاباته تحريضية وطائفية، وكان يستجدي الخارج كي يتدخل!”، ويتساءل: “ما الذي حصل؟ ما الذي قلب الموازين! إذًا في المحصلة هم أناس انتهازيون؛ ولذا ثمة فرق كبير بيني وبين من يريد أن يعود! نعم سورية وطننا، ويجب أن يعود كل السوريين ولا يجب أن نحسب الأمر من منطلق الربح والخسارة، أو الانتصار والهزيمة، ونحن على ثقة بأننا غير مرحب بنا، كما يتم الترحيب بالانتهازيين والوصوليين الذين تسلقوا باسم الثورة على حساب دماء الشهداء، وقبضوا أموالًا هائلة، وحصلوا على مكتسبات ومزايا كثيرة”.

من جهة أخرى، يبدي المعارض العميد الركن أحمد رحال وجهةَ نظر مختلفة، فيقول: “من حيث المبدأ، لا أعرف الظروف أو المبررات التي دفعت بسام الملك إلى العودة إلى سورية، وبغض النظر عن مبرراته، فبالنسبة إلي أنا كشخص لا أرى أنه هناك أي مبرر يمكن أن يقنعني لأتخذ مثل هذا القرار أو مثل هذه العودة على المستوى الشخصي، وإذا ما أجبرتني الظروف، وصرت في موقف محرج؛ فسأضع رصاصة في رأسي ولن أعود”.

العودة مرهونة بزوال أسباب الخروج

يضيف رحال: “لا أريد سماع أي مبرر، وشخصيًا لا يمكن أن أقبل بأي مبرر، وأرفض المغفرة، لأي شخص يقدم على مثل هذه الخطوة”. ويعيد رحال الحديث حول مفهوم العودة فيقول: “كي يكون الموقف أكثر وضوحًا ومباشرة، لا بد من عدم الخلط في هذا المفهوم، إن عودة اللاجئين في لبنان والأردن وتركيا وأوروبا وغيرها من البلدان أمرٌ حتمي، وكلهم سيعودون إلى سورية، وهذا وطنهم ولا منة لأحد في ذلك، فنحن لم نخرج من أجل السياحة، وإنما أُجبرنا على الخروج لحماية عائلاتنا وأهلنا هربًا من بطش النظام ووحشيته وهمجيته”. وأضاف: “نحن كمعارضة -سواء في الحراك الثوري أو السياسي أو العسكري- عودتنا إلى بلدنا سورية ترتبط بزوال الأسباب التي دفعتنا للخروج، ومن يعود إلى حظيرة الأسد -ليس إلى (حضن الوطن) كما يقول الناس- تهان كرامته ويعتقل ويعذب، والأسباب التي دفعتنا للخروج من البلد ما زالت قائمة”.

عن موقف المعارضة السورية في الحراك السياسية والعسكري، يقول رحال: “على الأقل بالنسبة إلي، وبحسب ما أعرف وأسمع شخصيًا من قيادات هذا الحراك، سواء السياسي منه أو العسكري، لا يوجد من خرج عن الموقف العام الذي قلته وأعلنته، أو حتى لا توجد لديه نية لذلك، فالمسألة في عودة المعارضة لا ترتبط بالضمانات الشخصية، بل ترتبط بأمر وطني؛ فالقبول باستمرار الأسد حتى ليوم واحد، بعد أي صيغة توافق، يعني القبول بتبرئته، ولذا لا أعتقد أن هناك عاقلًا يمكن أن يعود، إذا بقي بشار في السلطة”. وينهي رحال حديثه بالقول: “حراكنا لن يتوقف، وسيظل مستمرًا عبر كل التكتيكات والأساليب السلمية، وغيرها مما هو متاح للشعب السوري إلى أن ينال حريته وتتحقق أهدافه”.

تعرية إعادة الإعمار

في السياق ذاته، يعري الفنان فارس الحلو الخاسرين من أزمة اللاجئين والمهزومين من صفقات التربح، مع التأكيد على عدم الخلط في ما يتعلق بقرار الناس العاديين، فيقول: “من يريد العودة، سيكون وحده هو المسؤول عن انتهاك كرامته، حين يبدأ بتدبر أموره في بلاد الانتهاكات، وهو سيكون المسؤول الوحيد عن حياته في عش المجرمين الطليقين، وهنا أخص المعارضة بشقيها السياسي والعسكري على وجه الخصوص”، ويضيف: “سيعود سوريون من كافة الملل، سيعود الضعفاء والمساكين والجرحى، وهذا حقهم، وطبعًا ستخسر المنظمات بقرتها الحلوب، لكن أيضًا سيكون بين العائدين من لم يستطع كسر جدار خوفه لسبب ما، سيعود كثيرون ممن انتهزوا الفرصة وقفزوا على البلاد السعيدة وفشلوا، سيعود كثيرون ممن يئسوا من التغيير وسلّموا أنهم مهزومون لا حول ولا قوة لهم، في هذا العالم المتغطرس، سيعود كثيرون ممن يسيل لعابهم لمال إعادة إعمار الفساد والخراب، لكن الأخطر هو أن يعود من يستطيع أن يمنح الأسد الابن صفقةً لحكم البلاد شبيهة بصفقة الأب في الثمانينيات، مع تجار البلاد ومصاصي دمائها”.

ناجون

يضيف الحلو: “أما الناجون من المعتقلات السورية، ممن آمنوا بخطاب الحقوق والحريات، فهم وحدهم سيبقون في المنفى؛ إيمانًا منهم أن العدالة وحدها هي الطريق المناسب لبلوغ السلام البعيد. لذا لن تكون عودة للناجين من المعتقلات السورية، ممن دخلوا المعتقل وخرجوا منه أحيانًا بالصدفة، أو ممن تفادوا الاعتقال بالهرب جوًا وبرًا وبحرًا، قبل محاكمة كل مجرمي الحرب في سورية”.

الفنان السوري الذي حصل على شهرة واسعة في سورية والعالم العربي، من خلال أعماله الفنية وموقفه المعارض من نظام الأسد، يشرف منذ سنوات على تنظيم حملات خاصة بالمعتقلين السوريين، وبالناجين بأرواحهم من تلك المعتقلات.

سأعود إلى وطني

هذا الموقف يعارضه موقف آخر، من حيث التجربة ومن حيث زاوية الرؤية؛ حيث إن ماجدة خوري -وهي مواطنة سورية ومعتقلة سابقًا وتقيم حاليًا في لندن- تصرح لـ (جيرون) عن نيتها العودة إلى سورية، وتقول: “أنا مع العودة إلى سورية للمواطنين السوريين، ولا سيما الناشطين المدنيين منهم، والذين لم ينخرطوا في التشكيلات السياسية وأجبروا على الخروج، وخاصة أولئك الذين ما زال لديهم الاعتقاد بأن دورهم في البلاد أكثر أهمية، ويمتلكون القدرة على إحداث تغيير في مختلف الأوقات ووجودهم في الداخل السوري أهم بكثير، من وجودهم لاجئين خارج سورية”، وتضيف: “من عمل في السياسة تحديدًا ساهم -بشكل أو آخر- في تأجيج الصراع عسكريًا وطائفيًا، وأعتقد أنه لا يحق لهم العودة بشكل انفرادي، بعد كل المراهنات التي بنوا مواقفهم وخطابهم وخريطة تحالفاتهم عليها، كالعسكرة، واستدعاء التدخل الخارجي، وكانوا أحد أطراف الصراع بشكل مباشر، سواء كان ذلك في المجلس الوطني أو الائتلاف، وهؤلاء عليهم العودة ضمن اتفاق يضمن عودة الناس، وهذا يمكن تطويره ضمن العمل السياسي والمفاوضات الجارية التي تحدد مستقبل سورية”.

تؤكد خوري على أن “العودة إلى سورية حق لكل سوري، ولا يمكن احتكاره على أحد وهذا ما يجب أن تستوعبه المعارضة السياسية للعمل على عودة السوريين، كمشروع أساسي ونقطة مفصلية في عملية التفاوض لإعادة السوريين إلى البلد ضمن شروط محددة، والأولوية للمواطنين العاديين الذين لم يكن لهم دور في أحداث العنف الحاصلة، وإنما كانوا متضررين في غالبيتهم منها، فالأولوية في العودة ليست للمفاوضين أو السياسيين الذين احتكروا الخطاب العام، وادعوا تمثيل السوريين على مدى سبعة أعوام، وفشلوا حتى في ملاحقة القضايا وإيجاد الحلول المناسبة لها قبل أن تتفاقم، فعودة السياسيين، على نحو مجاني وفردي، تعني فشل العملية التفاوضية والعودة بالسوريين إلى ما قبل 2011، وكأن شيئا لم يكن”. وتنهي خوري حديثها بالقول: “أنا شخصيًا سأعود إلى سورية، فأنا أرى أن من حقي أن أعيش مع عائلتي في بيتي ومدينتي وبلدي، البلد الذي يحتاج إلى خدماتي وإمكاناتي أكثر من كوني لاجئة أبدد ما أعتقد أني أمتلكه من إمكانات. سورية اليوم تحتاج -أكثر من أي وقت مضى- إلى أبنائها الذين يحبونها.

خيارات ضاغطة

قائد القوة 111 مشاة في الجيش السوري الحر ياسر الدّدو يشير إلى الخيارات الضاغطة التي وضعت السوريين أمام مثل هذه المفارقات، فيقول: “بالنسبة إلى المواطن العادي، فقد وضعناه جميعًا -نحن والنظام- أمامَ خيارات خطرة، استهدفت حياته وقوته اليومي، وحينما يختار أو يقرر هذا المواطن العادي العودةَ إلى عند (النظام)؛ فهذا مؤشر خطير على أننا لم نؤدّ الدورَ على نحو جيد، وكما هو مطلوب؛ وبالتالي لم نكن على قدر المسؤولية في استقطاب المواطن العادي في المناطق المحررة، مع عدم تجاهل القصف العنيف والدموي للنظام على تلك المناطق، أما بالنسبة إلى السياسي الذي يعود، ولا سيما من يعدّ نفسه من قيادات الثورة أو المعارضة، وانخرط في العمل السياسي والعسكري؛ فإن عودته معيبة على أقل تقدير، وهذا مؤشر بالأساس على عدم ثوريته، ويضعه ضمن دائرة الشكوك بأنه جاء إلى الثورة، وشارك فيها ليلعب دورًا أمنيًا، وفي جميع الأحوال، هناك من راهن في البداية على هزيمة النظام، خلال وقت قياسي، ثم رأى أن الثورة طال أمرها، وارتفعت قيمة التضحيات، ثم ذهب ليقدم خدمة للنظام الذي يستخدمهم للترويج لانتصاره المزعوم”.

ويضيف: “تخيل أن النظام يتحول إلى نظام ديمقراطي. هذا غير ممكن، فالنظام لا يمكن أن يتحول إلى الديمقراطية أو دولة الحقوق والواجبات، النظام متورط بشكل مباشر وصريح ومعلن، بجرائم حرب ضد الإنسانية على مستوى غير مسبوق، في القرن الحالي، والأسباب التي دفعت إلى محاربة النظام ما تزال قائمة”.

عودة جماعية وتفكيك الدولة الأمنية

عن العودة الفردية والفرق بينها وبين عودة السوريين جماعيًا، تقول الصحفية ليندا بلال: “إن حق العودة معترف به لكل السوريين، ولا يوجد أي شيء قانوني -برأيي- يمنع العودة إلى سورية، والنظام في الوقت نفسه يرحب بعودة كل من يريد العودة (في العلن) وضمن تسويات إفرادية، وهذا لا يمكن أن ينجح في ضمان العودة الجماعية؛ وبالتالي فالسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل نؤيد العودة الفردية أم العودة الجماعية لكل السوريين؟ إن العودة الجماعية هي الأكثر فاعلية والأكثر إرباكًا للنظام والمجتمع الدولي والأمم المتحدة على حد سواء، والدعوة إليها تعني ضرورة وجود حل سياسي قابل للتطبيق، يضمن حقوق العائدين، وذلك لا يمكن أن يكون إلا على أساس تفكيك الدولة الأمنية للنظام”.

تسويات أنانية

تؤكد بلال قائلة: “إن مأخذي كبير على موضوع العودة الفردية، حيث أثبتت حالات التسويات الفردية لأوضاع بعض المعارضين إلى مناطق سيطرة النظام أن من المتوقع -في الأيام القادمة- أن نشهد عودة لرموز المعارضة تباعًا، بتسويات فردية مماثلة”، وتضيف: “لقد كشفت هذه القضية -كما غيرها من القضايا- هشاشة البنى التنظيمية للمعارضة، وعدم قدرتها على استقراء المشكلات ووضع الحلول المناسبة لها قبل أن تتأزم، وأن الكثير من المنخرطين فيها يبحثون عن مكاسبهم الشخصية والفردية، ولو كانت على حساب قضايا السوريين”.

حضن الثورة أو الأسد!

القيادي ورئيس المكتب الإعلامي في جماعة (الإخوان المسلمين) عمر مشوح ينفي وجود مفهوم الوطن بالأساس، تبعًا للظروف الحالية وبخاصة في ظل سياق التصريحات التي يطلقها مسؤولون سوريون، والتي يعتبرها استمرارًا لنهج نظام الأسد، يقول مشوح: “لا يوجد هناك ما يمكن أن نسميه حضن الوطن، إذ لا يوجد وطن أصلًا. هناك حضن النظام، وحضن الثورة، والعودة إلى سورية لا تكون إلا بموافقة النظام وإذنه وتحت عينه وبصره، ومن يعود لا يعود بكامل حريته وإرادته، وبعودته سيعود إلى مرحلة ما قبل الثورة. هناك إما حضن الثورة أو حضن الأسد”.

لا للتخوين

مشوح يرفض التخوين، ويفصل فيه، فيقول: “أنا ضد التخوين ولا بد من الابتعاد عن قضية التخوين، وليس كل من عاد هو خائن، وكل حالة لها شرح خاص، هناك من يكون قد زُرع في جسد الثورة للقيام بمهمات محددة، وانتهت مهمته وعاد الآن أو سيعود لاحقًا، ومثل هذه الأسماء يمكن تصنيفها تحت بند الخيانة، لكن هناك من تكون ظروفه الشخصية والمعيشية والإنسانية قد ضغطت عليه، ولم يعد قادرًا على العيش خارج بلده، وهناك من لم يعد مقتنعًا بالمعارضة أو بوضعها أو وضع الثورة وقرر العودة”. ويضيف مشوح: “لا يمكن مقارنة رغبة (جماعة الإخوان) ومطلبهم بالعودة إلى سورية والتوسط لذلك سابقًا، بالوضع الحالي؛ ما حدث مع الإخوان في الثمانينيات مختلف تمامًا، الإخوان هم جزء من نسيج الدولة والمجتمع، وكان عليهم العمل على الدعوة، الآن النظام يعمل على سحب الآخرين للعودة، من أجل إنهاء الثورة، بينما سابقًا كان يعمل النظام على إخراج كل الإخوان من سورية، وعليهم (منع) تحديدًا كي يرتاح من هذا الصداع”.

عن دور المعارضة في هذه القضية، يقول مشوح: “طرحت قضية العودة أو حماية حق اللاجئين في الكثير من المناسبات، وتم البحث في كيفية تأمين عودتهم إلى أماكنهم، وضمان حقهم في الانتخابات، بحيث يكون لهم دور في بناء مستقبل سورية، وكما نعرف هناك أكثر من عشر ملايين لاجئ، ولا بد من إيجاد حل لقضيتهم”.

تفاجئنا!

يضيف مشوح: “لم يكن هناك عمل حقيقي يفترض أن قضية اللاجئين هي جزء من أي حل سياسي، لم يتم الإقرار أن لدينا مشكلة لاجئين، ما كان مجرد افتراضات بأن كل شيء مؤقت، وكل الأمور سوف تعود مثلما كانت مرة أخرى. لكن من حق السوريين العودة إلى أماكنهم، ولكن ليس في ظل الأسد الذي كان متسببًا بالمشكلة بالأساس، ولا يمكن لأحد أن يعطي أي ضمانات بحماية العائدين في ظل استمرار نظام الأسد، ولا سيّما أن ما حدث من قتل وتهجير جرى على مرأى من الأمم المتحدة والمجتمع الدولي”.

رؤية..

الأكاديمي والمعارض المستقل والمقيم في سورية الدكتور منير شحود يقدم رؤية، يرى من خلالها أن عودة السوريين إلى مواطنهم مرهونة باحتمالات ثلاثة، مشيرًا في الوقت نفسه إلى من يعتقد بإمكانية عودة الأمور إلى ما كانت عليه قبل 2011، يقول: “تدفع فداحة المأساة السورية بعضَ المعارضين إلى الشعور بالعجز، وخاصة أولئك الذين رأوا في المعارضة تجارة رابحة، وخرجوا على أمل ألا يعودوا بخفي حنين، وقد احتفل إعلام النظام بعودة بعض هؤلاء إلى (حضن الوطن)، بمساعدة من عادوا قبلهم! لكن، بعيدًا عن هذه “القفشات” الإعلامية التي لا معنى لها، علينا الإقرار بأن عودة السوريين باتت خارج رغبة المعارضة أو إرادتها، وفي الواقع، أنا -بصفتي معارضًا- لا أعترف بكل مؤسسات المعارضة السياسية التي نشأت، بعد عام 2012 لأنها لا تمثل أحدًا تقريبًا في سورية، وهي مرتهنة بالكامل لجهات إقليمية ودعمت ثورة إسلامية وسلفية مضادة، وبقية المعارضة الآن هي مجرد تجمعات وأفراد ينتظرون دورًا ما، قد لا يأتي”.  ويضيف شحود: “بالتالي فإن عودة السوريين إلى مواطنهم أو ما بقي منها مرهونة باحتمالات ثلاثة متدرجة في أهميتها، وهي كالتالي: أولًا قرار دولي ضامن من الأمم المتحدة وبتدابير إجرائية، وثانيًا اتفاق أميركي-روسي بتدابير إجرائية أيضًا، وثالثًا: دور روسي مغطى أميركيًا، كما يحدث في مناطق تخفيف التصعيد”.

ينهي شحود حديثه بالقول: “إن قصر نظر البعض يدفعهم إلى التفكير بأن ما حدث في سورية هو أمر قابل للإصلاح، وأن من الممكن إعادة (الفخارة المكسورة) إلى ما كانت عليه قبل 2011. ولنفترض أن الأمور عادت إلى ما كانت عليه، أو حتى بحل ناقص، فإنها لن تكون أكثر من مجرد (استراحة)، وستعود الحرب من جديد عند أي اضطراب داخلي أو حتى إقليمي. من هذا التفكير الطفولي والكارثي يجري تعميم حالات فردية، استخبارية الإخراج، كحلول عامة!

سامر رضوان: تصريحات دخل الله مجرد تخريفات لكائن هلامي

وصف السيناريست السوري سامر رضوان والعائد إلى سورية في مرحلة سابقة تصريحات وزير الإعلام السابق مهدي دخل الله بأنها تخرصات وتخريفات كائن هلامي منتفع، واتهمه بأنه جزء من الكبوة التي تعرضت لها سورية، وقال رضوان في تصريح لـ (جيرون): “فليقبّل دخل الله الحذاءَ الذي يريد، نحن لا يمكن أن تُفهم عودتنا إلى الداخل السوري كتوبةٍ، نحن لسنا تائبين عن الثورة ومفهومها”، واتهم رضوان كل من يقوم بالتحريض على القطيعة بين السوري وبلده، تحت أي حجة، ووصف ذلك بأنه “فضيحة للنخب”. وفي التفاصيل يقول رضوان: “إن الثورة على نظام يحمل في كل نَفَسٍ استبدادًا يحرّض على ألف ثورة، إن الثورة ضرورة عقلية وأخلاقية، ولا يمكن أن نتراجع قيد أنملة عن مطلب الشارع السوري بالحرية والكرامة الذي أقر بصدقيته رئيس النظام نفسه، عبر أكثر من خطاب وحديث صحفي”. ويضيف رضوان: “أن تخرج علينا الذهنية القديمة التي من شأنها إحباط أي محاولة لجمع السوريين في مصير وطني واحد من جديد، فهذا يقول إن سورية تحتاج إلى عشرات السنوات كي تصحو من كبوة، صنعها أمثال دخل الله، وكانوا جزءًا منها بل كلها إن أردت الدقة… وعندما قررت العودة إلى دمشق زائرًا ومحاولًا فض القطيعة مع بلدي، كنت أعتقد أنني أقدم نموذجًا في الهروب إلى الأمام، أي إلى ممارسة نقد آليات السلطة من الداخل، كما كنت أفعل، قبل أن أخرج؛ أمّا أن تُفهم عودتنا على أنها (توبة)! فهذا ارتداد إلى ما قبل الخامس عشر من آذار، أي إنباء عن ثورة جديدة قادمة ستجتاح كل شيء، إن بقيت هذه الطغمة تفكر بالطريقة نفسها، ونصيحتي لأمثال مهدي دخل الله ومن يشبهه من مستخدمي المرحلة: أن يقّبل كل الأحذية كما يشاء ويفعل، شرط أن يسمح لنا باختيار مقاس الحذاء الذي يتناسب طردًا مع نمرة العقل الذي يمتلك، إن كان يمتلك عقلًا أصلًا، فسورية لأهلها، رغمًا عن أنف كركوزات الأنظمة”.

ينهي رضوان حديثه بالتساؤل التالي: “ألا يمكننا أن نتعلم من الفلسطيني الذي أنهكته المجازر والنكبات، وما زال مصرًا على حق عودته إلى بلده، نعم أن يعود إلى بلده، وليس إلى السلطة الإسرائيلية أو إلى (حماس) أو (فتح)، يعود إلى وطنه، إلى حارات مدينته، إلى بيته والزوايا التي يطل عليها، على الرغم من أنها لم تبق كما كانت، بل صارت شيئًا آخر. القضية ببساطة: إن عادت الناس إلى بيوتها، وتخلصت من مخيماتها ومنافيها؛ فستعزل هذه الطغمة تمامًا، وستفقد أي ثقل يمكن أن تحمله أوراق عملهم التجارية، لذلك هم يوزعون في كل يوم فزاعة جديدة، لأن استمرار آلام الناس هو السبيل الوحيد لبقائهم.




المصدر