“مخيّمات الموت”.. كالمستجير من الرمضاء بالنار


muhammed bitar

لا تنتهي مأساة مدنيّي الرقّة ودير الزور بمجرّد هروبهم من البطش والتضييق الأمني الشديد الذي يفرضه تنظيم الدولة “داعش” على مناطقهم، إذ إن مرحلة ما بعد النزوح أقسى بكثير من من المآسي التي مرّت قبلها.

عشرات آلاف السوريين النازحين من المدينتين المنكوبتين اضطروا تحت تأثير العمليات العسكرية على الرقّة ودير الزور، واشتداد القبضة الأمنية للتنظيم في تلك المناطق، إلى الهروب نحو المنفذ الوحيد الذي يودّي إلى ما هو أسوأ من ذلك ألا وهو مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية “قسد”.

 

30 ألفًا.. والعدد مرشّح للازدياد

مُنذ أن بدأت العمليات العسكرية ضد تنظيم الدولة “داعش” من قبل “قوات سوريا الديمقراطية” وبدعمٍ من طائرات التحالف الدولي، لم يجد المدنيون الذين كانوا يعيشون في المناطق التي يُسيطر عليها التنظيم ملاذاً آمناً، فبدأت عمليات نزوح عشوائية نحو مناطق “قسد” التي تشكل الواحدات الكردية عمودها الفقري.

وبلغ عدد المخيّمات التي تم تأسيسها من قبل الإدارة الذاتية الكردية منذ بدء المعارك وحتى اليوم ثمانية مخيّمات موزّعة في شمالي شرقي سوريا، ومنها “مخيم الكرامة” في الرقة والذي يعيش داخله 30 ألف نازح من ريف الرقة وحلب ودير الزور، ومخيم “عين عيسى” الذي يضم حوالي 8 آلاف نازح، ومخيم “السد” يضم قرابة 6 آلاف نازح، ومخيّم “المبروكة” الذي يضم 3 آلاف نازح، ومخيم “رجم الصليبي” يضم قرابة 10 آلاف نازح، ومخيم “الهول” وفيه قرابة 10 آلاف نازح، وجميع هذه المخيّمات تديرها “قوات سوريا الديمقراطية” بشكلٍ مباشر، وترسل الأمم المتحدة مساعدات خجولة إليها لا تكفي لحاجات النازحين.

لكن العيش في هذه المخيّمات لم يكن أفضل من العيش تحت حكم التنظيم، وتحت غارات طائرات التحالف، إذ إن المدنيين الذين وصلوا إلى هنا عُوملوا بشكلٍ سيء، وافتقدوا لأبرز متطلّبات الحياة.

معاناة

قبل أيام، أطلق ناشطون وإعلاميون في داخل سوريا حملة تحت مُسمّى “مخيّمات الموت”، وذلك في محاولة لتسليط الضوء على وضع المدنيين داخل تلك المخيّمات، لكن الحملة لم تلقَ أي استجابة سواء محلية أو دولية.

ولمعرفة أبرز العوائق داخل تلك المخيّمات، التقت “صدى الشام” خليل (اسم مستعار لنازح سوري من مدينة الرقّة متزوّج ولديه ستة أولاد، وهو أحد قاطني مخيم “عين عيسى” في أقصى شمالي ريف محافظة الرقّة).

ويقول خليل إن إدارة المخيّمات وضعت زوجته وأولاد ه في مخيّم، ووضعته هو في مخيمٍ منفصل، مشيراَ إلى أنه “تم تقطيع أوصال العائلات بشكلٍ ممنهج”، حسب وصفه.

وعن وضع المخيم، أوضح أن منظمات الأمم المتحدة تقوم بتسليم المساعدات لإدارة المخيّمات التي تقوم بدورها بتسليمها للنازحين وتوزيعها عليهم، مشيراً إلى أن المواد الغذائية غير كافية ولا يوجد أي أدوات تنظيف، ما أدّى لانتشار الأمراض بسبب تلاصق الخيم ببعضها دون مراعاة المعايير الصحّية.

وأوضح أن المخيّم لا يحتوي على مياه صالحة للشرب ولا دورات مياه أو أماكن استحمام صالحة للاستخدام، إضافةً إلى المعاملة السيئة التي يلقاها النازحون من إدارات المخيّم، مؤكّداً أن كل من يعترض أو يطالب بأبسط حقوقه سيكون “داعشياً” من وجهة نظر الإدارة الذاتية، ولفت إلى أن محيط المخيم يحتوي على عناصر أمن مدجّجين بالأسلحة يقومون بتهديد المدنيين في حال أي تحرّك.

التجنيد رفع عدد النازحين

 خرج 5 آلاف نازح من مناطق تنظيم الدولة “داعش” في ريفي الرقّة ودير الزور متّجهين نحو مخيّم العريشة الواقع جنوبي محافظة الحسكة، وانضموا إلى 8 آلاف نازح سبقهم ليُصبح العدد 13 ألفاً.

وجاءت موجة النزوح هذه بسبب التجنيد واعتماد “داعش” سياسة جديدة تقوم على إجبار كل من يستطيع حمل السلاح في منطقته على الالتحاق بالجبهات قسراً، وذلك بعد الخسائر الكبيرة بالأفراد والعتاد التي مُني بها التنظيم خلال الأشهر الماضية، وسط تكهّنات باقتراب حملة عسكرية قد تُشن ضده في معقله داخل دير الزور تزامناً مع الهجوم على مناطقه في الرقّة.

وكانت وسائل إعلام محلية قد نقلت عن مدير العلاقات العامة في مخيّم “العريش”  زاهر غربي فناش قوله: “إن المساعدات التي تقدّمها المنظمات الدولية في ظل الظروف الطارئة خجولة”، مضيفاً أنه “سنقوم بترحيل نازحي مناطق الرقة إلى مخيمي مبروكة والكرامة، وذلك لاستيعاب التدفق الكبير لأعداد النازحين، بعد أن قُمنا بنصب 300 خيمة في القطاع الشرقي بشكل طارئ”.

ولم يأتِ فنّاش على ذكر أي معلومات عن احتجاز للنازحين، غير أن ناشطين كانوا قد وثّقوا انتهاكات واسعة قامت بها الإدارة الذاتية بحق النازحين إلى مناطقها، هرباً من المعارك المستمرّة والقصف المكثّف للتحالف الدولي الذي يساند “قسد”.




المصدر