كيف حَصَنَت إسبانيا نفسها ضد الإرهاب وصولاً إلى ما قبل اعتداء برشلونة الأخير؟!




بعد أن شَهِدَت أسوأ هجوم تنفذه جماعة جهادية في أوروبا عام 2004، بدت إسبانيا وكأنها حصن منيع في وجه الإرهاب، بيد أن هجوم برشلونة يوم الخميس الماضي كان قد نسف هذا الحصن”.

في العام 2004، هزت انفجارات شبه متزامنة محطة المترو في العاصمة الإسبانية مدريد وخَلَفَت 192 قتيلاً وأكثر من 2000 جريح، وحتى اليوم، تظل تلك الهجمات التي اتُهِمَ تنظيم القاعدة بالوقوف وراءها، أعنف الهجمات التي يشهدها التراب الأوروبي وأكثرها دموية. وكان من شأنها أن تحث السلطات الإسبانية على إعادة النظر بمسألة الأمن الداخلي للبلاد في عملية شملت توظيف الآلاف للحيلولة دون وقوع هجوم مماثل.

وعلى مدى السنوات الثلاث عشرة التي مضت على هجمات مدريد، وبالتزامن مع استهداف الإرهابيين الإسلاميين للمدن الأوروبية مثل لندن وباريس وبروكسل ونيس ومانشستر على سبيل المثال لا الحصر وبعضها أكثر من مرة، اعتقلت السلطات الإسبانية 700 شخص وحَكَمَت على العشرات فضلاً عن سجنها 120 شخصاً لضلوعهم في أعمال إرهابية كما وأحبطت الكثير من المؤامرات. وبدت استراتيجية إسبانيا في هذا الخصوص أنها فعالة وتسير بخطىً ثابتة حتى يوم الخميس الماضي، وذلك عندما هاجم رجل من أصولٍ مغربية بشاحنته بعض المارّة في مدينة برشلونة فقتل 14 شخصاً وجَرَحَ عشراتٍ آخرين. وفي سياقٍ منفصل، قتلت الشرطة الإسبانية  5 مشتبه بهم في منتجع كامبريلس الساحلي قرب برشلونة كانوا قد دهسوا 7 أشخاص بسيارة. وقالت السلطات الإسبانية إن الهجومين متصلان وإن الجُناة كانوا يخططون لتنفيذ هجمات واسعة النطاق بيد أنه تم إحباط مخططاتهم عندما انفجر المصنع الذي يستخدمونه لصناعة المتفجرات في بلدة الكانار. من جانبه، تبنى تنظيم الدولة الإسلامية هجمات الخميس في برشلونة، ولكن لربما لا يكون السؤال الجوهري هو لماذا لم تتمكن السلطات الإسبانية من إحباط تلك الهجمات، وإنما كيف نجحت البلاد في حماية نفسها ضد الإرهاب لفترة طويلة.

ذكرت صحيفة /إل بايس/ الإسبانية في تقرير لها شهر حزيران/ يونيو الماضي أن أكثر من ألف شخص كانوا تحت مراقبة الشرطة وأنه تم استجواب  259 آخرين، ناهيك عن استغلال 500 هاتف في عشرات التحقيقات في قضايا مكافحة الإرهاب في عموم أنحاء البلاد. وأفادت الصحيفة أن “جيشاً صامتاً” يضم أكثر من 3 آلاف ضابط كانوا يعملون على منع وقوع هجمات أخرى. و تَنَقَلَ أولئك الضباط عبر حسابات مواقع التواصل الاجتماعي بالإضافة إلى تحقيقهم في أمرِ المساجد وعَمِلوا مع المُخبرين بهدف الحصول على معلومات عن الشبكات الإرهابية. وخَلٌصَ الضباط إلى أن مسألة وقوع هجوم جديد هي أمر لا مفر منه. وفي الواقع، أشارت الصحيفة إلى أن مُدُن مدريد وبرشلونة وسبتة ومليلة كانت سهلة الاختراق وعُرضة للهجمات أكثر من غيرها، وأفادت /إل بايس/ أن أجهزة الاستخبارات الإسبانية كانت قد حذرت من استهداف “الأماكن المكتظة في مدريد وبرشلونة”. ولربما يكون /لاس رامباس/ مسرح هجوم الخميس الماضي في برشلونة، أكثر طُرق المشاة ازدحاماً في المدينة حيث يقصدهُ السياح والمَحليون على حدٍ سواء.

قبل هجمات مدريد عام 2004، كانت هناك بعض التلميحات حول مشكلة محتملة مع الإرهاب الإسلامي. وكما ذَكَرتُ يوم أمس، فإن لإسبانيا تاريخاً طويلاً مع الإرهاب. ولكن منظمة إيتا الانفصالية في إقليم الباسك والتي أعلنت عن هدنة مع سلطات مدريد عام 2011 كانت مسؤولة عن جزء كبير من أعمال العنف. وقبل اعتداءات تنظيم القاعدة عام 2004، كانت الشرطة الإسبانية تراقب الجماعات الإسلامية الأصغر حجماً من التنظيم والتي كانت تنشط في شمال أفريقيا، بالإضافة إلى الجماعات السلفية /التي ليست عنيفة بالضرورة/ والتي كانت تكسب الأتباع رويداً رويداً والمؤثرة في المناطق الريفية والساحلية من مقاطعة كاتالونيا.

وفي حديثه لصحيفة الغارديان البريطانية، قال لورينزو فيدينو مدير برنامج التطرف بجامعة واشنطن: “للسلفية تيارات مختلفة فمنها المحافِظة جداً ولكن ليس بالضرورة أن تدعم العنف. وبما أنني قلت ذلك، فلا يمكن إنكار أن تلك البيئة قد أوجدت تربة خصبة لمزيد من التطرف وهو ما يفسر سبب وجود مزيد من التطرف في كاتالونيا أكثر من أي مكان آخر في إسبانيا”.

وانتهى الحالُ بالكثيرِ من الإسبانيين المنحدرين من كاتالونيا كمقاتلين في معارك الجهاديين في عصرنا هذا. وأشارت صحيفة /إل باس/ إلى ما يلي:

كان عماد الدين بركات المعروف باسم “أبو الدحداح” وأحد مؤسسي فرع تنظيم القاعدة فيإسبانيا، يوَدِعُ المقاتلين من مطار باراخاس في العاصمة مدريد ويرسلهم للجهاد في البوسنة والشيشان أو أفغانستان، وكان يستقبل الجرحى من المقاتلين أيضاً ويرسلهم لتلقي العلاج في المستشفيات الإسبانية التي تمولها الدولة. كان أبو الدحداح الإسباني من أصول سورية  يُدير أمور مجموعته بحصانة تامة. لم يتنبأ أحد بأن هؤلاء المقاتلين المُلتحين العائدين من ميادين القتال قد تم تدريبهم على استخدام السلاح والمتفجرات ويمكن أن يشكلوا خطراً على سلامتنا.

وخلال السنوات القليلة الماضية، انتقل اهتمام منظمات الأمن الغربية من مراقبة المقاتلين العائدين من أفغانستان والبوسنة والشيشان إلى مراقبة نظرائهم العائدين من سوريا والعراق. لم يكن لدى إسبانيا الأعداد ذاتها من المواطنين الذين يسافرون للقتال في صفوف تنظيم الدولة في تلك الدول ــــ كما ولم يثبت تورط أي من المشتبه بهم الذين اعتقلتهم السلطات الإسبانية بعلاقات بالإرهاب. ولم يتضح ما إذا كانت السلطات الإسبانية على علمٍ بالمسلحين الذين قُتِلوا في كامبريلس، وهذا ما يشير إلى عدة استنتاجات محتملة: أولها، قد يحبط المسؤولون الأمنيون عشرات المؤامرات الإرهابية لكنهم بحاجة للفشل ولو لمرة واحدة، أما ثانيها: فمن المستحيل افتراضياً إيقاف شخص ما ينوي حقاً مهاجمة المدنيين لا سيما إذا ما كان/ت/ يستخدم سلاحاً منخفض التقنية كالشاحنة مثلاً: وإن أفضل الردود على الهجمات الإرهابية لهي جيدة تماماً حتى وقوع الهجوم المقبل.

رابط المادة الأصلي: هنا.




المصدر