للمنتصرين الأنقاض.. تحديات روسيا في إعادة إعمار سوريا


محمد

نيل هاورنيل هاور

محلل استخباراتي بما يتعلق في الشأن السوري وروسيا ودول القوقاز. عمل سابقاً مع مجموعة “سيكديف”، وقد نُشرت أعماله في ال بي بي سي، ومجلة فورين بوليسي، وأخبار كندا العالمية وغيرها. يقيم هاور حالياً في تبليسي- جورجيا.

بقلم نيل هاور. ترجمه‫/‬ته إلى العربية نزيهة بعاصيري.

(هذه المقالة هي نتيجة شراكة بين موقع حكاية ما انحكت وأوبن ديموكراسي روسيا ). استحوذت روسيا على مدى الأشهر الثمانية الماضية على المبادرة بشكلٍ متزايد لرسم المسار السياسي والعسكري للأحداث في سوريا. ومع تركيز الولايات المتحدة على الحرب ضد الدولة الإسلامية في الرّقة، قامت موسكو، بالتعاون مع أنقرة، بخلق عدد من “مناطق تخفيف التصعيد” في البلاد، وهي تغطي المناطق الرئيسية الأربعة حيث يدور الصراع بين قوات النظام والثوّار. وفي الوقت نفسه، قامت روسيا بإعلان هدفها لإعادة بناء عدد من المساجد البارزة في سوريا كمشاريع رائدة تهدف إلى إظهار نواياها الخيّرة. وكشفت وثائق تمّ تداولها مؤخراً عن شركات روسية عملت جاهدة لتأمين حصتها من الطفرة الاقتصادية التي ستحدث مباشرةً خلال فترة ما بعد الحرب. وعلى الرغم من ذلك، ما يزال الكرملين يواجه قضايا عميقة لبسط نفوذه في المناطق التي يسيطر عليها النظام السوري، وهي مشكلة تتطلب موارد متزايدة باستمرار حتى مع انخفاض عدد مناطق القتال الرئيسية في سوريا. زيادة أعداد القوات الروسية في سوريا تقوم روسيا حالياً بزيادة أعداد قواتها بشكلٍ كبير في سوريا. وعلى نقيض إعلانات النجاح والانسحاب التي قام بها الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في آذار ٢٠١٦ وكانون الثاني ٢٠١٧، تواصل روسيا نشر قواتها البرّية في سوريا أكثر من أيّ وقتٍ مضى. وبالتزامن مع الجولة الأحدث من المفاوضات الدولية في أستانا في أوائل تمّوز، أمضت موسكو ما يقارب الشهر لإعادة تشكيل وإعداد صفوف جديدة من الشرطة العسكرية المتجهة إلى سوريا، بالرغم من عدم وجود تقارير موثوقة عن هذه الوحدات، والتي ظهرت معظمها خلال شهر تمّوز. وفجأة، شهد يوم ٢٤ تمّوز نشاطاً جديداً، إذ نشر حوالي ٤٠٠ عسكري روسي في منطقة تخفيف التصعيد في درعا في جنوب غرب سوريا، حيث أقاموا حاجزين وعشرة مراكز مراقبة بالقرب من هضبة الجولان التي تسيطر عليها إسرائيل. وفي اليوم التالي، تمّ نشر شريط فيديو يُظهر نقطة تفتيش روسية تعمل في منطقة الغوطة الشرقية، مما أكدّ التواجد الروسي البرّي في المنطقة الثانية من مناطق تخفيف التصعيد الأربعة في البلاد. وفي ٢٦ تمّوز، أكدّ وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، تطوّراً كبيراً ذكر فيه أنّ لدى روسيا أربع كتائب للشرطة العسكرية تعمل في سوريا حالياً، مما يلغي المجموع السابق الذي كان بين كتيبتين أو ٣ كتائب. كما حدّد شويغو أنّ هذه الكتائب هي من المنطقة العسكرية الجنوبية في روسيا، وهي منطقة تضم شمال القوقاز، مما يشير إلى كون معظم أفراد الوحدات أو جميعهم مسلمين من المذهب السنّي. ويُظهر هذا التطوّر الملحوظ جدّية موسكو في تنفيذ وقف إطلاق النار الذي تمّ التفاوض عليه بعناء في غرب سوريا. وفي أوائل شهر آب، قامت تطوّرات أخرى على طول الجبهة الغربية. ففي ٣ آب 2017، أقامت الشرطة العسكرية الروسية حاجزين عسكريين شمال مدينة حمص لإحلال وقف إطلاق النار في تلك المنطقة. وبحلول ١٠ آب 2017، أمسّت هذه الحواجز تعمل بكامل طاقتها، وهو ما كان يكفي لدعوة العديد من الصحفيين الروس إلى تفقّد المنطقة. وفي حين لم يتم بعد وضع إطار للوجود العسكري الروسي في محافظة إدلب، فإنّ هناك وجود روسي في ثلاث مناطق من مناطق تخفيف التصعيد الأربع في سوريا، والتي تعمل بدرجاتٍ متفاوتة.  وقد سمح تجميد الوضع على طول الخطوط الأمامية للصراع في غرب سوريا بمساعدة روسيا على تحقيق هدفها العسكري الجديد، أي تأمين موارد النفط والغاز الموجودة في شرق سوريا. وكانت قد تقدّمت قوات النظام السوري ضد الدولة الإسلامية خلال الأسابيع الأخيرة بهدف تأمين المناطق الصحراوية البعيدة ولتخفيف الحصار المفروض على مدينة دير الزور، الذي دام أربعة سنوات. وفي حين لا يوجد دليل على لعب المستشارين الروس دوراً في هذا القرار إلا أنّ هناك العديد من الصحفيين الروس المرافقين لقوات النظام، والتي تتمركز على الخطوط الأمامية لمدينة السخنة التي تمّ استعادتها مؤخراً. كما دعمت القوات الجوية الروسية هذا الهجوم الذي قام منذ ٩ تموز بالتركيز على أراضي الدولة الإسلامية بالقرب من السخنة وعلى طول نهر الفرات. وتتماشى هذه الجهود مع تأمين المصالح الاقتصادية لروسيا في المنطقة، والتي تمّ الكشف عنها مؤخراً. اتفاقيات حول موارد الطاقة وإعادة الإعمار في حين أنّ الجهود السياسية والعسكرية الروسية تساعد الرئيس السوري بشار الأسد في تثبيت خطوط المواجهة واستعادة السيطرة على الأراضي السورية في جميع أنحاء البلاد، إلا أنّ موسكو تستفيد بشكلٍ متزايد من فوائد اقتصادية في سوريا. ظهرت أول علامات الأرباح المحتملة في تشرين الأول ٢٠١٥، عندما أعلن وفدٌ روسيٌ يزور دمشق أنّ شركات روسية ستقود عملية إعادة الإعمار في مرحلة ما بعد الحرب في سوريا. من هذه المفاوضات كانت هناك اتفاقيتان في نيسان ٢٠١٦ نتجت عنهما صفقات بقيمة لا تقلّ عن ٨٥٠ مليون يورو. في حين لم يتم الإعلان عن التفاصيل الكاملة لهذه الصفقات. إلا أنّ رئيس الوزراء السوري، وائل الحلقي، كان قد لمّح إلى قيام المزيد من الاتفاقيات في المستقبل. وفي تشرين الثاني ٢٠١٦، أدّت زيارة برلمانية روسية أخرى إلى سوريا إلى قيام وزير الخارجية السوري، وليد المعلم، بإعطاء الشركات الروسية الأفضلية خلال عملية إعادة بناء سوريا. ويقوم فريق غير متوّقع بقيادة الجهود الروسية في إعادة الإعمار هذه، ونعني جمهورية الشيشان المضطربة في شمال القوقاز. فالحكومة الشيشانية تموّل بعضاً من مشاريع موسكو المرموقة، لا سيما إعادة بناء المسجد الأموي الكبير في مدينة حلب بتكلفة ١٥ مليون دولار أمريكي. كما تقوم مؤسسة أحمد قديروف، التي سُمّيت تكريماً لأب القائد الشيشاني، رمضان قديروف، بإعادة بناء مسجد خالد بن وليد في حمص. وبذلك أمست دولة الشيشان لاعباً رئيسياً في الجهود التي تقوم بها موسكو للتواصل مع العالم الإسلامي السنّي خلال السنوات الماضية. من خلال السماح لغروزني وقديروف بقيادة الجهود في سوريا، يأمل الكرملين في استعادة بعض من  شرعيته بين أكثرية السوريين المنتمين للطائفة السنّية. ظهر دور روسيا الاقتصادي الأكثر أهمية حتى الآن في اتفاقية كشفت عنها الصحيفة اليومية، فونتانكا والتي مقرّها في سانت بيترسبورغ في حزيران ٢٠١٧. ووفقاً للوثائق التي تمّ الحصول عليها، تفيد الصحيفة أنّه في كانون الأول ٢٠١٦ تمّ التوصل إلى اتفاقية بين وزير النفط والغاز السوري، علي غانم، وشركة روسية برعاية وزارة الطاقة في روسيا. وتفيد الاتفاقية بتقديم سوريا ٢٥٪ من إنتاجها للنفط والغاز إلى شركة ستروي ترانس غاز الروسية، التي ستوّفر خدمات “الدفاع والإنتاج والنقل” من الحقول الموجودة في شرق سوريا. كما تشارك شركة روسية أخرى في هذه الاتفاقيات وهي شركة يوروبوليس، والتي ترتبط ارتباطاً وثيقاً برئيس شركة ستروي ترانس غاز يفغيني بريغوجين (حليف بوتين الوطيد) وديمتري أوتكين، رئيس شركة ” فاغنر” وهي شركة مقاولة عسكرية خاصة وشهيرة. ومع وجود ما يقدّر بنحو ٢٥٠٠ موظف لشركة فاغنر في سوريا، من المحتمل أن تقوم الشركة بخدمات الحماية الأمنية للآبار التي تديرها شركة ستروي ترانس غاز الروسية في وسط سوريا وشرقها، بالإضافة إلى المشاركة في الصراع المستمر من تدمر إلى دير الزور. وحثّ رئيس تحرير موقع “المونيتور” لصفحة الشؤون الروسية، مكسيم سوشكوف، على عدم اعتبار هذه الصفقات الأخيرة انتصاراً حاسماً لروسيا في البيئة الاقتصادية السورية، إذ إنّ صحيفة فونتانكا معرّضة “للمبالغة بالأمور”. غير أنّ سوتشكوف أكّد عبر مراسلة إلكترونية على المصالح الروسية في قطاع النفط في سوريا واستعدادها لتوظيف شركات عسكرية خاصة لحماية الشركات الروسية العاملة في البلاد، وهو تكتيك يسمح للحكومة الروسية بدرجة من العزل السياسي في حال حصول خسائر محتملة.

(صورة مأخوذة من وزارة النفط والثروة المعدنية السورية. الصورة تستخدم بمموجب الاستخدام العادل، جميع الحقوق محفوظة للمؤلف)

مصير إدلب وبغضّ النظر عن شرق سوريا، فإنّ القضية الأكثر تعقيداً التي تواجه روسيا تقع حالياً في شمال غرب البلاد. تسعى موسكو إلى وضع خطط  (إلى جانب تركيا) لإقامة منطقة تخفيف التصعيد في محافظة إدلب، إذ يتطلّب الأمر نشر أكثر من الألف شرطي عسكري الذين سبق أن قامت موسكو بإرسالهم. إنّ محافظة إدلب أكبر معقل للمعارضة، إذ يتمركز عشرات الآلاف من مقاتلي الثوّار، وبالتالي فإنها تشكلّ تحدّياً أكبر بكثير من حمص أو الغوطة الشرقية أو جنوب غرب سوريا. ولهذا السبب، تسعى موسكو للحصول على مزيد من القوى العاملة والمشاركة السياسية ليس فقط من أنقرة، بل من عدد من عواصم آسيا الوسطى أيضاً. تقوم حاليا ًمفاوضات مكثّفة لتأمين مجموعة من قوات حفظ السلام مؤلفة من دول منظمة معاهدة الأمن الجماعي، وهي تحالف عسكري يتألف أساساً من روسيا ودول آسيا الوسطى. تم ذكر دولتي كازاخستان وقيرغيزستان على وجه التحديد من قبل المسؤولين الروس والأتراك في هذه العملية، وفي ظلّ غياب الإرادة السياسية، سواء من الحكومات أو المجتمع المدني في أستانا أو بيشكيك، إلا أنّ روسيا تأمل استخدام رصيد نفوذها الكبير هناك، خاصةً مع هذه الأخيرة (بيشكيك)، التي تمّ شطب ديونها لموسكو مؤخراً، والتي قيمتها ٢٤٠ مليون دولار أمريكي. يقول المدير العام لمجلس الشؤون الدولية الروسي، أندري كورتونوف، أنّ عمليات النشر هذه غير مرجّحة. “لا أتوقع أن يتم نشر هذه القوات قريبا.ً.. من الناحية النظرية، يمكن لهذا أن يحدث… ولكني لا أرى أي نشر سريع.” حليف صعب: إيران على الرغم من النجاحات الروسية في استرداد الأراضي وإحلال اتفاقيات وقف إطلاق النار في سوريا، إلا أنّ حملة موسكو لا تسير على أكمل وجه. إنّ محاولاتها لتأمين قوات حفظ سلام دولية تعكس الصعوبات التي يواجهها الكرملين في التأثير على حلفائه السوريين والإيرانيين. فهؤلاء يواصلون العمل نحو تحقيق أهدافهم الخاصة بغضّ النظر عن الاتفاقات الدولية التي توّسطت فيها موسكو، والتي من شأنها أن تقيّد أعمالهم، على الأقل ظاهرياً. حتى الساعة، لروسيا أكبر عدد من الأفراد العسكريين في سوريا، على الرغم من أنّ القتال أقلّ نسبياً مقارنة بالمعارك الواسعة النطاق التي خاضتها في حلب وفي أماكن أخرى منذ التدّخل الروسي في أيلول ٢٠١٥. وقد ظهرت إيران كحليف صعب على وجه الخصوص. يشير مكسيم سوشكوف إلى أنّ طهران تشعر بالضيق الشديد بسبب صفقات روسيا مع كلٍّ من المعارضة، وتركيا، والأردن، وإسرائيل، والولايات المتحدة، والتي تعتبرها قد تمّت “من دون علمها”. وكانت الخلافات الروسية الإيرانية حول كيفية إنهاء معركة حلب في كانون الأول/ يناير ٢٠١٦ عاملاً محفّزاً للاستعانة بالشرطة العسكرية الشيشانية في سوريا خلال الشهر نفسه. في حين تبدو العلاقة العكسية بين زيادة عدد الأفراد العسكريين الروسيين في سوريا وخفّة الصراع في البلاد متناقضة، إلا أنّها في الواقع، مقياس لحجم الموارد التي يجب على موسكو نشرها من أجل تأمين أهدافها السياسية: تخفيف وإنهاء الصراع الجاري. عدم تغطية عمليات النشر في ذلك الحين، أوقفت وسائط الإعلام الإقليمية الروسية (وسائل إعلام روسية، وخاصة من مناطق مسلمي روسيا) تغطية عمليات النشر المتزايدة للجنود الروس، بالإضافة إلى لجوء مصادر ومسؤولين في وسائل الإعلام في شمال القوقاز إلى الصمت تماماً في الجولة الأخيرة من تلك العمليات. يأتي ذلك كتناقض صارخ مع التغطية الوثائقية الحميمة والاحتفالات، التي رافقت أول عملية نشر لجنود الشرطة العسكرية في سورية، حيث منح الجنود أوسمة وميداليات قبل إرسالهم إلى سورية. وجاء آخر ذكر محدّد لكتائب الشرطة العسكرية الشيشانية المنتشرة في سوريا مع العودة الثانية لهذه الوحدات في ٢٤ حزيران. كما غاب موضوع جنود أنغوش عن المناقشة الإعلامية منذ انتهاء أول نشر لهم في ٥ حزيران. ويمكن لهذا أن يشير إلى إدراك الكرملين للتناقض بين إعلانه عن “النصر على الإرهاب” في سوريا وانتشاره الواسع على الأرض، وبالتالي فهو حذّر من توجيه المزيد من الاهتمام العام إلى عمليات النشر المتزايدة للجنود، وما يترتب على ذلك من مخاطر. وفي حين قد تكون الحكومات الإقليمية في شمال القوقاز موافقة لإرسال جنودها إلى سوريا، إلا أنّ سكانها (مسلمون من المذهب السنّي) هم أكثر تحفّظاً بكثير خوفا من الوفيات المحتملة التي قد تنتج عن محاربة إخوانهم في المذهب بعيداً عن حدود روسيا. كما أنّ هناك احتمال مشاركة المزيد من الجنود الروس من أعراق مختلفة (ونعني الجنود الغير منتمين إلى إثنيات القوقاز من شيشان وأنغوش.. وبالتالي غير مسلمين) في الكتائب الناشطة حالياً، وهي حقيقة ظاهرة من خلال مقابلات مع ضباط الشرطة العسكرية في سوريا، الذين يحملون أسماءً مثل فيتالي أفاناسيف. ومهما يكن الأمر، فإن مناقشة وجود وعمل هذه الوحدات قد أمست مجرّد شائعات تنتشر فقط على وسائل التواصل الاجتماعي في شمال القوقاز.

(حاجز تديره الشرطة العسكرية الروسية في الغوطة الشرقية، ريف دمشق، بتاريخ ٢٥تموز/ يوليو ٢٠١٧ . المصدر: مركز التلفزيون TV Center / تستخدم الصورة بموجب الاستخدام العادل، جميع الحقوق محفوظة لأصحابها)

دور الميليشيات الهدّام بعيداً عن هذه القضايا، تواجه روسيا مهمة أشقّ وأكثر أهمية خلال مناوراتها لاعتبارها اللاعب المهيمن في سوريا: إعادة بناء سلطة الدولة السورية الممزّقة. لم تسعَ روسيا حتى الآن إلى تحسين الحكم السوري بشكل جدي في المناطق التي تم استردادها، حيث يتطلب ذلك عدداً أكبر من القوات البرّية مما هو عليه حالياً في سوريا. وقد أشار المحللون منذ وقت طويل إلى الانهيار المتزايد لسلطة الدولة السورية، حيث إنّ مهام الحكم المحلي وتأمين الأمن أعطيت للميليشيات، التي هي خارج سيطرة الدولة. فجهود روسيا لم تُوقف حتى الآن الميليشيات السورية الموالية للأسد والجماعات المسلحة الأجنبية المدعومة من إيران من الحكم في المناطق المُستردة خارج نطاق القضاء. وأظهرت تقارير انتهاكات من قِبَل ميليشيات موالية للنظام في حلب منذ خضوعها لسيطرة الحكومة، مما يشير إلى عدم وجود تغّير كبير حتى بعد نشر عدّة مئات من عناصر الشرطة العسكرية الشيشانية هناك في أوائل ٢٠١٧. ومما يبعث على مزيد من القلق هو أنّ موسكو تبدو، إما غير راغبة أو غير قادرة على التعامل مع مختلف الجهات الفاعلة المستقلة التي تمارس السلطة في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة السورية. تحاول روسيا إلى حدٍّ كبير التعامل مع هياكل ومؤسسات الدولة السورية، في حين تتجاهل (إما عمداً أو عن جهل) أنّ البلاد هي في الواقع خليط من الإقطاعيات تسيطر عليها النُخب المحلية وأمراء الحرب. وبالتالي ستواجه موسكو صعوباتٍ كبيرة لجني ثمار جهود عملية إعادة الإعمار المربحة، والتي من المحتمل أن تواجه تحديات من قبل الفاعلين المحليين والنخب الذين يبسطون نفوذهم في تلك المناطق. حتى مع وجود عدّة آلاف من أفراد الشرطة العسكرية، فمن غير المرّجح أن تكون هذه الأعداد كافية لبسط سيطرة موسكو مع وجود أفرقاء مستقلين مؤيدين للنظام أو أولئك المدعومين من إيران، الذين يتمتعون بالسيطرة الفعلية على ما يقرب كامل الأراضي التي تُعتبر تحت سيطرة الحكومة السورية. ومع المضي قدماً، من المرجح أن يستمر تركيز روسيا على محادثات أستانا ومبادراتها. وأشار مكسيم سوشكوف إلى أنّ نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف (وهو رجل الكرملين فيما يتعلق بشؤون قضايا الشرق الأوسط)، يسعى حالياً إلى توحيد مختلف فصائل الثوار السورية وقبولها لمناطق تخفيف التصعيد. ويعتقد أندريه كورتونوف أنّ موسكو ستركز بشكلٍ أساسي على زيادة مشاركة الولايات المتحدة في محادثات أستانا لتضيف المزيد من الشرعية والتوافق الدولي بينما تسعى أيضاً إلى مواصلة تخفيف الصراع في البلاد. وعلى الرغم من أنّ هذه الأهداف قد تكون واقعية، إلا أنّ روسيا ما زالت تواجه مشاكل واسعة النطاق فيما يتعلق ببناء الاستقرار الحقيقي في سوريا، ومن المرّجح زيادة مستوى مشاركتها على الأرض في البلاد. ومع تقدم الجهود الدبلوماسية، من المتوقع رؤية المزيد من الجنود الروس والشرطة العسكرية الروسية في سوريا في الأشهر المقبلة. (الصورة الرئيسية: حاجز تديره الشرطة العسكرية الروسية في الغوطة الشرقية، ريف دمشق بتاريخ ٢٥تموز/ يوليو ٢٠١٧. المصدر: مركز التلفزيون TV Center / تستخدم الصورة بموجب الاستخدام العادل، جميع الحقوق محفوظة لأصحابها).


المصدر