هكذا أصبحت اللاذقية “شيكاغو العرب”

29 آب (أغسطس - أوت)، 2017
6 minutes

تتصاعد وتيرة الحوادث الأمنية التي تعصف بمدينة اللاذقية يومياً بفعل انتشار السلاح والميليشيات، وغياب سلطة القانون، حتى بات سكان المدينة يطلقون على اللاذقية اسم “شيكاغو العرب” في مواقع التواصل الاجتماعي، في إشارة إلى هيمنة السلاح والعصابات على المدينة.

وخلال الأسبوعين الماضيين فقط تحدثت مواقع إخبارية موالية وناشطون عن تسجيل خمسة وفيات بالقتل العمد داخل اللاذقية، بعضها بقي مرتكبوها مجهولي الهوية، وإحداها نتجت عن شجار.

نهاية مأساوية

آخر هذه الحوادث جرت قبل أيام قليلة ولاقت صدى واسعاً بين الأهالي بسبب النهاية الحزينة التي أدت لمقتل طفل لا يتجاوز العاشرة من عمره مع مختطفه الذي فضل الانتحار وقتل الطفل وعدم تسليمه.

وفي تفاصيل الحادثة التي يرويها الشاب علي أمين من مدينة اللاذقية (اسم مستعار للضرورة الأمنية) فقد بدأت القصة صباح يوم الأحد 13 آب عندما أقدمت عصابة مسلحة على استدراج الطفل حكيم علاء الدين (10سنوت) أثناء لعبه بالشارع بحجة انتظار صديقه له ليختفي بعدها عن الأنظار.

وبحسب أمين، المقيم في الحي نفسه، قدّم أهالي الضحية بلاغاً إلى الشرطة، ومن خلال شهادات أهالي الحي وأوصاف السيارة تمكنّت دوريات الأمن من معرفة هوية الخاطفين عبر ملاحقة السيارة، وهما الأخوان “ماهر، وخلدون بكداش” المنتسبين إلى ميليشيات “كتائب البعث”.

ومع وصول قوات الشرطة إلى منطقة سكن الشباب (مفرق الجزيرة) لمداهمة المكان، فوجئت هذه القوات -بحسب تأكيد أمين- بأحد الخاطفين وهو يفتح قنبلة ليرميها على الدورية، ما أدى إلى مقتله على الفور، وليلقى الطفل المختطف المصير نفسه، فيما رمى الخاطف الثاني بنفسه من السطح عند وصول الدورية، وتم القبض عليه حياً ونقله Yلى المشفى بعد إصابته بشظايا القنبلة.

وفي حديثه لـ”صدى الشام” أوضح أمين أنّ هذه الجريمة أثارت تنديداً كبيراً من سكان المدينة “نظراً لعمر الضحية، وسهولة التفريط بها”، كما أنّ انتماء المجرمين إلى الشريحة المثقفة (طلاب جامعة) أثار سخطاً واسعاً وهو ما يدق ناقوس الخطر لمستوى الجريمة التي باتت تغرق بها اللاذقية، حسب قوله.

ويرى أمين أنّ أحد أهم أسباب الفلتان الأمني هو “استخدام المدنيين والعسكريين للباس العسكري، وانتساب قسم كبير من أصحاب السوابق لميليشيات الدفاع الوطني ما سمح لهم بالحصول على رخصة السلاح”.

جريمة متنقلة

وفي الإطار ذاته ذكرت شبكة “شيكاغو اللاذقية” وهي إحدى الصفحات المحلية المهتمة بتوثيق الحوادث الأمنية في المدينة، أنّ سكاناً عثروا قبل أيام قليلة على جثة شاب مجهول الهوية في العشرين من عمره، مرمية على شاطئ البحر في الكورنيش الجنوبي لمدينة اللاذقية.

وأضافت الشبكة نقلاً عن مصدر في الشرطة أنّ سبب الوفاة ناجم عن قصور التنفس، نتيجة أذية على الصدر والرقبة نتيجة الضرب بأداة صلبة دون معرفة الجاني.

كما عُثر على جثة “محمد داود عنتر” (41) عاماً قبل أيام قليلة في حي سكنتوري وسط اللاذقية، مرمياً في منطقة مهجورة بعد تعرضه لعدة طعنات نافذة بالصدر بواسطة سكين حاد، دون تفاصيل عن مرتكبي الجريمة.

وفي حادثة أخرى تعكس غياب السلطة الأمنية عن الساحة تطور خلاف بين عائلتين في قرية المزيرعة بريف اللاذقية إلى اشتباك مسلح استمر لساعات، وأدى وفق شبكة “أخبار اللاذقية” المحلية إلى إصابة العسكري “محمد محمد” بجروح بليغة، ومقتل زوجته على يد الجاني “باسل صقر”، والذي قاوم الشرطة التي جاءت لفض الاشتباك.

وفي سياق آخر شهدت مدينة اللاذقية يوم الثلاثاء 15 آب واحدة من أكبر عمليات السطو المسلح، بعد أن أقدم شخص مسلح نهاراً على اقتحام مركز شركة “العنكبوت للحوالات المالية” في شارع ٨ آذار وسط المدينة، بالقرب من قيادة شرطة اللاذقية، وقام المسلح بسرقة مبلغ 15 مليون سورية من خزينة الشركة، قبل أن يقوم أيضاً بسرقة كاميرات المراقبة، وذواكر التسجيل، لإخفاء شخصيته بعد تسجيل الكاميرات لجريمته.

مصلحة مشتركة

هذه الحوادث التي باتت تشكل اليوم ضغطاً كبيراً على أهالي المدينة وصفها عضو “لجان التنسيق المحلية” في اللاذقية أبو ملهم جبلاوي بأنها “نتيجة طبيعية لتغاضي نظام الأسد عن شبيحته”، حيث تشكل المحافظة بحسب رأيه “ثقلاً بشرياً كبيراً لمقاتليه والذين بات معظمهم اليوم مسلحاً ويتعامل مع المدنيين باعتباره هو المجسد لسلطة الدولة”.

وأضاف جبلاوي لـ “صدى الشام” أنّ أياً من “الجهود السابقة خلال سنوات الثورة فشلت في وضع حد لتجاوزات هؤلاء المدعومين من قبل جهات متنفذة في الدولة”، مشيراً إلى حالة سخط كبيرة حتى ضمن الموالين لعجز النظام عن فرض هيبته، وتركهم فريسة للتشليح والخطف والسرقة.

ويؤكد الشاب الذي خرج من اللاذقية قبل عام أنّ حوادث التشليح والخطف يومية، وبعضها لا تعلم به أجهزة الشرطة بسبب عدم ثقة الناس بقدراتها، موضحاً أنّ جزءاً كبيراً من عمليات الخطف حمل خلال السنوات الأخيرة طابعاً مذهبياً، مستشهداً بتوثيق 67 حالة خطف لأهالي من مدينة جبلة جنوبي اللاذقية منذ انطلاق الثورة السورية، انتهت 12 منها بالقتل.

“في الوقت الراهن لا يبدو أن شيئاً سيتغير رغم معرفة سلطات النظام بمسؤوليها” يقول جبلاوي، ويؤكد “لا نية للنظام بالدخول في صراع طويل مع شبيحته، بل على العكس فإنّ مثل هذه الأعمال تساهم في زيادة قبضة النظام الأمنية وتساعد في إعادة الخوف إلى قلوب السوريين”.

[sociallocker]

المصدر

[/sociallocker]