من يُغرِق قوارب اللاجئين في المتوسّط؟

31 آب (أغسطس - أوت)، 2017
13 minutes

عامٌ ونصف العام مضى على اتفاق “وقف تدفّق المهاجرين” الذي وقّعته تركيا مع الاتحاد الأوروبي، والذي يهدف إلى منع اللاجئين من الوصول إلى القارّة العجوز عبر تركيا، لكن عدد الضحايا الذين غرقوا بعد الاتفاق، لا يقل عن عدد الضحايا الذين غرقوا قبله، حيث استمر اللاجئون بالتدفّق بوتيرة غير منتظمة، تخضع لعدّة اعتبارات، ويأتي على رأسها استقرار الوضع السياسي بين تركيا والاتحاد الأوروبي.

شهدت الأشهر الفائتة تجاذبات بين تركيا ودول أوروبية، منها مع بلجيكا، ثم هولندا ومؤخّراً ألمانيا، لأسباب مختلفة مرتبطة بالعلاقات بين هذه الدول، غير أنّه وبعيداً عن التصريحات المتبادلة بين تلك الدول، فقد انعكست هذه الخلافات على ظروف اللجوء، إذ أنَّ المهاجرين الساعين لقطع “بحر إيجة” باتوا ضحيةً لما يجري بين أهل السياسة.

يكشف هذا التحقيق كيف تأثّر اللاجئون الساعون للوصول إلى اليونان عبر تركيا بما يدور من خلافات بين الاتحاد الأوروبي والأتراك.

 

بين الخلاف والاتفاق

في الثامن عشر من شهر آذار من عام 2016، أبرمت تركيا مع الاتحاد الأوروبي الاتفاق الشهير، المعروف بـ “وقف تدفّق المهاجرين”، وينص الاتفاق على إبعاد كل اللاجئين الذين يصلون إلى الجزر اليونانية نحو تركيا، مقابل سلسلة من الميزات المقدمة لأنقرة، أبرزها إعادة طرح إنضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، والموافقة على تنقل مواطنيها بين دول القارة العجوز من دون تأشيرات، بالإضاقة إلى مضاعفة “المبالغ” المالية التي تساعدها في تحمل أعباء استضافة اللاجئين وتثبيتهم، كل ذلك بهدف تخليص أوروبا من أسوأ أزمة ضربت أركانها منذ الحرب العالمية الثانية، ألا وهي أزمة اللاجئين.

اليوم وبعد توقيع الاتفاق بأكثر من عامٍ ونصف، لم تُطبّق معظم بنوده، ولا سيما فيما يخص مناقشة انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، ودخول مواطنيها إلى أوروبا دون تأشيرة.

وبالنتيجة فإن عدم تنفيذ بنود في الاتفاق وما تخلّله من مشاحنات سياسية أوروبية – تركية انعكس على واقع المهاجرين.

“التهريب لم يتوقف ولن يتوقّف” بهذه الكلمات يعلّق “ورد” على ما آلت إليه الأوضاع. يقول هذا اللاجئ العراقي المقيم في اليونان والذي يعمل ضمن ما يُعرف بـ “فريق الإنقاذ”: من خلال متابعة مسار اللجوء، فإن الجزر الواقعة جنوب اليونان كانت تغرَق باللاجئين في كل مرة يحدث فيها تصعيد في الخطاب التركي – الأوروبي، وكانت جميع فرق الإنقاذ تستنفر لأنها تتأكّد من أن موجة كبيرة من اللاجئين ستصل، لأن “تركيا ستعاقب أوروبا” حسب قوله.

هذا الكلام يعزّزه ما نشرته الصحافة الألمانية الأسبوع الماضي، حيث قال موقع wiener zeitung.at الألماني: “إن البحرية التركية بدأت من الخامس عشر من الشهر الجاري، بتعليق كافة نشاطاتها ضد المهربين ورحلات اللجوء غير الشرعي في بحر إيجه بين تركيا و اليونان، الأمر الذي ترتب عليه تصاعد كبير في أعداد اللاجئين القادمين من تركيا الى اليونان، حيث بلغ عددهم بين 21 وحتى 22 من الشهر الحالي اكثر من 404 شخصاً، ليرتفع العدد منذ مطلع آب إلى 2208 لاجئاً.

وبحسب الموقع ذاته فإن عدد اللاجئين في جزيرتي “خيوس وماتوس” بلغ نحو 118 شخصاً، وفي جزيرة ليسبوس 198 مهاجراً، موضحةً إلى أن الحكومة الالمانية باتت قلقة جداً من تراخي تركيا مع مهربي البشر الذي سينعكس سلباً جداً على أوروبا.

وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، قد هدّد أكثر من مرّة بفتح حدود بلاده مع الاتحاد الأوروبي أمام اللاجئين، وآخر التهديدات كانت في خطاب “الملتقى الاقتصادي” في العاصمة التركية أنقرة، حيث أكد أردوغان حينها صحّة تسريبات صحفية عن حديث دار بينه وبين رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر ورئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك بشأن مصير المهاجرين، وتهديده بإغراق الدول الأوروبية بالمهاجرين في حال لم يقدّم قادة الاتحاد الأوروبي عرضا أفضل لمساعدة تركيا في التعامل مع أزمة اللاجئين.

شهادات

خلال لقائنا بـ “ورد” عرّفنا على “يحي سمّان” ناشط سوري مقيم في اليونان، يعمل هو الآخر ضمن فريق الإنقاذ ذاته، وتتمثل مهمّة يحيى بمتابعة القوارب في البحر والاتصال بخفر السواحل التركي أو اليوناني في حال حدوث أي أمر طارئ.

يقول سمّان لـ “صدى الشام”: “إنه خلال عمله منذ عام 2015 في مجال الإنقاذ عبر الانترنت والشبكة اللاسلكية، شهد 3 حالات إغراق أو إعادة لاجئين من قبل خفر السواحل اليوناني، وعشرات الحالات من قبل الخفر التركي”.

وأضاف: “لا نعلم تماماً كيف يتم التعامل مع السفن أو كيفية إعادتها أو إغراقها، ولكن بالتأكيد حصلت حالات إغراق كما حصلت الكثير من حالات الإعادة للقوارب المطاطية، ولا سيما عندما تكون الأمور على ما يرام سياسياً بين تركيا والاتحاد الأوروبي”، وأشار إلى أن القوارب المطّاطية التي تستطيع اجتياز المياه الإقليمية التركية في فترات عدم التوتّر تلقى معاملة لائقة من الخفر اليوناني لأنهم يعلمون جيّداً بأن هؤلاء الواصلين ليسوا نتاج مشادّات تركية – أوروبية وإنما أسعفهم الحظ بالوصول.

بين التأكيد والنفي

“إذا توتّرت العلاقات بين تركيا وأورربا فإن البحرية التركية سوف تفتح المجال كاملاً أمام اللاجئين، بينما ستعاقبهم اليونانية، أما إذا كانت العلاقات مستقرّة، فإن البحرية التركية ستتشدد وستعيد اللاجئين بالقوّة وتسبّب الضرر للقوارب في بعض الأحيان، في حين أن اليونان ستعاملهم بشكلٍ لائق”، تلك الفرضية تلخّص واقع بحر إيجة ومعاناة الحالمين بالجنّة الأوروبية منذ بدء الاتفاق.

وفيما حاول خفر السواحل اليوناني قبل فترة أن يشيع “رواية” عن أسلوب تعامله مع السفن الواصلة،  فإنّ مقطع فيديو واحد كان كفيلاً بتكذيب هذه الرواية وكشف التعامل الفعلي لها مع اللاجئين ولا سيما عندما يتدفّقون بشكلٍ كبير.

وتناقل ناشطون مؤخراً مقطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي يُظهر قارباً سريعاً عليه علم اليونان، يقوم بعدّة عمليات دوران سريعة حول “بلم مطّاطي” فيه حوالي 20 لاجئاً، حيث تتدافع الأمواج إلى داخل البلم ليمتلئ بالمياه، فيما يظهر أحد الأشخاص وهو يصوّر السفينة السريعة، ويحاول طلب النجدة ويطلب مستغيثاً ألّا يستمرّوا بعملية الإغراق.

ويعود تاريخ الفيديو الذي نشرته صحيفة يونانية، إلى الحادي والعشرين من شهر تموز الماضي، ما يثير الشكوك حول تطبيق اليونان للقوانين الدولية فيما يخص التعامل مع طالبي الحماية الدولية.

ويأتي هذا الفيديو ليدحض رواية خفر السواحل اليوناني، حول قوارب اللاجئين القادمين إلى هذه الدولة الأوروبية الفقيرة. وسبق لخفر السواحل اليوناني أن أصدر بياناً حول السفية سالفة الذكر، قال فيه: “في صباح الحادي والعشرين من شهر تموز، عثر خفر السواحل اليوناني على قارب للمهاجرين يحتوي على حوالي 30 مهاجراً، يتحرّكون داخل المياه الإقليمية التركية”.

وأضاف البيان: “بعد أن لاحظ قارب اللاجئين وجود خفر السواحل قام بتغيير مساره والاتجاه نحو الشاطئ التركي لذلك لم تقع أي حادثة مع هذا الزورق المطّاطي”.

غير أن ما يُظهره الفيديو الذي انتشر للسفينة ذاتها، يُشير إلى أنّها كانت ضمن المياه الإقليمية اليونانية وليست التركية، حيث كانت على مسافة قريبة من البر اليوناني، وكانت سفينة خفر السواحل اليونانية تقوم بالالتفاف حولها على بعد لا يزيد عن 10 أمتار في أحسن الأحوال.

وما يؤكّد الأمر أكثر، هو أن منظّمة مراقبة البحر المتوسّط، المعنية بالرقابة على تلك المنطقة، نشرت بياناً قالت فيه: “إن قارب اللاجئين في 21 تموز لم يكن في المياه التركية بل كان في اليونانية”.

وأضافت المنظمة، أنّها استندت في قولها إلى الإحداثيات الجغرافية التي أرسلها اللاجئون لها، وأنّها قامت بتوجيههم إلى خفر السواحل اليوناني عبر الهاتف والبريد الالكتروني.

وبعد أيام من الحادثة، قدّم اللاجئون الذين كانوا على متن هذا القارب، مجموعة أدلّة قالوا فيها: “إن خفر السواحل اليوناني هو من اعترض السفينة، ووصفوه بأنّه “عدواني”.

وأضاف اللاجئون، أن قارب الخفر اليوناني قام بصنع دوائر عريضة حول قاربهم في محاولةٍ لإغراقه في المياه، وطلب منهم العودة.

انتهاكات

بعد مقابلات مع عناصر إنقاذ، رصدت “صدى الشام” أبرز الانتهاكات التي حدثت بحق قوارب اللاجئين في منطقة بحر إيجة بين تركيا واليونان.

ويشارك في هذه الانتهاكات ثلاثة أطراف هي “خفر السواحل اليوناني، خفر السواحل التركي، وسفينة حلف الناتو التي كانت مهمّتها الأساسية مراقبة منطقة إيجة، ومنع اللاجئين من التسلّل إلى اليونان”.

وتُعرف سفينة الناتو باسم “يو أس أن أس غرابل”، وقد دخلت إلى منطقة المتوسّط بعد قرار “القوات الأمريكية في أوروبا” إرسالها بهدف المراقبة والاستطلاع، والمساعدة في مواجهة قوارب المهاجرين.

وقال الجنرال كورتيس سكاباروتي قائد القوات الأمريكية في أوروبا في بيان له: “في محاولة لمد يد المساعدة في حل أزمة اللاجئين، ستنشر قواتنا البحرية سفينة البحرية الأمريكية غرابل، وذلك كدليل ملموس على دعم الولايات المتحدة لمهمة حلف الناتو في بحر إيجة”، وأضاف :”تساعد القوات البحرية التابعة لحلف الناتو في مواصلة أعمال المراقبة على طول السواحل وتنبه السلطات المحلية في حالة حدوث أي نشاط من أنشطة التهريب الإجرامية”.

وبحسب أكثر من عنصر في الإنقاذ، فإن السفينة التي أرسلها حلف الناتو، قامت بانتهاكات واسعة بحقّ سفن اللاجئين منذ دخولها إلى الخدمة في المنطقة، وأبرز هذه الانتهاكات التي لخّصها الناشط العراقي “ورد” هي: “الاندفاع نحو السفن لإغراقها بمن فيها من لاجئين ثم الانسحاب لإفساح المجال أمام خفر السواحل التركي أو اليوناني لإنقاذها” حيث يشير ورد إلى أن هذه الحالة تكرّرت كثيراً.

وأضاف أن من الانتهاكات التي ارتكبتها السفينة هي قذف “البلم” المطّاطي  بأدوات حادّة من أجل ثقبه وترك اللاجئين الذين يرتادونه أمام مصيرٍ مجهول، فضلاً عن إجراء عملية التفافية واحدة حول السفينة لقذف المياه داخلها وإغراقها حتّى يُضطر المدنيون داخلها إلى الإلقاء بأنفسهم خارجها قبل أن تغرق.

ويعدّ ما يحدث في بحر إيجه امتداداً لممارسات مشابهة وسلوك راح يسود تدريجياً حيال اللاجئين سواء بقرار رسمي أو بدونه، وذلك في انعكاس مباشر لتغير النظرة الدولية نحو هذه القضية وتخلي الكثير من الدول عن التزاماتها.

وتعتبر سفينة ” سي ستار c-star التابعة لليمين المتطرف مثالاً صارخاً على هذا النهج العدواني حتى وإن لم يكن بغطاء رسمي. فهذه السفينة أخذت على عاتقها مهمة إغراق زوارق المهاجرين في الآونة الأخيرة، وقامت بدوريات في البحر المتوسط لهذا الغرض. وقد رفضت كل من “مالطا وتونس وإيطاليا واليونان” دخول السفينة إلى مياهها.

وتعتبر السفينة نتاج لجهود جماعة فرنسية تحمل اسم “جيل الهوية” كانت قد دشنت في أيار الماشي موقعاً إلكترونيا تحت اسم defend Europe (الدفاع عن أوروبا) لاستهداف قوارب اللاجئين.

وجاء في بيان الجماعة: “إن القوارب المحملة بالمهاجرين غير الشرعيين تغمر الحدود الأوروبية، مما يعرِض بلادنا للغزو. إن هذه الهجرة الهائلة تغير ملامح قارتنا. نفقد سلامتنا، وأسلوب معيشتنا تدريجياً، وهناك خطر محدق بنا ويجعلنا عرضة لأن نصبح، نحن الأوروبيين، أقلية في أوطاننا الأوروبية”. ودعا البيان إلى جمع التبرعات لتجهيز قوارب والإبحار الى البحر المتوسط لـ “مطاردة أعداء أوروبا”. وفق تعبيره.

[sociallocker]

المصدر

[/sociallocker]