on
مركز كارنيغي: من الذي سيحتفل بالانتصار على “تنظيم الدولة الإسلامية” في سورية؟
سمير رمان
المحتوى:
مقدمة………………………………………….1
صفقة غير عادية………………………………..2
من السيد على الأرض……………………………3
الخلاصة……………………………………….4
مقدمة
يمكن أن تكون نهاية الحرب ضد “تنظيم الدولة الإسلامية” بدايةً لنزاعٍ جديد؛ لإخراج إيران وحلفائها من سورية والعراق، وقد أشار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بدقةٍ إلى بوصلة ما يجري في المنطقة: “الدولة الإسلامية تذهب؛ إيران تدخل”. ولكن إذا أُخرجت إيران، فهل ستعود “الدولة الإسلامية” مجددًا؟
يحتفل “حزب الله” الشيعي اللبناني بالانتصار على مجموعات “الدولة الإسلامية” و”جبهة النصرة”. فقد تم تحرير المنطقة الحدودية، بين لبنان وسورية، من الإرهابيين تحريرًا تامًا؛ وبذلك أصبحت هذه الحدود هي الأولى التي استطاعت القوات الحكومية السورية، بمساندة حلفائها، فرض سيطرتها الكاملة عليها وإعادتها إلى السلطات السورية. وبحسب توقعات مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة الخاص إلى سورية ستيفان دي ميستورا، فإن التخلص من “تنظيم الدولة الإسلامية” في سورية سيكون ممكنًا، في شهر تشرين الأول، بعد تحرير الرقة ودير الزور. ولكن، كلما اقتربت نهاية الإرهابيين؛ ارتفعت حدة الجدل بين أطراف الصراع، حول تحديد المنتصر الحقيقي، وحول من سيتحكم بمصير سورية مستقبلًا.
نهاية الحرب على “تنظيم الدولة الإسلامية”، قد يكون بدايةَ نزاعٍ جديد؛ لإخراج إيران وحلفائها “حزب الله” اللبناني وغيره من المجموعات الشيعية، من سورية والعراق.
استعراض “من هو صاحب الأرض” بدأ.
في الوقت الذي يحتفل فيه “حزب الله” بالنصر، فإن الولايات المتحدة الأميركية تتهم هذه الحركة، ومعها السلطات السورية وروسيا بالتواطؤ مع “تنظيم الدولة الإسلامية”، وتسوق واشنطن، كذريعةٍ لهذه الاتهامات، الصفقةَ الأخيرة التي عُقدت بين “حزب الله” و”تنظيم الدولة الإسلامية”، وهي الصفقة الرسمية الأولى منذ عام 2014، خلال تاريخ الصراع كله، ضد “تنظيم الدولة الإسلامية”، على الأراضي العراقية والسورية.
صفقة غير عادية
مقاتلو “الدولة الإسلامية” هم من تقدم بمبادرة المفاوضات، وقد حدث ذلك، بعد مرور أسبوعٍ، على بدء الجيش اللبناني هجومه على مواقع تنظيم الدولة، في المناطق الجبلية الحدودية اللبنانية مع سورية.
في الوقت نفسه، ومن الجهة الأخرى للحدود، كان الجيش السوري و”حزب الله” يهاجمان التنظيم، وقد تأكد أن الطرفين قد نسقا عملياتهما مع بعضهما البعض. وبالنتيجة، وجد مقاتلو تنظيم الدولة أنفسهم داخل طوقٍ محكم؛ فاضطروا إلى الدخول في المفاوضات. وعدَ تنظيم الدولة بالكشف عن مصير الجنود اللبنانيين ومقاتلي “حزب الله” الذين وقعوا في الأسر، منذ عام 2014. وقد عُرف لاحقًا أن جزءًا من الصفقة كان تسليم جثة أحد مقاتلي حرس الثورة الإسلامية. بالمقابل، طالب مقاتلو تنظيم الدولة بتأمين نقلهم إلى مدينة البوكمال، في محافظة دير الزور، على الحدود مع العراق.
سارت المفاوضات طوال الوقت، عن طريق “حزب الله”، وقد حاول حسن نصر الله، بكل السُبل، التأكيد على أن النظام السوري وإيران لم يتواصلا قط مع “تنظيم الدولة الإسلامية”. هذه الصفقة تمت من قبل “حزب الله” وبصمتٍ إيراني. ولكن من المفهوم أن الصفقة ما كانت لتتم، لو رفضت دمشق وبيروت تنفيذ شروط “الدولة الإسلامية”. سافر حسن نصر الله شخصيًا إلى دمشق، لبحث تفاصيل نقل المقاتلين مع الرئيس الأسد، كما أن الأمر جرى، بموافقة القادة العسكريين اللبنانيين.
على الرغم من كل التبريرات التي ساقها زعيم “حزب الله”، فقد كانت المفاوضات مع “الدولة الإسلامية” حدثًا غير مسبوقٍ، على هذا المستوى الرفيع. ففي السابق، كان مقاتلو تنظيم الدولة يحصلون على ممر آمن للخروج، من هذا المكان المأهول أو ذاك، ولكن مثل هذه الاتفاقات المحلية، كانت تتم عادةً بين قادةٍ من تنظيم الدولة ومجموعات المعارضة المسلحة. أما هنا فالحديث يدور عن انتقال الإرهابيين عبر سورية كلها.
انقسم الرأي العام في لبنان والمنطقة، بين غاضب ومؤيد. وكانت بغداد الأكثر سخطًا؛ فقد وصف حيدر العبادي الصفقة بأنها “غير مقبولة”، وأنها “إهانة” للعراقيين. وقد أيده سياسيون آخرون، اعتبروا نقل الإرهابيين تهديدًا لأمن العراق. “دم أطفالنا ليس أرخص ثمنًا من دماء اللبنانيين”، عبارةٌ رددها الكثيرون على شبكات التواصل الاجتماعي. من جانبِ آخر، حظيت خطوة “حزب الله” بدعم أحد أقرب السياسيين من إيران: نائب الرئيس، نوري المالكي، بالإضافة إلى قادة “الحشد الشعبي” الشيعي.
من المهم جدًا، بالنسبة إلى إيران وبالتالي إلى “حزب الله”، أن تبقى بغداد تحت نفوذها. ولهذا، تصدى نصر الله شخصيًا للرد على المنتقدين، ودعا كل من يشكك باستعداد حركته في مواصلة القتال حتى النهاية إلى أن يخجلوا من أنفسهم.
من هو السيد على الأرض؟
كتب ممثل الرئيس الأميركي بريت ماكغورك على (تويتر): “مقاتلو تنظيم الدولة الإسلامية، يجب أن يُقتلوا في ساحات المعارك، وليس أن يتجولوا بالحافلات عبر كل سورية، باتجاه الحدود العراقية، دون موافقة العراق. تحالفنا سيساعد بتعقب قافلة الإرهابيين، بحيث لن يتمكنوا من الدخول إلى العراق، أو الهروب مما تبقى من (خلافتهم) المحتضرة”.
ولمنع تنقل الإرهابيين، قام التحالف بقصف الطريق الذي تسلكه القافلة. وبحسب ما جاء في تصريحات التحالف، فقد نفذت الضربات على “سيارات محددة وعلى مقاتلين تابعين للتنظيم، تم رصدهم بدقة”.
من جانبه، سارع “حزب الله” إلى إلقاء كامل مسؤولية تطور الأحداث على الولايات المتحدة الأميركية. ولكن كيفما تقاذفت الأطراف المسؤولية؛ فإن المهمة الملقاة على عاتق “حزب الله” والسلطات السورية لن تكون سهلة؛ فما العمل الآن مع بقية القافلة؟ فليس من مصلحتهما رعاية الإرهابيين لمدة طويلة، فهم غير مرغوب فيهم في مناطقهم. واللعب مع التحالف وإخفاء المقاتلين عملٌ مشبوهٌ أيضًا.
كذلك وجد العسكريون الروس أنفسهم في حالة صعبة أيضًا. قال بيان التحالف بقيادة الولايات المتحدة الأميركية: “تبين أن كلام روسيا والقوى التي تدعم النظام عن قتال تنظيم الدولة الإسلامية هو مجرد كلامٍ فارغ، فهم يعقدون الصفقات مع الإرهابيين، وينقلونهم عبر الأراضي التي يسيطرون عليها”. لم يعلق المسؤولون الروس بعد، على اتفاق “حزب الله” مع تنظيم “الدولة الإسلامية”، ولا على بيان التحالف. بالمناسبة، يبقى منطق موسكو هو نفسه، إذا كانت السلطات السورية موافقة على ما يجري، فليكن. بيد أنه، وبلا شك، سيكون مهمًا بالنسبة إلى العسكريين الروس تتبعُ وجهة الإرهابيين النهائية.
اعتاد جميع المنخرطين في الصراع السوري الدفاع عن مصالحهم فقط، مع استغلال كل فرصةٍ للتقليل من شأن الخدمات التي يقدِمها الآخرون. قبل شهرين فقط، وجه العسكريون الروس لزملائهم الأميركيين عبارات حارة؛ لأنهم سمحوا لمقاتلي “تنظيم الدولة الإسلامية” بمغادرة الرقة المحاصرة من قبل قوات التحالف، وقاموا بقصف قوافل المقاتلين الخارجين من المدينة. جميع هذه الوخزات لا تعوق التعاون المتبادل، عند الضرورة. وحتى في حالة قافلة “تنظيم الدولة الإسلامية” الأخيرة، أعلنت الولايات المتحدة الأميركية أن جنودها سيعرفون بالتأكيد تحركاتها، بما في ذلك من روسيا.
الأمر إذًا ليس مرتبطًا بتنظيم الدولة، بل بالتحديد بـ “حزب الله” وإيران اللتين تعتبرهما الولايات المتحدة وحلفاؤها الخطر الرئيس في المنطقة. ففي الأعوام الأخيرة، تجاوز نفوذ “حزب الله” الحدود اللبنانية بكثير. وإذا كان في الماضي ممكنًا القول إن دمشق ترعى الحزب وتدعم هذه الحركة في الساحة السياسية اللبنانية الداخلية؛ فإن “حزب الله” تحوّل اليوم إلى منقذٍ للنظام السوري. وبحسب وسائل الإعلام، شارك “حزب الله” في تدريب مقاتلي الميليشيات الشيعية في العراق، وقدّم الدعم للحوثيين في اليمن. ومع ذلك، منذ عام 2013، كانت سورية وما زالت جبهة الحزب الرئيسية. وبقتاله، تنظيم “الدولة الإسلامية” و”جبهة النصرة”، وبإنقاذه نظام الأسد؛ تمكن “حزب الله” من فتح ممر لنقل الأسلحة من إيران إلى لبنان. وعلى التوازي، تقام قواعد عسكرية إيرانية في سورية.
الخلاصة
بدون أدنى شك، أصبح التواجد الإيراني وحلفائه في سورية يشكل مصدر قلقٍ، بالدرجة الأولى لـ “إسرائيل” التي تبقى العدو الأيديولوجي الرئيس لـ “حزب الله” وطهران. ولم يكن من قبيل الصدفة، أن تقوم “إسرائيل” بأضخم مناورات عسكريةٍ تجريها منذ 20 عامًا، في المناطق الشمالية من البلاد. غير أن إخراج إيران من سورية مستحيلٌ عمليًا. فللقيام بذلك يجب إيجاد قوةٍ، تستطيع وضع البلاد كلها تحت سيطرتها. وفي هذا الخصوص، أشار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بدقةٍ إلى بوصلة ما يجري في المنطقة: “الدولة الإسلامية تذهب؛ إيران تدخل”.
إذا طردت إيران، أليس من الممكن أن تعود “الدولة الإسلامية” للظهور من جديد؟ والأمر لا يتعلق بكون طهران القوة الوحيدة التي تستطيع مواجهة التنظيم. فالواقع ليس هكذا، حيث يشارك، في الحرب ضد الإرهابيين، الأكرادُ، التحالف الغربي، والمعارضة السورية المسلحة، وبالطبع روسيا أيضًا. ومن دون أحد هذه الأطراف، لم يكن النصر ممكنًا. غير أن هذه القوى مشرذمة إلى أقصى درجة؛ فإيران أقامت حزامًا شيعيًا موحدًا لقتال “تنظيم الدولة الإسلامية”، يمتد من العراق إلى لبنان. وبالفعل، لعبت إيران والتنظيم لعبةً متعادلة. وبالضغط على طهران، يمكن أن تنفجر المنطقة برمتها.
ولو كان لدى الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها القوة التي تستطيع بها توحيد سورية ومواجهة إيران؛ لكانت أقدمت منذ فترةٍ بعيدة على استبدال الأسد، ولكنها لا تمتلك الخيار البديل بعد. ولهذا، يحاول كل طرفٍ الآن تثبيت جذوره أعمق فأعمق في سورية، ليبدأ التفاوض من موقف القوة، بعد سقوط تنظيم الدولة بشكلٍ نهائي.
في هذا الوضع، تلعب موسكو دور الوسيط الوحيد الذي يتواصل عمليًا مع كافة أطراف النزاع (باستثناء تنظيم الدولة وجبهة النصرة). ولكن من العبث انتظار أن تقوم روسيا بالضغط على “حزب الله” وطهران، مع أنهما قوتان تنافسان روسيا، بشكلٍ مباشر، على النفوذ في سورية.
لدى إيران أذرع أكثر من روسيا، للضغط على الأسد. وبشكلٍ أدق، يفهم الأسد أن موسكو كانت مستعدة لتغيير السلطة في سورية، لو توفرت ظروف معينة، على عكس طهران التي ستقف إلى جانبه حتى النهاية. فروسيا لن تدخل في خلاف علني، لا مع الأسد، ولا مع الإيرانيين، حتى ولو كانت تصرفاتهما تتعارض مع مصالحها. وإلا فإنها ستفقد تلك الأفضلية، التي تتمتع بها، مقارنةً بالولايات المتحدة الأميركية.
ويبقى السؤال: هل ستكون الوساطة مجديةً، إذا أدركت إيران أنها ستكون مضطرةً إلى التخلي عن نفوذها في المنطقة، بعد الانتصار على “تنظيم الدولة الإسلامية”؟ خدمات “حزب الله” والإيرانيين في الانتصار على “تنظيم الدولة الإسلامية”، لن تكون موضع اعترافٍ، من قِبل الولايات المتحدة الأميركية أبدًا؛ ذلك أن كليهما مدرجٌ على لائحة الإرهاب في وزارة الخارجية الأميركية.
والمثل القائل:” لا يُلام المنتصر”، ينطبق على سورية أيضًا.
اسم المقالة الأصلية Кто будет праздновать победу над ИГ в Сирии كاتب المقالة ماريانا بيلينكايا مكان وتاريخ النشر مركز كارنيغي في موسكو. 04 آيلول 2017 رابط المقالة http://carnegie.ru/commentary/72987ترجمة
سمير رمان
المصدر