المجالس المحلية شمال حلب…تحديات بحجم ما دمّره “داعش”


نسرين أنابلي

تبدو تجربة المجالس المحلية، في منطقة (درع الفرات) تحديدًا، مليئةً بالتحديات على مختلف الأصعدة، حيث بدا المشهد في هذه المناطق قاتمًا، بعد معارك طرد تنظيم (داعش) التي خلفت دمارًا واسعًا، في قطاع الخدمات والبنى التحتية. في ظل هذا الواقع تجد المجالس المحلية نفسها أمام تحدٍ لإعادة الاستقرار للمنطقة، واختبار لقدرتها على تشكيل هياكل قادرة على ملء الفراغ الخدمي، ولعب أدوار فاعلة في الحياة المدنية، وترسيخ مفهوم العمل المؤسساتي.

على الرغم من أهمية المجالس المحلية، في تعميق المفهوم الديمقراطي للحياة المدنية، إلا أن جميعها -حتى الآن- لم تشهد عملية (انتخاب) لأعضائها، لأسباب تتعلق بعدم الاستقرار الأمني؛ حيث يتم تعيين رئيس المجلس وأعضائه بـ “التوافق”، بحسب ما صرّح به عبد خليل رئيس المجلس المحلي في جرابلس، لـ (جيرون)، وقد قال: إن “آلية اختيار الأعضاء في المجالس تتم بالتوافق بين الفعاليات الثورية والفصائل العسكرية ووجهاء المنطقة. وهناك شروط عامة للاختيار، تتعلق بالكفاءة العلمية والالتزام بمبادئ ومفاهيم الثورة”.

في الشأن ذاته، قال ماهر حافظ، نائب رئيس المجلس المحلي لبلدة مارع بالريف الشمالي لحلب، لـ (جيرون): إن “اختيار الأعضاء أو التوافق عليهم يقوم على أساس أن لا يكون للعضو أي ارتباط مع النظام أو عصابة معادية للثورة، وأن يكون مؤهلًا علميًا، ويتمتع بالأخلاق والسمعة الحسنة”. وأوضح: “يتم اختيار 17 عضوًا، ينتخبون في ما بينهم رئيسًا للمجلس ونائبًا له، ويتم توزيع بقية الأعضاء على المكاتب، كلٌّ حسب اختصاصه وخطة عمله وشهادته”.

تعدّ مدينة الباب شرقي حلب من أكثر المناطق تضررًا، من جراء المعارك مع تنظيم (داعش)؛ الأمر الذي ألقى على عاتق المجلس المحلي فيها مسؤولية كبيرة، تتعلق بإعادة تأهيل القطاعات الخدمية والعمرانية.

المهندس جمال عثمان رئيس المجلس المحلي لمدينة الباب قال، في حديث مع (جيرون): “حقق المجلس، منذ تحرير المدينة من تنظيم (داعش) قبل عام وحتى الآن، الكثير من الإنجازات، في مجال التعليم والصحة والمجالات الخدمية”. وأضاف: “بالنسبة للوضع التعليمي، استطعنا تأهيل 10 مدارس بشكل جيد، بدعم من الحكومة التركية. وتم تأسيس مديرية للتربية والتعليم أشرفت على تدريب نحو 600 معلم ومعلمة، بالتعاون مع وزارة التربية التركية”.

وتابع: “بالنسبة للقطاع الصحي، استطاع المجلس المحلي للباب تأهيل مشفى الحكمة وتزويده بالمعدات الطبية والكوادر البشرية، ويقدم المشفى حاليًا خدماته للأهالي مجانًا، وتعمل الحكومة التركية على بناء مشفى يتسع لمئتي سرير، يُفترض أن يتمّ بناؤه في شباط القادم. إضافة إلى تجهيز مشفى للتوليد وآخر لغسيل الكلى، من قبل الهلال الأحمر التركي. وعلى الصعيد الخدمي، نفذ المجلس المحلي للباب عمليات إزالة سواتر ترابية، وفتح جميع الشوارع وتنظيفها من مخلفات المعارك، وإزالة أنقاض الأبنية المدمرة كليًا أو الآيلة للسقوط، بإشراف مختصين أتراك”.

وأضاف أن “المجلس نجح في توفير مياه الشرب للمواطنين، عن طريق حفر عدة آبار، وتجهيز حوضين للمياه ضمن المدينة سعة الواحد 2000 برميل، يقوم المجلس بتعبئتها بالمياه النظيفة، ومن ثم بتوزيعها على الأهالي بواسطة الصهاريج. كما استطاع المجلس تشغيل فرن آلي، بقدرة إنتاجية تصل إلى 18 طنًا من الخبز، بدعم من الحكومة التركية التي تقدم مادة الطحين، مجانًا”.

بشأن خطط المجلس المستقبلية، قال عثمان إنهم يدرسون حاليًا “تجهيز منطقة صناعية لحرف مختلفة”.

طموح المدينة الصناعية

الوضع بالنسبة إلى المجلس المحلي في جرابلس لا يختلف كثيرًا عن مدينة الباب؛ فعلى صعيد التعليم “تم افتتاح جميع مدارس الريف والمدينة، وتجهيزها بالمقاعد وباقي المستلزمات”، وذلك بحسب خليل رئيس المجلس المحلي في جرابلس. وأضاف: “في الجانب الخدمي زاد عدد معدات وسيارات النظافة، وتضاعف عدد عمال النظافة، إضافة إلى تصليح وتزفيت جميع الشوارع المتضررة، واستطاع المجلس تأمين الكهرباء للمدينة وبعض أجزاء الريف بشكل جزئي، إضافة إلى توفير مياه الشرب في المدينة بشكل دائم. أما صحيًا فاستطاع المجلس إعادة تأهيل المشفى المركزي في المدينة، بالإضافة إلى ثمانية مستوصفات في الريف”.

عبّر خليل عن طموحه “لبناء مدينة صناعية، وصيانة شبكة الصرف الصحي في المستقبل. والنقطة الأهم تشجيع المستثمرين على المجيء، وإقامة مشاريع تدعم عجلة الاقتصاد في المدينة وتوفر فرص عمل للشباب”. وختم خليل بقوله: “إن أكثر ما يعاني منه المجلس هو صعوبة توفير مأوى للنازحين، إضافة إلى عدم التزام الأهالي، بتسديد فواتير المياه والكهرباء”.

أما المجلس المحلي لبلدة مارع فقد أنجز مؤخرًا مشروعَ تعبيد الطريق الواصل إلى بلدة كلجبرين شمال غرب مدينة مارع، بدعم وتعاون من بعض وجهاء البلدة ومؤسسة إكثار البذار. كما استطاع المجلس إنجاز مشروع التزويد بخدمة الإنترنت وبأسعار مناسبة. وفي الجانب الخدمي يُشرف المجلس على بناء مشفى بدعم من الحكومة التركية.

بالنسبة إلى الخطط والمشاريع المستقبلية الموضوعة على أجندة المجلس المحلي في مارع، يأتي في طليعتها مشروع إنشاء مستودعات حافظة للخضار والفواكه مزود بقبّان إلكتروني أرضي، إضافة إلى تجهيز فرن جديد، يسد الاحتياجات المتزايدة من مادة الخبز. ويسعى المجلس لإصدار مجلة لتغطية نشاطاته وطرح المشاريع بطريقة شفافة وتشاركية.

قال ماهر حافظ نائب رئيس المجلس المحلي لمارع: “إن المجلس هو الجهة الوحيدة المخوّلة بإصدار القرارات، بالتعاون مع مؤسسات المجتمع المحلي (الشرطة الحرة، المحكمة المركزية، السجل المدني)”.

بخصوص الموارد المالية للمجالس المحلية في (درع الفرات) فإنها تعتمد غالبًا على الموارد الذاتية، إضافة إلى الدعم الذي تقدمه الحكومة التركية، في عدد من القطاعات التعليمية والصحية. كذلك الدعم المقدم من بعض منظمات المجتمع المدني لتنفيذ مشاريع، بالتعاون مع مكاتب المجالس المحلية.

بالنسبة إلى علاقة المجالس بالفصائل العسكرية، فهي تختلف من منطقة إلى أخرى. ففي مارع يرى ماهر حافظ أن “من الصعب الربط والتوافق بين العمل العسكري والعمل المدني، ولكن في الوقت ذاته يجب أن يصب كلاهما في صالح وخدمة المواطن”. لافتًا إلى أن “قادة الفصائل لا يتدخلون في الشؤون المدنية، وتتركز سلطتهم في محاسبة عناصرهم، في حال ارتكابهم لأخطاء، وتحويلهم للمحكمة أو الشرطة”.

أما المهندس عثمان فيؤكد أن “موقف المجلس من الفصائل محايد، ونتعامل معهم كإخوة لنا، حرروا أرضنا من (داعش)، لكن تواجدهم داخل المدينة يسبب بعض المشكلات، وهذا ما استدعى منذ فترة إطلاق حملة لمكافحة الفساد في المدينة، وتشكيل محكمة عسكرية لوضع حد لتجاوزات بعضهم “.

لا توجد آلية موحدة بين مختلف المجالس لتلقي شكاوى المواطنين، ففي ببعض المناطق أوجدت المجالس مكاتب للشكاوى، في حين أنشأ بعضها الآخر ديوانًا عامًا لالتقاء رئيس المجلس المحلي وأعضاء المكتب التنفيذي بجميع الأهالي، أو عن طريق التواصل الإلكتروني، عبر مواقع التواصل الاجتماعي.




المصدر