تناغم روسي أوروبي في الملف السوري
11 سبتمبر، 2017
صبحي فرنجية
حمل اللقاء الروسي-الفرنسي (الذي تم قبل يومين) رسائلَ عديدة، بخصوص الملف السوري، إلى المجتمع الدولي والمعارضة السورية على حد سواء، ولا سيما أن اللقاء تبعه اجتماع بين الطرفين في جنيف، لبحث الملف السوري ومآلات العملية التفاوضية.
وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف، خلال مؤتمر صحفي جمعه مع نظيره الفرنسي جان إيف لودريان، في موسكو الجمعة، قال: إن “عملية جنيف للتفاوض بين السوريين بلغت الكتلة الحرجة الضرورية، لإطلاق حوار مباشر وموضوعي”، مشيرًا إلى ضرورة “تحريك كافة الآليات التي تم إنشاؤها سابقًا، لكي تعمل بفاعلية”.
لافروف اعتبر أن مرحلة “الكتلة الحرجة”، بالإضافة إلى “الاتفاقات الخاصة بإقامة مناطق تخفيف التوتر”، ستسمح “بإطلاق حوار مباشر وموضوعي، يكون عبارة عن عملية تفاوض بين الحكومة والمعارضة”، دافعًا برسالة مفادها أن “إقامة مناطق تخفيف التوتر توسع الإمكانات لتحسين الوضع الإنساني بسورية، إذ أصبح من الممكن إيصال المساعدات إلى المناطق الثلاث الأولى، دون أي عائق”.
عضو الهيئة السياسية في الائتلاف وأمين سرّها يحيى مكتبي عقّب على حديث لافروف، بالقول: إن “المفاوضات المباشرة هي مطلب وفدنا، في أثناء الجولات السابقة كلها، وكان وفد النظام يتهرب ويعوق المفاوضات؛ لأنه يعلم أن الدخول في مفاوضات مباشرة وجدية يعني بداية العد التنازلي لنهاية حكم الأسد”، وقال في تصريحات لـ (جيرون): إن “ما يدعو إلى التوجس من هذه الدعوة أنها أتت من الجانب الروسي الذي يريد إعادة تأهيل نظام الأسد وبقاء مجرم الحرب بشار الأسد، بعيدًا عن كل المرجعية الدولية المتمثلة ببيان جنيف 1 والقرارين 2118 و2254، وهذا ما لا يمكن قبوله من قبلنا، ولا يمكن أن يجلب الاستقرار والأمن لسورية ولعموم المنطقة”.
أكد مكتبي أن “روسيا تبتز المجتمع الدولي، نتيجة التراجع والموافقة الضمنية من قبل الأميركيين على إطلاق يد الروس؛ لتكون المتحكمة بالمشهد في سورية”، وتابع: “روسيا ساهمت في قتل المدنيين، وأشرفت على تهجيرهم ضمن عقود إذعان، وتريد المضي قدمًا في هذه العقود بعيدًا عن حل سياسي شامل، وجعل مناطق خفض التوتر بديلًا عن وقف إطلاق النار”.
وشدد على أن “هذا الأمر خطير، والمكاسب التي تجنيها روسيا هي عودتها كلاعب أساسي في المشهد الإقليمي والدولي عبر البوابة السورية، وكذلك إيجاد نافذة على البحر المتوسط، من خلال قاعدة حميميم والقاعدة البحرية في طرطوس، وأخيرًا استثمارات إعادة إعمار سورية. نحن نعتقد أن روسيا اختارت الطريق الخاطئ، لتحقيق مكاسبها بالانحياز إلى النظام، وليس إلى الشعب السوري، والبقاء للشعوب وليس للأنظمة الاستبدادية”.
لم تتوقف الرسائل، خلال المؤتمر الصحفي، عند الجانب الروسي، حيث شارك الوزير الفرنسي لودريان نظيره الروسي في وجهة النظر في ضرورة المضي قدمًا، وقال: إن المطالبة برحيل الأسد لا يجوز أن تكون شرطًا لإطلاق العملية السياسية. وطالب بضرورة أن “يحدد مجلس الأمن الدولي جدولًا زمنيًا لإجراء مشاورات مع السوريين، حول العملية الانتقالية التي ستساهم في الحفاظ على وحدة أراضي سورية”.
واعتبر مكتبي أن “اضطراب الموقف الأوروبي وتذبذبه، في الآونة الأخيرة، بشأن الأسد هو نتيجة لسرطان (داعش) و(القاعدة)، فنظام الأسد رفع في وجه السوريين شعار (الأسد أو نحرق البلد) وقد فعلها النظام بأبشع أساليب الإجرام، ورفع شعارًا آخر في وجه المجتمع الدولي (الأسد أو داعش)، ومع الأسف، المجتمع الدولي اقتنع به، وكأن ليس هنالك طرف ثالث هو غالبية الشعب السوري الذي يريد الحرية والديمقراطية والعدالة والتعددية”.
أكد مكتبي أيضًا أن “العديد من التقارير أثبتت وقائع تعاون بين نظام الأسد و(داعش)، هذا الموقف من فرنسا صادم لنا، ولم نكن نتوقعه؛ لأن فرنسا طوال سنوات الثورة، كانت مواقفها داعمة ومناصرة لتطلعات الشعب السوري”.
مصدر معارض مطلع قال: إن اللقاء الروسي الفرنسي كان لتثبيت النقاط التي يتوافق عليها البلدان، بخصوص الملف السوري، وللتفاهم حول النقاط الإشكالية بينهما، وأضاف خلال حديث لـ (جيرون): “يمكن قراءة اللقاء، على نحو خاص، من زاوية أن فرنسا ممثلة للاتحاد الأوروبي، وروسيا ممثلة للمحور الداعم لنظام الأسد، إنه لقاء ممثلين لكتل سياسية، وليس مجرد لقاء بين بلدين اثنين”.
المصدر نبّه إلى أنه “في اليوم التالي للقاء الذي جمع لافروف ولودريان، حصل لقاء فرنسي روسي في العاصمة السويسرية، لبحث أسس الحل في سورية؛ لذلك علينا أن ننظر إلى هذا التطور على أنه مؤشر لتوافقات أوروبية روسية، خصوصًا على خلفية الأخبار التي تداولتها الصحف الكبرى، حول تحول جديد في السياسة الأوروبية، تجاه الوضع السوري”.
في السياق ذاته، ذكرت صحيفة (الشرق الأوسط) أن اللقاء الروسي الفرنسي الذي تم أمس في جنيف، ضم “عن الجانب الروسي ألكيسي بورودافكين، مندوب روسيا الدائم لدى مقر الأمم المتحدة في جنيف، ومعه ممثلون عن وزارة الدفاع الروسية، ومن الجانب الفرنسي شارك أورلين ليشيفاليه، نائب المستشار الدبلوماسي للرئيس الفرنسي، وممثلون عن وزارة الدفاع الفرنسية”.
أشار بورودافكين، في تصريحات له بعد اللقاء، إلى أن “الجانبين ثمّنا عاليًا النجاح العسكري الأخير في التصدي لتنظيم (داعش) الإرهابي في سورية”، مضيفًا -وفق الصحيفة- أن “المشاركين في المشاورات عبّروا عن ارتياحهم للهدوء في مناطق خفض التصعيد… هذا الأمر يقرب التسوية السياسية للأزمة السورية، ووضْع حد للنزاع هناك”.
المسؤول الفرنسي رأى أن “إعلان إقامة مناطق خفض التصعيد سيسهم في تنفيذ المبادرات الفرنسية والروسية الخاصة بتسوية الأزمة السورية، بمشاركة الدول التي تؤثر في الوضع في البلاد”.
المصدر المعارض ختم حديثه بالقول: “طالما أن الجانب الأميركي مستنكف عن العمل في الملف السوري بكل ثقله، وطالما أن المعارضة ما زالت تتيح للمجتمع الدولي مجالات انتقاد، من خلال تشرذمها وضياعها؛ فإننا لن نرى تطورًا يلبّي حاجات الشعب السوري وتطلعاته”.
[sociallocker] [/sociallocker]