القِسمة شرقاً على “ثلاثة”..أو أقلّ




قبل أن تضع معركة الرقة أوزارها، أطلقت “قوات سوريا الديمقراطية”  (قسد)، التي تتزعمها ميليشيا الوحدات الكردية، عملية عسكرية باسم “عاصفة الجزيرة” بمساندة التحالف الدولي، بهدف الاستيلاء على الريف الشرقي من محافظة دير الزور، بالتزامن مع زحف قوات النظام من الجنوب الغربي للمحافظة، وتمكنها من فك الحصار عن قواتها في المدينة ومطارها العسكري، بينما تغيب فصائل “الجيش الحر” عن هذه المعركة تقريباً، ضمن تفاهمات أميركية-روسية لتوزيع الحصص ومناطق النفوذ في المناطق الشرقية من البلاد.

وبدأت ميليشيات “قسد” عمليتها من الجهة الشمالية لدير الزور، عبر بلدة “السبعة وأربعين” جنوب محافظة الحسكة في منطقة الشدادي، وذلك بعد أيام من اجتماع عقد في الشدادي جمع ضباطاً من الجيش الأمريكي وقيادات من ميليشيات “الوحدات الكردية” و”مجلس دير الزور العسكري” المنصوية في “قوات سوريا الديمقراطية”، تمّ فيه وضع الخطة لبدء السيطرة على مدينة ديرالزور، حيث تم خلال الاجتماع تقسيم العمل إلى قطاعين: الأول من غرب الأوتوستراد إلى ناحية الكسرة بريف دير الزور الغربي، والثاني من شرق الأوتوستراد باتجاه بلدة الصور بالريف الشرقي.

 

تطورات مرتقبة

ويسيطر تنظيم “داعش” على معظم محافظة دير الزور باستثناء أجزاء من أحياء المدينة ما زالت خاضعة لسيطرة قوات النظام، في حين تمكنت الأخيرة بدعم من ميليشيات إيران والطائرات الروسية من فك حصار “داعش” لمدينة دير الزور المفروض منذ نحو ثلاث سنوات لتدخل في سباق مع قوات “قسد” بهدف احتلال هذه المحافظة الغنية بالنفط والغاز.

وتشير التسريبات إلى أن “قسد” ستكتفي بالسيطرة على الجزء الشمالي من مدينة دير الزور وحسب، وذلك ضمن اتفاق روسي- أمريكي يترك المجال لقوات النظام من أجل السيطرة على بقية المحافظة.

وكانت فصائل من “الجيش الحر” منتشرة في البادية السورية تسعى للمشاركة في “معركة دير الزور” إلا أن  “قسد” اشترطت عليها أن تعمل  تحت قيادتها، الأمر الذي رفضته تلك الفصائل، مطالبة بأن توفر لها نقطة انطلاق من منطقة الشدادي وأن تعمل بشكل مستقل عن قوات “قسد”.

وكانت فصائل المعارضة سيطرت على القسم الأكبر من أحياء المدينة، مطلع العام 2014، وبقيت تحت سيطرتها حتى تموز 2014، حين دخلها تنظيم “داعش”. وتضم المدينة حاليًا أقل من 20 ألف نسمة وفق تقديرات ناشطين، حيث عانت خلال السنوات الماضية من الحصار والمجازر ما أدى الى مقتل مئات المدنيين، بينما تعرض نحو نصف أحياء المدينة للتدمير.

الطرف الآخر

وما بين هذين الطرفين المتنافسين على احتلال المدينة، أي قوات النظام و”قوات سوريا الديمقراطية” اللذين جرى توزيع حصصهما كما هو واضح بناءاً على تفاهمات أميركية- روسية، ثمة طرف ثالث كان يفترض أن يكون حاضراً بقوة في معركة دير الزور وهو فصائل “الجيش الحر” ومسلحو العشائر المنتمية للمنطقة، لكن دوره تقلّص كما يبدو إلى درجة كبيرة نتيجة المعطيات على أرض الواقع التي جعلت مقاتليه إما بعيدين عن ساحة المعركة حيث نجحت قوات النظام بدعم روسي وتواطؤ أميركي في قطع الطريق على فصائل البادية السورية للوصول الى دير الزور، أو محكومين بالولاء لـ “قوات سوريا الديمقراطية” التي تتحكم فيها القيادات الكردية، وهو ما تتحفظ عليه بعض تلك الفصائل، وتقول إنها الأحق بدخول المدينة وطرد التنظيم منها، باعتبار أن مقاتليها ينتمون للمحافظة في أغلبهم.

والحديث هنا يدور عن عدد من الفصائل العربية المرشحة للمشاركة في معركة دير الزور، والتي لا تعمل في إطار “قوات سوريا الديمقراطية”  والمتمثلة أساساً بفصائل البادية التابعة لـ “الجيش الحر”، وينحدر أغلب مقاتليها من عشائر شرقي البلاد خاصة دير الزور مثل “جيش مغاوير العشائر” و”جيش أسود الشرقية” و”لواء شهداء القريتين” فضلاً عن قوات “الشهيد أحمد العبدو”. وقد غادرت بعض هذه الفصائل بالفعل منطقة البادية باتجاه الشمال مثل “جيش مغاوير العشائر” استعداداً لدور محتمل في معركة دير الزور، بينما يجري الآن ممارسة ضغوط على الفصيلين الرئيسيين في البادية وهم “أسود الشرقية” و”أحمد العبدو” من أجل تسليم مناطقهم في البادية لقوات النظام، والدخول الى الأردن، قبل الانتقال الى الشمال الشرقي من أجل المشاركة في معركة دير الزور، وهو ما يرفضه هذان الفصيلان حتى الآن، ويصران على مواصلة قتال قوات النظام في البادية السورية. غير أن ثمة تسريبات بأن الفصيلين توصلا إلى اتفاق بالفعل مع الجانبين الأميركي والأردني يقضي في المرحلة الأولى بوقف العمليات القتالية ضد قوات النظام السوري والانتقال إلى الأردن قبل الانطلاق منه نحو الشدادي للانضمام إلى للمعركة ضد “داعش” في ريف ﺍﻟﺤﺴﻜﺔ ﺍﻟﺠﻨﻮﺑﻲ ﻭﺩﻳﺮ ﺍﻟﺰﻭﺭ.

وقد تحدثت بعض التسريبات عن نية الأميركيين إنشاء قاعدة مستقلة لـ “جيش مغاوير الثورة” في محيط دير الزور، للمشاركة في العمليات العسكرية. لكن قائد “المغاوير”، مهند الطلاع، نفى ذلك مشيراً إلى مفاوضات مع الجانب الأميركي لتشكيل “جيش وطني” في المنطقة الشرقية لمحاربة تنظيم “داعش” نواته “مغاوير الثورة” وهو مشروع يبدو أن العمل عليه تجمّد الآن، ولم يعد أولوية أميركية.

كما أنه من المتوقع أن يكون لقوات “النخبة السورية” التابعة للرئيس السابق لـ”الائتلاف الوطني السوري”، أحمد الجربا، وتضم مئات المقاتلين من دير الزور، دور محوري في المعركة. لكن الناطق باسم هذه القوات، محمد خالد الشاكر، أكد في حديث صحفي أن “التحالف الدولي لم يبلغ قوات النخبة شيئاً بخصوص المعركة”، مشيراً إلى أن هذه القوات تتمركز في مناطق لا تبعد سوى 20 كيلومتراً عن ديرالزور.

وعلى أية حال، فان قوات “قسد” التي اشترطت لمشاركة فصائل “الجيش الحر” ومقاتلي العشائر في معارك دير الزور أن يعمل هؤلاء تحت قيادتها، تدرك أن هناك إشكالية كبيرة في استحواذها على “حصة” كبيرة في معركة دير الزور بسبب الحساسية الشديدة من دورهم من جانب أهالي المحافظة العرب السنة الذين يشكلون النسبة الأعظم من سكان دير الزور ويرفضون دخول قوات كردية إليها.

وبالفعل يستعد ممثلون للعشائر العربية في المنطقة الشرقية لعقد مؤتمرهم الأول قريباً في العاصمة التركية أنقرة، لاتخاذ قرارات بإخراج “قوات سوريا الديمقراطية” من المناطق التي استولت شمالي البلاد وشرقها. كما يعمل النظام على مؤتمر مماثل في العاصمة دمشق، في مؤشر واضح على إدراك كل أطراف الصراع للدور القبلي في حسم معارك محافظة دير الزور، وتحديد مستقبلها.

سيناريو المعركة

من خلال تتبّع سير المعارك في تلك المنطقة لا بد للمراقب أن يلاحظ أن قوات النظام تقدّمت بسرعة في الآونة الأخيرة باتجاه المنطقة الشرقية بعد رفع الفيتو الأميركي عنها، علماً أنه سابقاً عندما دخلت تلك القوات بلدة مَسكَنَة أُجبِرت بقرار أميركي على التوقف بعض الشيء، وعندما دخَلت الرصافة توقّف عندها للسبب نفسِه. وترافق رفع الفيتو الأميركي عن تقدم قوات النظام مع السماح لها بخلقِ واقعٍ ميداني جديد يَمنع فصائلَ المنطقة الشرقية المتمركزة في البادية السورية من الانتقال إلى دير الزور، ما يشير الى وجود توافق بين موسكو وواشنطن بإعطاء حصّة كبيرة لقوات النظام في معركة دير الزور، إضافة إلى بعض عشائر المنطقة ذات الصلة بالنظام.

ويرى مراقبون أنه نظراً لأهمّية محافظة دير الزور التي تحتوي على 40 بالمئة من المخزون النفطي السوري الخام، وعلى سلّة الغذاء الزراعية للبلاد، فإنّ واشنطن يَهمّها تثبيت نفوذها هناك وذلك بالتفاهم مع روسيا. غير أن الترجيحات تشير إلى أن واشنطن لن تسمح للنظام بالعمل إلا في الجهة الجنوبية لدير الزور، أمّا مناطقها الشرقية حيث المواقع النفطية فسوف تنتشر فيها قوات أميركية، وأخرى من “الجيش الحر” مدعومة من الولايات المتحدة، وذلك وصولاً إلى الميادين والبوكمال، ما يعني أن هناك احتمال للتصادم مع إيران وميليشياتها في تلك المنطقة والتي دفعت “الحشد الشعبي” العراقي للتقدم من جهة الشرق إلى الشريط الحدودي مع دير الزور، وهو ما يعني أن تفاهم واشنطن مع روسيا قد لا يكفي وحده، وعليها التفاهم أيضاً مع إيران بشأن خريطة السيطرة في مثلّث دير الزور- البوكمال- الميادين الذي من المتوقع أن يشهد المعركة الحاسمة مع تنظيم “داعش” بعد تقهقره في الرقة ودير الزور.

مؤتمر أستانا

في غضون ذلك، تعقد منتصف الشهر الجاري الجولة السادسة من محادثات أستانا بين وفدي النظام والمعارضة برعاية روسية إيرانية تركية. وأعلن السفير الروسي لدى الأردن، بوريس بولوتين، أن بلاده تعمل مع الأردن على تشكيل وفد موحَّد يمثل المعارضة السورية.

وجاءت تصريحات السفير الروسي مترافقة مع وصول وزير الخارجية  سيرغي لافروف إلى المنطقة حيث زار السعودية والأردن، وبحث مع المسؤولين فيهما تطورات الأوضاع في سوريا ومناطق خفض التوتر في البلاد.

وكان وزير خارجية كازاخستان خيرات عبد الرحمنوف أعلن أنَّ المعارضة السورية أبدت استعدادها للمشاركة في الجولة السادسة من محادثات “أستانا”  .

من جهته، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أن اجتماع أستانا المقبل يعتبر بمثابة مرحلة نهائية للمباحثات الرامية لحل الأزمة.

وأشار أردوغان خلال اجتماع عقده مع نظيره الكازاخي نور سلطان نزارباييف، السبت الماضي، عقب مراسم استقبال رسمية أقيمت له في قصر أكوردا الرئاسي بأستانا، إلى اكتمال المباحثات الأولية، وأضاف أن الاجتماعات المقبلة ستكون بمثابة مرحلة نهائية، معرباً عن أمله في “أن تكون مباحثات أستانا نهاية للخطوات المتخذة، وتساهم بذلك في تسهيل مباحثات جنيف”.

وسبق كل ذلك، تصريحات مثيرة للجدل صدرت عن المبعوث الدولي الخاص إلى سوريا ستيفان دي ميستورا وتضمنت دعوة للمعارضة السورية للإقرار بهزيمتها في “الحرب”، والتوجه إلى بناء السلام على هذا الأساس.




المصدر