أستانا ينتهي بضم إدلب إلى مناطق خفض التصعيد و1500 عنصر مراقبة



انتهت مفاوضات أستانا، مساء أمس الجمعة، بمخرجات بعضها وصف بأنه واقعي، والآخر اعتبر بأنه افتراضي قد تشوبه إشكالات مستقبلية تُودي بها إلى سلة الفشل، خصوصًا تلك المتعلقة بملف إدلب، والتي اتفقت الدول الضامنة على إدخالها ضمن مناطق خفض التصعيد، وإرسال قوات تركية من الناحية الشمالية، و(روسية-إيرانية) من الناحية الجنوبية.

جاء في البيان الختامي للمفاوضات الذي أصدرته الدول الضامنة (تركيا-روسيا-إيران) أن الدول الثلاث تؤكد “التزامها القوي بسيادة الجمهورية العربية السورية واستقلالها ووحدتها وسلامتها الإقليمية، مسترشدة بأحكام قرار مجلس الأمن 2254”.

أعلن البيان، الذي حصلت عليه (جيرون)، أيضًا إنشاء مناطق خفض التصعيد، وفقًا لمذكرة 4 أيار/مايو 2017: في الغوطة الشرقية، في أجزاء معينة من شمال محافظة حمص، في محافظة إدلب، وأجزاء معينة من محافظات اللاذقية وحماة وحلب، وفي أجزاء معينة من جنوب سورية. وتم التأكيد على أن “إنشاء مناطق تخفيف التصعيد والمناطق الأمنية هو تدبير مؤقت، تكون مدته 6 أشهر”، ويتم تجديده تلقائيًا على أساس توافق الضامنين، منوهًا إلى أن “إنشاء مناطق التصعيد لا يقوض -تحت أي ظرف من الظروف- سيادة الجمهورية العربية السورية واستقلالها ووحدتها وسلامتها الإقليمية”.

أشار البيان إلى إرسال قوات مراقبة إلى مناطق خفض التصعيد، على أساس الخرائط المتفق عليها، في أنقرة يوم 8 أيلول/سبتمبر 2017، كما سيتم إنشاء مركز تنسيق (روسي-تركي- إيراني) مشترك، من أجل تنسيق نشاطات قوات مراقبة (ضمان) اتفاق خفض التصعيد.

تطرّق البيان إلى التأكيد على مكافحة الإرهاب، والاستفادة من مناطق خفض التصعيد من أجل إيصال المساعدات الإنسانية بسرعة ودون معوقات إلى السوريين، وبناء جسور ثقة بين النظام والمعارضة من خلال إطلاق سراح المعتقلين. كما دعا البيان المجتمع الدولي إلى دعم اتفاق خفض التصعيد والاستقرار في سورية، من خلال إرسال مساعدات إضافية إلى الشعب السوري، وتسهيل الإجراءات الإنسانية المتعلقة بالألغام، والحفاظ على التراث التاريخي، واستعادة أصول البنية التحتية الأساسية والاقتصادية.

روسيا ضغطت على الأسد

مصدر مطلع على مسير المفاوضات قال لـ (جيرون): إن “من الواضح أن موسكو ضغطت على نظام الأسد، من أجل السير وفقًا لرغبة الدول الضامنة الثلاثة (تركيا، روسيا، إيران)”، وأضاف: “اللقاء الذي تم بين وزير الدفاع الروسي (سيرغي شويغو) وبشار الأسد، قبل يومين في دمشق، لم يكن لقاءً عاديًا أو دوريًّا، بل كان لقاء حمل معه حزمة أوامر روسية لنظام الأسد”. وأوضحَ أن “من المؤكد أن شويغو بحث مع الأسد الاتفاقَ الذي سيتم في أستانا، وأعطاه معلومات حول طبيعة التحرك في المرحلة القادمة من الناحية العسكرية، بما فيها ملف إدلب، ومن الناحية السياسية بما فيها التوقعات من مفاوضات جنيف المقبلة”.

في السياق ذاته، قالت وكالة الأنباء الروسية (تاس): إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بحث، أمس الجمعة، الملف السوري مع الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الروسي، ووفق السكرتير الصحفي للرئيس الروسي، دميتري بيسكوف، فإن “وزير الدفاع سيرغي شويغو أبلغ المشاركين في الاجتماع بنتائج اتصالاته الأخيرة مع القيادة العليا في سورية”، موضحًا أنه “تم خلال ذلك بحث عمل مناطق تخفيف التصعيد القائمة والمقبلة في سورية”، في إشارة إلى ملف إدلب.

أشار المصدر أيضًا إلى أن “وفد النظام ذهب إلى الحديث عن أشياء لا علاقة لها بالحدث، وحاول إضاعة الوقت بتشتيت انتباه الحضور نحو تفاصيل، ليست في مستوى الاجتماع وأهميته؛ ما يدل على موقفه الحرج وعدم قدرته على إفشال المتوقع من الاجتماع”.

إدلب في مناطق خفض التصعيد وشكوك حول إمكانية صمودها

أثار دخول إدلب في مناطق خفض التصعيد، ونية الدول الضامنة وضع قوات مراقبة للاتفاق في إدلب، توقعات متناقضة، حيث اعتبر البعض أن هذا تقدمٌ ملحوظٌ في مسار التوافقات الدولية والإقليمية، في حين عدّ آخرون أن ملف إدلب ليس بالبساطة التي تم تقديمها في البيان الختامي للمفاوضات.

رئيس الوفد الروسي في أستانا، ألكسندر لافرينتيف، قال في تصريحات صحفية له أمس: “إن عدد المراقبين من روسيا وتركيا وإيران، في منطقة خفض التوتر بريف إدلب، قد يبلغ 1500 شخص أي 500 مراقب من كل دولة”، معتبرًا أن هذا العدد “غير كبير”.

المسؤول الروسي أشار إلى أن “المناقشات حول توزيع قوات المراقبين في منطقة إدلب لخفض التوتر، لا تزال مستمرة”، مرجحًا أن ترسل بلاده إلى إدلب وحدات غير قتالية من الشرطة العسكرية. وتابع: إن “الآلية نفسها والأماكن المعينة لنشر المراقبين، سيتم تحديدها بتوافق بين الدول الضامنة للهدنة، في سياق تنفيذ الاتفاقات على الأرض. نشر المراقبين سيتم في المناطق الأكثر حساسية”.

الخارجية التركية ذكرت أمس، في بيان لها، أن “المراقبين من الدول الثلاث سينتشرون في نقاط تفتيش ومراقبة في المناطق الآمنة التي تشكل حدود منطقة عدم التصعيد”، ونبه البيان إلى أن المراقبين ستكون مهمتهم الرئيسية “منع وقوع اشتباكات، بين قوات النظام والمعارضة، أو أي انتهاك للهدنة”.

البيان أشار إلى أن هذا الإعلان هو بمثابة “المرحلة الأخيرة من تنفيذ مذكرة، وُقعت في أيار /مايو، وساهم في تراجع العنف بشكل كبير بهذا التطور الأحدث؛ حيث تقدم المذكرة إسهامًا كبيرًا في تهيئة الظروف اللازمة لدفع العملية السياسية المستمرة في جنيف، تحت إشراف الأمم المتحدة”.

في السياق ذاته، قال المتخصص في الشأن السوري، وزميل مؤسسة (سينشري فاونديشن) البحثية، أرون لوند: إنه ليس واثقًا “مما يعنيه هذا الاتفاق عمليًا، أو كيف سيتم تطبيقه على الأرض”، معتبرًا في تصريحات لوكالة (رويترز) أن “العقبة الواضحة هي حقيقة أن أغلب إدلب خاضع لسيطرة (تحرير الشام) التي تُعدّ دوليًا جماعةً إرهابية”.

من جهة ثانية، يرى الباحث في مركز كارنيجي للشرق الأوسط، يزيد صايغ، أن “الاتفاق قد يمهد الطريق لشن هجوم على (هيئة تحرير الشام)”، موضحًا أن دعوات تشكيل جيش معارضة موحد في شمال غرب سورية “تحت رعاية جماعات مقربة من الإخوان المسلمين” تشير إلى أن “تركيا تعد قوة بالوكالة للتحرك ضد (هيئة تحرير الشام) في حلب وإدلب في الغرب. كما حدث في الباب وجرابلس… الوحدات التركية ستساند قوات المعارضة من خلف الكواليس”، وفق (رويترز) التي نقلت أيضًا عن دبلوماسي غربي قوله: إنه “لم يتضح بعد ماذا ستكون النتيجة النهائية. كمية المشكلات التي ستكشفها التفاصيل ليست معروفة بعد”.

واشنطن بالتزامن مع البيان: نتوقع أن لا يبقى الأسد في السلطة

إلى ذلك، قال مصدر معارض لـ (جيرون): إن واشنطن في الأرجح غير راضية تمامًا، عما حصل في أستانا، خصوصًا أن الوفد الأميركي أكد لنا في أستانا أن بقاء الأسد معتمد على الدعم الدولي له. وأوضح أن “لهجة الأميركي كانت تشير إلى أنه غير راض عن الحدث والمخرجات التي سيخرج بها اجتماع أستانا”.

نيكي هايلي، مندوبة واشنطن في الأمم المتحدة، قالت أمس الجمعة، بالتزامن مع البيان الختامي لأستانا: إن “الولايات المتحدة ستشارك بقوة ونشاط في حل الأزمة في سورية، ولن نكون سعداء حتى نرى سورية قوية ومستقرة، وهذا يعني أن الأسد لن يبقى في منصبه”. وأكدت، في تصريحات صحفية لها، أن “إيران لن تتزعم هناك أو تلعب دورًا رائدًا في هذا البلد”.

حول ذلك، قال المصدر: إن “تصريحات هايلي هي بمثابة جرس قرعته واشنطن، تريد أن تقول من خلاله للمجتمع لإيران وموسكو (نحن هنا)”.




المصدر
صبحي فرنجية