تعقيدات معركة دير الزور تهدد طموحات إيران



تكتسب معارك دير الزور أهمية كبيرة؛ لكونها ستحدد مناطق النفوذ الدولية والإقليمية، على جانبي الحدود العراقية السورية، وسترسم إلى حد كبير ملامحَ “الشرق الأوسط الجديد”، ومستقبل المشروع الإيراني فيه، الرامي إلى ربط طهران بكل من بغداد ودمشق وصولًا إلى بيروت.

قطعت الولايات المتحدة الأميركية ممرَّ إيران البري عبر مدينة الموصل باتجاه سورية، من خلال سيطرة ميليشيا “وحدات حماية الشعب” الكردية على محافظة الحسكة السورية، وتقدمها جنوبًا باتجاه محافظة دير الزور. لم يبق أمام إيران سوى المنطقة الممتدة من مثلث الحدود السورية الأردنية العراقية إلى منطقة البوكمال، وهو ما تحاول السيطرة عليه من خلال ميليشياتها.

يرى الصحافي عبد الوهاب عاصي، في حديث لـ (جيرون)، أن “أمام إيران ثلاثة احتمالات للوصول الى الحدود العراقية من الجانب السوري: الأول السيطرة على طريق دمشق بغداد، ويعني التقدم من منطقة السبع بيار باتجاه قاعدة التنف، ومن ثم الوصول إلى معبر التنف، لكن واشنطن عرقلت هذا الاحتمال، بعد أن تضمن الاتفاقُ على إقامة منطقة خفض تصعيد جنوب سورية مع روسيا، إبعادَ قوات النظام مسافة لا تقل عن 60 كم عن قاعدة التنف، مقابل انسحاب فصائل الحر من البادية الواقعة شرق السويداء وريف دمشق. والثاني السيطرة على مدينة البوكمال، وهذا يتطلب تقدم قوات النظام، من منطقة حميمة في عمق البادية السورية باتجاه المدينة، لكن القوات تواجه صعوبة بالغة في هذا المحور؛ بسبب القوة الدفاعية لـتنظيم (داعش) فيها، إلا أن تحقيق هذا الاحتمال يبقى قائمًا، وهو مصلحة مشتركة بين إيران وروسيا. أما الثالث فهو التقدم باتجاه الجزيرة الفراتية، أي عبور قوات النظام إلى الطرف الأيمن من نهر الفرات، لكن في هذا المحاولة تجاوزًا للمصالح الأميركية؛ حيث تسعى واشنطن للسيطرة على هذه المنطقة. وأستبعد القيام بمثل هذه المحاولة، لأنها ستؤدي إلى استنزاف كبير لقوات النظام، إضافة إلى احتمال الاصطدام مع مساعي التحالف الدولي، حيث يمكن أن يرفض هذا الأخير العمليات بدعوى عدم التنسيق المسبق حول مكافحة الإرهاب في هذه المنطقة”.

على الجانب الآخر، لن تقف إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب موقف المتفرج، إزاء هذا التمدد الإيراني، وستسعى -بالتعاون مع حلفائها- لمنع التقاء قوات النظام والميليشيات الإيرانية مع نظيراتها في العراق، وذلك من خلال تقديم دعم أكبر لميليشيات (قسد) ودفعها إلى التقدم باتجاه الحدود العراقية السورية شمال شرق نهر الفرات، لملء الفراغ الذي ستتركه (داعش). بالمقابل تتمركز فصائل للمعارضة السورية المدعومة أميركيًا في منطقة التنف المحاذية للحدود، ومن غير المستبعد أن تساعدها الولايات المتحدة الأميركية في السيطرة على الشريط الحدودي المتبقي من الحدود السورية العراقية، كما أن الولايات المتحدة تدعم قوات الحشد العشائري السني في منطقة الأنبار العراقية، وهو ما سيشكل حاجزًا آخر أمام إيران لتجاوز الحدود من منطقة الأنبار ذات الغالبية السنية.

أمام هذا الواقع الذي تسعى واشنطن لفرضه على الأرض، يمكن فهم التصعيد الأخير من قبل قوات الأسد ضد ميليشيات (قسد)، والذي تمثل باستهداف طائرات روسية وسورية، فجر يوم السبت، مواقعَ تابعة للميليشيا في منطقة الصناعة شرقي نهر الفرات، قرب مدينة دير الزور، وكذلك كلام “مستشارة” الأسد، يوم الجمعة، بأن قوات النظام “مستعدة لقتال ميليشيا (قسد) أو أي قوة أجنبية غير شرعية موجودة في البلد”.

وفق هذه المعطيات، يرى أيمن محمد الصحافي السوري المختص بالشأن الإيراني، في حديث لـ (جيرون)، أن “إيران تسعى -بشتى الطرق والوسائل والأدوات- لفتح ممر بري يربط العراق بسورية ولبنان، عبر البادية السورية ومحافظة دير الزور، لكن الولايات المتحدة التي وجدت قوة عسكرية رخيصة، وأداة طيّعة في يدها متمثلة بميليشيات (قسد) التي تقودها الوحدات الكردية، دفعت بها حاليًا باتجاه دير الزور، وحددت هدفها بالوصول إلى مدينة البوكمال على الحدود السورية-العراقية، بعد أن شارفت على الانتهاء من معركة الرقة، وهذا يمنح واشنطن القدرة على لجم تقدم ميليشيات إيران، وعلى الأرجح أنها ستحوّل بوصلتها، بعد الانتهاء من تنظيم الدولة، باتجاه الميليشيات الإيرانية، للحد من نفوذها في المنطقة”.

يرى كثير من المراقبين أن معارك دير الزور ستحمل في طياتها مزيدًا من التعقيدات الدولية والإقليمية، وسيتحمل المدنيون السوريون مجددًا فاتورةَ الدم الكبرى، من صراع المصالح الدولي والإقليمي الذي لم ينته بعد. (ف، م).




المصدر
جيرون