هجرة الكفاءات والمتاجرة بالصيدلة تهددان سلامة السوريين



أحدثت الحرب الدائرة في سورية، منذ أكثر من ست سنوات، ضررًا كبيرًا في القطاع الصحي؛ فإلى جانب استهداف المشافي والمراكز الصحية من قِبل النظام وحليفه الروسي، وخروج الكثير منها عن الخدمة، برزت مشكلة أخرى أرخت بظلالها حتى على المناطق التي لم تشهد أحداثًا عسكرية ساخنة، وهي هجرة الكفاءات العلمية وأصحاب الشهادات من أطباء وصيادلة، لتعذّر ممارسة مهنتهم في ظل الحرب، أو لاستكمال دراساتهم العليا في الخارج، بعد أن غدت متابعة الدراسة والاختصاص في سورية بعيدة من الإمكان.

تشير التقديرات الأخيرة الصادرة عن نقيب الصيادلة في مناطق النظام إلى أن 750 صيدلانيًا غادروا سورية. أما “عدد الذين اضطروا إلى التوقف عن مزاولة مهنتهم، بسبب الحرب والدمار الذي لحق بأماكن عملهم، فهو 5500 صيدلاني، وهو رقم يشكل 20 بالمئة من إجمالي الكوادر الصيدلانية”.

لكن واقعيًا، يبدو أن عدد الصيادلة الذين هاجروا خارج سورية أكبرُ من هذه التقديرات بكثير، حيث أصبح من النادر أن ترى صيدلانيًا يعمل في صيدلية؛ ذلك أنّ غالبية من يمتهنون هذا العمل هم أشخاص لا يحملون شهادة الاختصاص، ولا علاقة لهم البتة بهذا المجال، وذلك بحسب منتهى حاج علي، وهي موظفة في حلب، وقالت لـ (جيرون): “إن معظم العاملين في الصيدليات حاليًا ليسوا صيادلة، بل إن بعضهم لا يحمل الشهادة الإعدادية. هم يعتمدون على إمكانات متواضعة في اللغة الإنكليزية، وعلى حفظ أسماء الأدوية بشكل ببغائي”.

ظاهرة تأجير واستئجار شهادات الصيدلة والصيدليات، لأشخاص لم يدرسوا الصيدلة، كانت موجودة قبل الأزمة السورية، ولكن بشكل قليل، أما مع دخول الحرب عامها السابع، وهجرة عدد كبير من الصيادلة خارج البلاد؛ فقد انتشرت هذه الظاهرة انتشارًا كبيرًا، حتى باتت رؤية صيدلاني يشرف على عمل صيدلية أمرًا نادرًا.

تروى منتهى لـ (جيرون) ما حدّثها به أحد زملائها في العمل، إذ إنه قصد إحدى الصيدليات في شارع النيّال بحلب، لشراء محلول مضمضة فموية، لكن الشخص الذي يعمل في الصيدلية أعطاه بدلًا منه محلولًا مطهرًا للجروح. وكاد أن يتعرض لمشكلة صحية، لولا أنه انتبه إلى المعلومات المكتوبة على العبوة، قبل أن يبدأ باستعمالها.

تحولت عملية تأجير شهادات الصيدلة إلى تجارة رائجة هذه الأيام؛ ذلك أن كثيرًا من الصيادلة الذين لم يعودوا قادرين على ممارسة المهنة، إما لرغبتهم في السفر أو لأسباب تتعلق بوجود صيدلياتهم في مناطق ساخنة عسكريًا؛ أصبحوا يأجّرون شهاداتهم لأي شخص يدفع لهم مبلغًا ماليًا جيدًا.

الصيدلانية أنطوانيت عيسى المقيمة حاليًا في السويد، وهي من دمشق، قالت لـ (جيرون): “أجّرت صيدليتي للموظف الذي كان يعمل لدي، عندما اضطررت إلى الهجرة إلى السويد. صحيح أنه لا يحمل شهادة في الصيدلة، لكنه خريج معهد مساعد صيدلي، ولديه خبرة جيدة في المجال”.

وأضافت: “لكن للأسف، هناك صيادلة أصبحوا يأجرون شهاداتهم لأي شخص يدفع لهم المال، ولو كان عديم الدراية بالمهنة. إضافة إلى أنّ انعدام وجود الكوادر المؤهلة -بسبب ظروف الحرب- أدى إلى حدوث أخطاء لا تُغتفر في مهنة الصيدلة، كإعطاء أدوية خاطئة، أو صرف العقاقير من دون وصفة طبية”.

توضح الصيدلانية عيسى أن تكلفة استئجار الشهادة، قبل الحرب، كانت لا تتجاوز 20 ألف ليرة سورية شهريًا. أما الآن فقد أصبحت تتجاوز 80 – 100 ألف ليرة، وذلك بحسب موقع الصيدلية الجغرافي.

الطبيب رامي عزاوي يعزو سبب انتشار هذه الظاهرة إلى “انعدام الرقابة على الصيدليات، من قبل وزارة الصحة في حكومة النظام. وحتى إن وُجِدت الرقابة فإنها فاسدة فاشلة، حيث يتم دفع رشًا لكي يتم التغاضي عن هذا التجاوز، ويتم تسجيل كل شيء على أنه نظامي ومطابق لشروط وزارة الصحة”.

المحامي أحمد مستو أوضح لـ (جيرون) أن “القانون السوري حدد العقوبة لمن يمارس مهنة الصيدلة، من دون ترخيص، بالسجن لمدة ثلاث سنوات، إضافة إلى إغلاق الصيدلية. كما منعت المادة 47 من (قانون مزاولة المهن الطبية) الصيدليَّ من إعارة اسمه أو تأجير الشهادة لأشخاص لا يمتلكون مؤهلات، وحددت العقوبة بشطب اسمه من نقابة الصيادلة وإغلاق صيدليته. لكن للأسف لا توجد أي رقابة أو محاسبة حاليًا لهذه التجاوزات، والمتضرر الوحيد طبعًا هو صحة المواطن وسلامته”.




المصدر
نسرين أنابلي