واشنطن وأدوات كبح النفوذ الإيراني في سورية
30 أيلول (سبتمبر - شتنبر)، 2017
المرة تلو المرة يعلن مسؤولو الإدارة الأميركية أن المحور الأساسي لسياسة الولايات المتحدة في سوريا هو منع إيران من تعزيز نفوذها في المنطقة بعد سقوط «داعش»، الأمر الذي يثير القلق البالغ لبعض دول المنطقة وعلى رأسها الأردن وإسرائيل. إلا أنه ما من واحد فحسب من كبار المسؤولين عن تخطيط وتنفيذ الخطة في إدارة الرئيس ترامب يمكنه أن يشرح لنا تفاصيل هذه الخطة لأنها قيد التنفيذ بالفعل وفقاً لما يقولونه. وهناك دليل واضح على وجود فجوة واسعة بين الخطاب الأميركي النظري والسياسة الفعلية المتعلقة بتحدي الوجود الإيراني في سوريا، والتي اتضحت خلال حديث أدلى به مستشار الأمن الوطني «هربرت ريموند مكماستر» الاثنين الماضي في «معهد دراسات الحروب» في واشنطن حيث قال: إن أحد أهم الأهداف الأساسية للإدارة الأميركية هو منع إيران ووكيلها «حزب الله» من تحقيق فوائد ومزايا استراتيجية في سوريا مع تقهقر «داعش» واقتراب هزيمته الكاملة هناك، وعندما طُلب منه توضيح المخطط الذي يضمن تحقيق هذا الهدف، قال: «لا يمكنني التحدث حوله». وأضاف: «بالتأكيد هناك استراتيجية لتنفيذ الخطة. وهي التي وضعنا خطوطها وتفاصيلها بالفعل. ومن أهم أهدافها إضعاف النفوذ الإيراني في المنطقة بشكل كبير». وقال أيضاً: «إن الهجوم الذي تشنه قوات مشتركة للأسد وإيران وروسيا باتجاه جنوب شرق سوريا قريباً من مدينة دير الزور وفي محيطها، مفيد في الحرب ضد «داعش» على المدى القريب، ولكنه يستثير الكثير من المشاكل على المدى البعيد، وما يقال عن تحرير قوات الأسد والميليشيات الإيرانية الحليفة له حول تحرير المناطق السورية، يمكن أن يسرّع من دورة العنف، ويطيل أمد الصراع بدلاً من تحقيق الاستقرار المستدام».
وكانت الإشارة التوضيحية الوحيدة للخطة التي شرحها «مكماستر» تقضي بأن الوجود طويل الأمد للولايات المتحدة تطلب تخصيص مبالغ ضخمة من الأموال لتنفيذ خطة موازية لإعادة البناء التي لن تطال المناطق التي تسيطر عليها قوات الأسد أو الميليشيات الإيرانية. ويعترف مسؤولون في الإدارة الأميركية الحالية وسابقاتها، بأن احتمال طرد قوات إيران والأسد من المناطق الواسعة لجنوب شرق سوريا ضعيف، وهي التي توشك على احتلالها قريباً.
وأما العمل الحقيقي والفعال لمنع إيران من نشر نفوذ «الهلال الشيعي» الذي يضمن لطهران توسيع نفوذها حتى البحر الأبيض المتوسط، فيكمن في صدّ الميليشيات الإيرانية في الجانب العراقي من الحدود مع سوريا، وهو ليس بالأمر السهل أيضاً وفقاً لاعترافات مسؤولين أميركيين.
وتقتضي الاستراتيجية التي ينبغي اتباعها على الأرض في الوقت الراهن في سوريا بتجنب وقوع صراع عسكري بين القوات الكردية المدعومة من واشنطن، والقوات التابعة لنظام الأسد والميليشيات الإيرانية. ويبدو بوضوح بأن خط الفصل الذي يمنع حدوث هذا النزاع يتطابق مع الخط الفاصل بين ضفتي نهر الفرات الشرقية والغربية. وبين الحين والآخر، يشهد هذا الخط بعض المناوشات. وتتهم قوات سوريا الديمقراطية القوات الروسية بعبور الخط وتنفيذ هجمات متقطعة. إلا أن من الواضح أن الأوضاع السائدة على خط الفصل تستجيب بشكل عام للخطة الأميركية.
وتكمن المشكلة الأساسية في أنه إذا تمكن نظام الأسد والميليشيات الإيرانية الداعمة له من الاستيلاء على المزيد من الأراضي، فلا توجد استراتيجية معدّة سلفاً لاستعادتها. ولا شك أن الإدارة الأميركية السابقة تتحمل جزءاً من مسؤولية الوصول إلى هذا الحال، وخاصة لأنها فشلت في الاستعانة بقوات محلية لتحقيق هذا الغرض خلال السنوات الماضية. وحول هذه النقطة بالذات، قال «أندرو تابلير»، كبير الخبراء في «معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى»: «لقد قضى الرئيس أوباما على خياراتنا القائمة في سوريا بشكل كبير. وفي ذلك الوقت كان الاعتقاد السائد لدى إدارته يقضي بأنه لا توجد قوى أخرى غير «قوات سوريا الديمقراطية» يمكنها بالفعل اجتياح حوض وادي نهر الفرات الأوسط ومنع أي قوات أخرى من التقدم إلا أن ذلك كان يحتاج بالفعل إلى إقحام عدد كبير من القوات الإضافية لإنجاز هذه المهمة». ويتعلق التغير الكبير الذي حدث منذ بداية عهد إدارة ترامب في أن كتائب من قوات الأسد التي تحركت باتجاه دير الزور كانت موجهة ومدربة عسكرياً من خبراء الحرس الثوري الإيراني، وكانت مدعومة بميليشيات شيعية تقاتل إلى جانبها فضلاً عن مقاتلين من ميليشيا حزب الله اللبناني، وفقاً لما قاله تابلير.
وأضاف تابلير: «إن النفوذ الإيراني في المنطقة يتسع ويزداد انتشاراً لأن الإيرانيين يهتمون بدعم العمليات العسكرية التي تقوم بها قوات نظام الأسد حتى أصبحت تشكل شبحاً عسكرياً جديداً». وتحدث مسؤولون عن جدل كبير دار بينهم خلال الأشهر الأولى من تسلم إدارة ترامب للسلطة حول ما يجب فعله لوقف الإيرانيين ومنعهم من السيطرة على المنطقة. ورأى البعض من داخل البيت الأبيض بأن الحل يكمن في زيادة معقولة في عدد الجنود قريباً من مدينة دير الزور لقطع الطريق أمام تقدم الميليشيات الإيرانية. ويمكن أن يتشكل هؤلاء الجنود من خليط من القوات الأميركية الخاصة والقوات المحلية والأردنية، وفقاً لما صرحت به تلك المصادر، وسرعان ما اتضح عدم وجود تصوّر مسبق أو خطة واضحة لطريقة تحريك هذه القوات، ولهذا السبب تُركت الأمور لتقررها الصدف والأحداث الواقعة على الأرض.
والآن يجب على إدارة ترامب أن تعترف بأنها ليست راغبة في دفع المزيد من دماء الأميركيين ثمناً لمنع قوات الأسد أو الميليشيات الإيرانية الحليفة له من السيطرة على المزيد من الأراضي وانتشار النفوذ الإيراني في مناطق أوسع.
(*) كاتب أميركي
[sociallocker] [/sociallocker]الاتحاد