‘الاستفتاء الكردي: التأثير على سورية’

7 تشرين الأول (أكتوبر)، 2017
8 minutes

[ad_1]

في 25 أيلول/ سبتمبر، صوّتت منطقة الحكم الذاتي الكردية في العراق، لصالح استقلال إقليم كردستان عن العراق. في حين أنّ الآثار المترتبة على العراق والدول المجاورة، من جرّاء الاضطراب الكردي، لاقت اهتمام المراقبين والمحللين ومتابعتهم على نطاق واسع، إلا أنّ آثار هذا الاستفتاء على سورية، وعلى مسار الصراع فيها، يبدو أقل وضوحًا إلى الآن.

يشكّل الأكراد السوريون أكبر الأقليات العرقية في سورية، حيث راوحت نسبتهم بين سبعة، وخمسة عشر بالمئة، من سكان البلاد حتى اندلاع الثورة في عام 2011. ومع ذلك، فقد تمتعوا تاريخيًا بمرتبة مواطن من الدرجة الثانية في المجتمع السوري، مع لغتهم وهويتهم السياسية والعرقية، بسبب سياسة التعريب التي مارسها نظام “البعث” بحقهم، حتى إنّ بعضهم مُنع من حقه بالجنسية السورية. قُرابة 300 ألف كرديٍّ سُجلوا في الإحصاءات الرسمية على أنهم “أجانب” أو “مكتومو القيد” (غير مسجلين)، كما مُنعوا من استخدام لغتهم، وحُظِروا من تسجيل أطفالهم بأسماء كردية، ومن بناء مدارسهم ومؤسساتهم الخاصة، ومُنِعوا من نشر كتبٍ أو أيّ مواد أخرى باللغة الكردية.

نتيجة لذلك، كانت العلاقات بين الأكراد وجيرانهم العرب متوترة دومًا، حتى إنّها تحولت في بعض الأحيان إلى أعمال عنف، وكان أشهرها ما وقع في مدينة القامشلي في عام 2004، عندما اشتبك أنصار فريقي مدينتي القامشلي ودير الزور “الجهاد” و”الفتوة” لكرة القدم، مع بعضهم البعض؛ ما أدّى إلى تدخل قوات أمن النظام السوري مخلفًا وراءه 65 قتيلًا وعشرات الجرحى. ونتيجة لذلك، كان الأكراد من أول المستجيبين لدعوات ناشطي المعارضة السورية للمشاركة في الانتفاضة الشعبية ضد النظام السوري، في “يوم الغضب” في 14 شباط/ فبراير 2011، على الرغم من ضعف الإقبال الجماهيري في ذلك الحين.

في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2011، اغتيل الزعيم الكردي مشعل تمو في شقته، في جريمة نُسبت إلى أجهزة مخابرات النظام السوري. ساهم في تشييع جثمان الشهيد أكثر من 50,000 شخص، وقد وصف مارسيل تمو (ابن الفقيد) عمليةَ الاغتيال بأنّها “آخر مسمار دُقّ في نعش النظام”. وتمّ تشكيل (وحدات حماية الشعب)، بعد فترة وجيزة.

منذ بداية الصراع في سورية عام 2011، وعلى الرغم من ظهور مجموعات جهادية مثل (داعش)، إلّا أنّ القوات الكردية السورية نجحت في اقتطاع منطقة حكم ذاتي لها، في شمال شرق سورية سمّتها “روج آفا”، بتحالف غير مستقر، ولكنه عملي، مع النظام السوري وحلفائه الروس.

كانت المناوشات بين القوات الكردية السورية، بمختلف تنظيماتها، وبين النظام السوري شائعة خلال السنوات الأولى من الصراع؛ لكن في السنوات الأخيرة، وعلى الرغم من احتجاجات الرعاة الأمريكيين، تعاونت القوات الكردية مع قوات النظام الحكومية ومع القوات الجوية الروسية، في عمليات عسكرية ضّد تنظيم (داعش) وضدّ فصائل المعارضة السورية المدعومة من تركيا، فيما وصفه موقع (الإيكونوميست) بـ “التحالف الضمني”. ولعلّ أبرزها كان خلال معركة استعادة حلب، حيث وفّرت الطائرات الروسية تغطية جوية لـ (وحدات الحماية الشعبية) الكردية، سمحت لهم بتثبيت سيطرتهم على حي الشيخ مقصود، إلى جانب هجمات مُنسَّقة مع قوات النظام السورية من الجنوب. وهذا ما عكس لاحقًا الاتهامات المستمرة لهم، بالتعاون مع النظام السوري بوساطة موسكو، حيث افتتح (حزب الاتحاد الديمقراطي) الكردي (PYD) مؤخرًا مكتبًا لتعزيز العلاقات الدبلوماسية الكردية-الروسية. دان (فيليب هاموند) وزير الخارجية البريطاني السابق تحالفَ “وحدات الحماية الشعبية” مع قوات النظام السوري والقوات الجوية الروسية، موثِّقًا تلك الإدانة بمجموعة أدلّة مزعجة، حسب تعبيره.

يُمكن القول، نتيجة لهذا التعاون العسكري، إنّ النظام السوري ربما يعترف بالمطالب الكردية، بالحصول على قدر أكبر من الحكم الذاتي داخل سورية. ومع ذلك، من الصعب وضع صورة متماسكة لسياسة النظام، في ما يتعلق بأيّ استقلالية مستقبلية. على الرغم من المقترحات التي طرحها بشار الأسد عام 2016، بأنّ درجةً ما من الحكم الذاتي اللّامركزي مقبول بها، بعد انتهاء الصراع في سورية، إلّا أنّ الممثل السوري الدائم لدى الأمم المتّحدة بشار الجعفري استبعد أيّ حكم ذاتي أو فدرالية للمناطق الكردية في سورية. في الواقع، رفض النظام السوري المقترحات الروسية لإضفاء الطابع الاتحادي على شمال سورية، في تشرين الأول/ أكتوبر 2016. ومع ذلك، في ضوء الاستفتاء الكردي في العراق، تمّ تعزيز آفاق الحكم الذاتي الكردي في “روج آفا” بشكل أكبر من ذي قبل.

يبدو أنّ النظام السوري جعل موقفه أكثر وضوحًا، في الفترة التي سبقت الاستفتاء في إقليم كردستان العراق. في مقابلة له على التلفزيون الروسي (RT)، وافق وليد المعلم وزير الخارجية السوري على المطالب الكردية، ولكن بعد هزيمة (داعش). ورفض الاستفتاءَ الكردي في العراق مضيفًا بأنّه “إذا أراد الأكراد السوريون شكلًا من الإدارة الذاتية، ضمن حدود الجمهورية العربية السورية؛ فإنّ هذا الموضوع قابل للتفاوض، ويتطلب الحوار”.

يأتي هذا الإعلان عقب الانتخابات التي أجرتها السلطات الكردية في “روج آفا”، في 22 أيلول/ سبتمبر، ما يُبشر ببداية إعادة هيكلة المراحل الثلاث لحكم المنطقة، وتعزيز الحكم الذاتي لإقليم الأكراد في سورية. وأرسى الاستطلاع الأساس لسلسلة من الانتخابات، في تشرين الثاني/ نوفمبر 2017، للمجالس المحلية، وانتخاب جمعية برلمانية لنظام الحكم الاتحادي في شمال سورية. إنّ هذا التصلب الهيكلي للمؤسسات السياسية يضمن السيطرة العسكرية الكبيرة التي تمارسها القوات الكردية على المنطقة الشمالية من سورية، والتي لا توفر للسلطات الكردية القوة العسكرية فحسب، بل تمثل لها شرعية سياسية بديلة للحكومة في دمشق.

يبدو أنّ استفتاء الاستقلال في إقليم كردستان في العراق، تزامنًا مع انتخابات الإدارة الذاتية في سورية، هزّ ثقة النظام وجعله يتراجع في صداقته الجديدة مع الأكراد السوريين.

أعلن النظام السوري رفضه للاستفتاء العراقي، ووصفه بـ “الاستفتاء الانفصالي” وغير المقبول قطعيًا، من وجهة نظر الحكومة السورية. كما صرّح نائب وزير الخارجية فيصل مقداد أنّ انتخابات “روج آفا” هي “مزحة”، معلنًا أنّ سورية لن تسمح مطلقًا بفصل أي جزء من أراضيها. وتبرز هذه التصريحات عدم نضج الشراكة السورية–الكردية بعد، إذ لا تزال هناك فوارق جدّية وسياسية بين الفرقاء. وعلى الرغم من تلاقي سياسة النظام السوري الحالية، بمناهضة (داعش)، مع توجّه الأكراد لتحرير الرقة منها، إلا أنّ هذا لا يشكل بالضرورة أسسًا يمكن الارتكاز عليها، من أجل مستقبل سورية السياسي.

ستُعزّز نتيجة الاستفتاء العراقي بالتأكيد التطلعَ الكردي بحكم ذاتي لهم في سورية. أمّا مدى صمود العلاقة الودّية الجديدة الناشئة، بين “روج آفا” ودمشق، والطموحات الكردية إلى حكم ذاتي ضمن حدود سورية؛ فلن تصبح واضحة إلّا بعد هزيمة (داعش) وبلورة تداعيات الاستفتاء العراقي في المنطقة.

[ad_1] [ad_2] [sociallocker]

المصدر

[/sociallocker]

برنامج الباحثين الزائرين الدوليين في مركز حرمون للدراسات المعاصرة