الحروب الإسرائيلية مستمرة بمسميات مغايرة




منذ مطلع العام الحالي، يجد المتابع للتصريحات الإسرائيلية المختلفة، سواء صدرت عن المستوى السياسي أم الأمني، تحوّلاً لجهة إعلان وإشهار النشاط الإسرائيلي، والعمليات المختلفة وراء الحدود، أكان في لبنان أم سورية أو في داخل غزة، وكلها تعني في واقع الحال عمليات عسكرية وغارات مختلفة، تشكل عصب حرب جديدة متأصلة يُطلق عليها في إسرائيل “المعركة بين الحروب”، وتشكّل عملياً حرب استنزاف متواصلة هدفها الرئيسي والأساسي إضعاف قوة العدو في الطرف الآخر، سواء كان دولة أم منظمة.

وفي هذا السياق تأتي تصريحات قائد العمليات في جيش الاحتلال، العقيد إيتسيك ترجمان لصحيفة “يديعوت أحرونوت”، إذ أقر، أمس الجمعة، بأنإسرائيل نفذت مئات العمليات خارج حدودها في مواقع قريبة وأخرى بعيدة. وأكد ترجمان في مقابلة مع الصحيفة، أن “الناس عموماً لا يعلمون عن نشاطنا، ولكن قسم العمليات يعمل على مدار 24 ساعة يومياً، سبعة أيام في الأسبوع، فنحن عملياً القسم المسؤول عن المعركة بين الحروب”. وأضاف: “نحن نتحدث عن مئات العمليات التي نفذناها في العام الأخير، وقد تكون هذه العمليات مثلاً تفجيراً في مكان ما، أو أموراً أخرى”.

وقال ترجمان إن “قسم المعركة بين الحروب، مسؤول عملياً عن منع الحرب المقبلة، ونحن نعمل لمنع العدو من امتلاك قدرات عسكرية لا نريد أن تتوفر عنده في المواجهة المقبلة”، معتبراً أن “هذه القدرات، لو لم نعمل على منع وصولها للعدو، لكنا اضطررنا للدخول في مواجهة عسكرية، كما في حالة الصواريخ الدقيقة (في إشارة لقصف شحنات الصواريخ المهربة لحزب الله)، فلو انتظرنا وصولها لهم كان سيتحتم علينا مع تسلمهم هذه الأسلحة، الخروج للمعركة”. وأضاف أن “المعركة بين الحروب هي نشاط متواصل لجملة عمليات تمنع اندلاع المعركة وتؤجلها، فلو توفرت لهم الصواريخ المتطورة والدقيقة، لكنا في خضم حرب لبنان ثالثة”.

وكشف ترجمان أن هذه “المعركة بين الحروب” متواصلة، “وهي حاصلة ومتيسرة بفعل انخراط أجهزة وأذرع مختلفة فيها، بدءاً من شعبة الاستخبارات العسكرية ومروراً بجهاز الموساد، وكلها تنشط وفق منطق الأمور ليس وفق تقسيم جغرافي، فهناك محور حماس، حيث نحاول ضرب كل حلقات هذه السلسلة لهذا المحور، وبالتالي فالمسألة ليست جغرافية بل وفق الموضوع ذي الصلة”. وأوضح أن “عملنا مرتبط بشراكات، وبمصالح مشتركة لعناصر وجهات كثيرة، كل منها يريد الهدوء عنده، وهو ما ينطبق علينا أيضاً، فالروس مثلاً ليسوا شركاء لنا ولا ننسق العمليات معهم، ولكن هناك آلية لمنع الاحتكاك، وكلانا نريد الهدوء، ولكن بفعل مصالح مختلفة، هم يريدون ترسيخ وجودهم في سورية ونحن غير مستعدين للقبول بالتواجد الإيراني فيها”.

وعن “التهديدات الأمنية” على الاحتلال، قال ترجمان إن “لبنان يشكّل مصدر التهديد المركزي، لكن التهديد أو الخطر الأكثر واقعية يأتي بالذات من قطاع غزة، وهذ ما يوجّه نشاطنا واستعداداتنا، فنحن لا نستشرف انفجاراً للأوضاع في الجبهة الشمالية، لكن عندما يحدث ذلك سيكون هذا التهديد الأخطر الذي يمكن أن تواجهه إسرائيل لجهة حجم القوة العسكرية”.

أما حول قطاع غزة، فإن ترجمان، بحسب “يديعوت”، يحمل موقفاً مغايراً لمواقف غالبية كبار جنرالات الجيش، فهو قلق من تبعات اللحظة التي تدرك فيها “حماس” دلالات الساتر والجدار الإسمنتي الذي تقوم إسرائيل ببنائه لمواجهة الأنفاق الهجومية. وأوضح ترجمان في هذا السياق: “حماس متفاجئة من حجم السور والعائق الذي يجري بناؤه، وهم يرون كيف يتم إغلاق قطاع غزة كلياً، وهذا العائق سيخفف من خطر تهديد حماس لنا بشكل كبير، وسيبعد المواجهة المقبلة، هذا إذا وقعت”. ولكنه لا يخفي مخاوفه “من إقدام حماس على التحرك لتشويش عملية بناء هذا العائق، بشكل قد يؤدي إلى اندلاع دورة جديدة من المواجهة”.

وفي ما يتعلق بـ”حزب الله”، أقر ترجمان، كغيره من قادة جيش الاحتلال، بأن الحزب مر بتغييرات كبيرة، تنظيمية وقتالية، وأنه بات اليوم “عدواً ديناميكياً مختلفاً كلياً عما كان عليه قبل ثلاث أو أربع سنوات، وقد تحوّل إلى ما يشبه الجيش، وهذه هي نقطة ضعفه اليوم”، شارحاً أن “أحد مصاعب وإشكاليات الحرب الثانية على لبنان كانت مواجهة منظّمة مستقلة وموزعة من حيث عناصرها وخلاياها، أما اليوم فنحن نرى كيف يتحوّل حزب الله إلى كتلة لها إطار واضح، وهذا ما نشاهده ليس فقط في مناوراته وتدريباته”، مضيفاً: “نحن نراقب ما يحدث في سورية، حيث يراكم حزب الله التجارب والخبرات، ونتعلم من ذلك أموراً غير قليلة ونلائم أنفسنا تبعاً لذلك”.
لكن في “المعركة بين الحروب”، فإن المستوى العسكري أكثر التصاقاً بالمهام العسكرية، وبالخطوط التي تحددها له الحكومة والمستوى السياسي، إذ أقر ترجمان “أننا نعمل وفق توجيهات الحكومة على ترجمة هذه التوجيهات إلى عمليات تهدف لتحقيق الهدف المرجو منها”.

ومع إعلانه أن الخطر من اندلاع مواجهة عسكرية مع غزة أكثر واقعية، من الخطر الآتي من لبنان، إلا أن ترجمان كرر عملياً مقولات إسرائيلية سابقة، عن أن الحرب المقبلة ستكون مختلفة عما سبقها من حروب، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن “التطورات التي مر بها حزب الله تجعله أكثر ضعفاً لجهة تحوّله إلى ما يشبه الجيش الرسمي”، وبالتالي فإن الحرب المقبلة لن تشهد مثلاً استهداف كل موقع أو ميدان مرت منه عناصر للحزب، بل التركيز على البنى التحتية التي يملكها الحزب، لا سيما مع مضاعفة حجم ونوعية المعلومات التي جمعها ويواصل جمعها جيش الاحتلال عن الحزب، خصوصاً حول تمركزه في بيئته المدنية في الجنوب، لدرجة أن واحداً من كل ثلاثة أو أربعة بيوت في الجنوب، بات يشكل جزءاً من بيئة الحزب. ما يفرض أن تكون قوة النيران في الحرب المقبلة أكبر بكثير، (في إشارة لعقيدة الضاحية التي تبناها رئيس أركان جيش الاحتلال غادي أيزنكوط وتتحدث عن توجيه ضربات قوية حتى للأحياء السكنية). لكن حجم قوة النيران سيكون أيضاً كبيراً من جهة لبنان باتجاه الجبهة الداخلية لإسرائيل.

وانتقل ترجمان في هذه النقطة إلى توجيه رسائل للقيادة اللبنانية ككل والدولة اللبنانية، إذ أعلن أن “لبنان الرسمي الذي ينسق اليوم مع حزب الله، لن يتمكن من تجاهل الثمن الذي سيدفعه في الحرب المقبلة، فنحن لا نريد ولا نوايا لنا لضرب لبنان، إلا أننا مصرون على الانتصار على حزب الله”. ويعيد هذا التصريح للأذهان التصريحات الإسرائيلية الأخيرة في الشهرين الماضيين، وعند إجراء آخر تدريبات عسكرية في أراضي الجليل، حاكت مواجهة عسكرية مع لبنان، وأعلن خلالها أكثر من مسؤول عسكري وسياسي أن أهداف الحرب المقبلة في حال اندلاعها ستكون الانتصار الذي سيعني هذه المرة حسم المعركة مع “حزب الله” والانتصار عليه.

ولعله من اللافت في تصريحات العقيد ترجمان هي إقراره، ربما خلافاً لآخرين غيره، بأن حزب الله سيبقى ملتزماً بضمان حضوره وبقائه في لبنان، وهو بالتالي لن يبقى في سورية، أما الأخيرة فمن شأنها أن تسعى لجر إسرائيل لحرب في الجبهة الشمالية، في الجولان، ما يعني أن الحرب المقبلة لن تكون مع لبنان فقط.
أما في السياق الإيراني، فإن الاحتلال، بحسب ترجمان، يرى إيران الحاضن الأول لأعداء إسرائيل، وبالتالي فإن أحد الأمور الأكثر خطراً عليه هو تمكّن إيران من تكريس قوتها ووجودها العسكري في سورية، ليس فقط في قواعد برية وإنما أيضاً محاولة ضمان قاعدة عسكرية جوية، وهو ما لن تسمح به إسرائيل ولن توافق عليه، وفق المسؤول الإسرائيلي.




المصدر