كابوس “فيسبوك” لا ينتهي: أزمات بالجملة




“المصائب لا تأتي فرادى”. هكذا هو حال شركة “فيسبوك” بعد تشعّب أزمات موقع التواصل الاجتماعي الأكبر في العالم لتشمل الشركة وتطبيقاتها، “إنستاغرام” و”واتساب”.

ويبدو أنّ مسلسل الأزمات لا يزال في بدايته بالنسبة لـ”فيسبوك”، فالشركة تتخبّط في محاولة معالجة ملفّ الأخبار الكاذبة ومحاربة المحتوى العنصري، واستغلالها لمآرب سياسيّة، في ظلّ ضغطٍ كبير تتعرّض له من المشرّعين في واشنطن، وسط ضغوطٍ من دول أخرى كروسيا والصين.
هذه الملفّات مجتمعة تجعل من أزمات “فيسبوك” الحاليّة الكابوس الأكبر الذي تتعرّض له الشركة منذ إنشائها قبل 11 عاماً، وتهدّد في تراجعها.

الإعلانات الروسية
تُعدّ الإعلانات الأزمة الأكبر لـ”فيسبوك” حالياً، بعد الوضع الحرج الذي تسبّبت له به الإعلانات الروسيّة خلال حملة الانتخابات الرئاسيّة 2016.
فقد كشفت مراجعة داخلية، في سبتمبر/أيلول الماضي، أنّ حسابات روسية اشترت إعلانات بقيمة مائة ألف دولار، أجّجت الانقسام واستهدفت التوتر الاجتماعي في البلاد، خلال حملة الانتخابات الرئاسية الأميركية، وصلت إلى 3 آلاف إعلان سياسي.
وذكر مسؤول في “فيسبوك”، حينذاك، أن 470 حساباً أنفق عليها ما مجموعه نحو 100 ألف دولار، بين حزيران/يونيو 2015 وأيار/مايو 2017، على إعلانات تحوي أنباءً زائفة أو مضللة أو تزيد من عدد الزيارات لصفحات إلكترونية تحمل مثل هذه الرسائل.
وبينما نفت روسيا أي علاقة لها بتلك الإعلانات، كشف “فيسبوك” أنّ حوالى 10 ملايين شخص في الولايات المتحدة شاهدوا الإعلانات الروسية خلال الانتخابات على الموقع.
وقالت شركة “فيسبوك” التي لم تمنح سابقاً مثل هذا الرقم التقريبي، إنّها استخدمت تصميما لمعرفة العدد التقريبي لعدد الأشخاص الذين شاهدوا على الأقل واحداً من الإعلانات الـ3 آلاف.
وأضافت الشركة أنّ 44 بالمئة من الإعلانات تمت مشاهدتها قبل نوفمبر/تشرين الثاني 2016، و56 بالمئة شوهدت بعد الانتخابات. كما أوضحت الشركة أن 25 بالمئة من الإعلانات لم يرها أحد.
وكانت “فيسبوك” قد أعلنت الأسبوع الماضي أنها ستضم ألف موظف إضافي على مدار العام المقبل وتضخ المزيد من الاستثمارات في برامجها لرصد الإعلانات وحذفها تلقائياً. وأضافت “مراجعة الإعلانات لا تعني تقييم المحتوى فحسب وإنما السياق الذي تم شراؤها فيه وجمهورها المستهدف، لهذا فإننا سنغير نظامنا لمراجعة الإعلانات لنولي المزيد من الاهتمام بهذه الإشارات”.
وهو ما تُرجم أيضاً من خلال إعلان الشركة، منذ يومين، أن موقع “فيسبوك” سيبدأ مراجعة يدوية للإعلاناتالتي تستهدف جماعات معينة وتتناول قضايا سياسية ودينية وعرقية واجتماعية.
وأبلغت الشركة بعض المعلنين عن متطلبات “المراجعة البشرية” الجديدة، محذرة إياهم من أن ذلك ربما يتسبب في بعض التأجيل قبل ظهور إعلاناتهم على منصة الإعلام الاجتماعي.
وفيما سلّمت “فيسبوك” نسخاً من الإعلانات الروسية للكونغرس الأميركي، الإثنين الماضي، وقدمت معلومات بشأن الإعلانات المرتبطة بروسيا للمحقق الأميركي الخاص روبرت مولر، الشهر الماضي، يبدو أنّ المشرّعين الأميركيين لا يثقون بالشركة كثيراً.
فقد أشار موقع “ذا هيل” إلى أنّ المشرّعين لا يثقون بـ”فيسبوك” بعدما رفضت الشركة مطالبهم الأولية حول تفاصيل حول التدخل الروسي المزعوم، بل على العكس، تتعاون الشركة فقط لأنها تحت الضغط.
وقال السيناتور ريتشارد بلومينثال إنّ “فيسبوك” يتعاون فقط بسبب ضغط المشرّعين. ويوم الاثنين الماضي، سلّمت الشركة الإعلانات الـ3 آلاف المرتبطة بروسيا ومزاعم التدخل في الانتخابات.
من جهته، قال النائب آدم ستشيف “أعتقد أنّ تحقيقاتنا دفعت إلى تحقيقات داخليّة أكثر دقة من الشركات التكنولوجيّة، وهو أمر إيجابي”.

إنستاغرام

بعد شهرٍ كامل من الجدل، دخل تطبيق “إنستاغرام” في معمعة الإعلانات الروسية خلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة في الولايات المتحدة الأميركية، إذ أفادت إدارة “فيسبوك” أن 5 في المائة من إجمالي الإعلانات الـ 3 آلاف التي ظهرت على الموقع نُشرت أيضاً على تطبيق “إنستاغرام”. وأشارت إلى أن حوالي 6700 دولار أميركي أُنفقت على إعلانات “إنستاغرام”.

الأخبار الكاذبة
ويأتي الضغط بعد حادث القتل الجماعي في لاس فيغاس والذي رفع أسئلة جديدة حول إمكانيّة التلاعب بالشبكة الاجتماعيّة. إذ روّج موقعا “فيسبوك” و”غوغل” أخباراً زائفة ادّعت أن منفذ اعتداء لاس فيغاس ديمقراطي ومناهض للرئيس الأميركي، دونالد ترامب.
وانتشرت هذه الأخبار بسرعة على شبكة الإنترنت، بعد ساعات فقط من إصابة المئات خلال حفل موسيقي في شارع “لاس فيغاس ستريب”، ما أعاد تسليط الضوء على خطورة سيطرة الأخبار الزائفة على مواقع التواصل الاجتماعي وسط الأخبار العاجلة.
وعلى منصة 4chan المفضلة لدى حركة “اليمين البديل” (آلت رايت)، سارع مستخدمون إلى الإشارة إلى دانلي باعتباره ديمقراطياً، ثم نشرت مدونة Gateway Pundit قصة عنوانها “مطلق النار في لاس فيغاس ديمقراطي أُعجب براشيل مادو، ومجموعة MoveOn.org، وتربطه علاقات بجيش مناهض لترامب”. القصة لم تضم أي أدلة إطلاقاً، واستندت إلى مراجعات على موقع “فيسبوك”، وفقاً لموقع شبكة “سي أن أن” الأميركية.
وعلى الرغم من استناد القصة إلى ادعاءات غير مثبتة، إلا أن صفحة “التحقق من السلامة” Safety Check على “فيسبوك”، والتي يناط بها تمكين الأشخاص من التواصل مع أحبائهم خلال الأزمات، روجت لقصة ادعت أن مطلق النار لديه وجهات نظر معارضة لترامب، بالإضافة إلى روابط لأخبار زائفة أخرى.
وحاولت “فيسبوك” التقليل من دورها في نشر الأخبار الزائفة، ونشرت بياناً أوضحت فيه أن “مركز العمليات الأمنية العالمي حدد المنشورات الزائفة وحذفها، لكن التأخر في إزالتها سمح بتداولها على شبكة الإنترنت. نعمل على حل المشكلة… ونأسف للارتباك الحاصل”.

انتخابات ألمانيا
حذف موقع “فيسبوك” عشرات آلاف الحسابات الوهمية خلال الانتخابات الألمانية. وقال نائب رئيس “فيسبوك” لشؤون السياسات العامة في أوروبا وأفريقيا الوسطى، ريتشارد آلان، إنّ جهود الموقع لمحاربة الأخبار الكاذبة تضمّنت إزالة عشرات آلاف الحسابات الوهميّة في الشهر الأخير من الحملة الانتخابية الألمانية.
وأشار إلى أنّ شركة التواصل الاجتماعي بذلت جهوداً، بهدف التأكد من أنّ شبكتها لا تستخدم للتلاعب بالرأي العام، بحسب ما نقل موقع “بيزنس إنسايدر”. وأكد آلان أنّ هذه الأفعال لم تلغِ التضليل بشكل كامل في تلك الانتخابات، لكنها جعلت انتشارها أكثر صعوبة، وأقل احتمالاً للظهور على صفحة الأخبار الرئيسيّة (نيوز فيد) للمستخدمين.

حظر روسي
هدّدت روسيا بمنع الوصول إلى “فيسبوك”، العام المقبل، إذا لم يمتثل موقع التواصل الاجتماعي للقانون الذي يشترط على المواقع الإلكترونية التي تقوم بتخزين البيانات الشخصية لمواطنين روس، العمل من خلال خوادم شبكات روسية.
ونقلت وكالة إنترفاكس الروسية للأنباء عن رئيس هيئة “روسكوماندزور” الروسية لمراقبة الاتصالات، ألكسندر زخاروف، قوله للصحافيين “مطلوب من الجميع الالتزام بالقانون”.
وتابع قائلاً “في 2018 سيكون كل شيء بالتأكيد كما ينبغي أن يكون” مشيراً إلى فيسبوك. وأضاف “وفي جميع الأحوال، فإما أن تطبق الشركة القانون أو ستتوقف عن العمل على أراضي الاتحاد الروسي، مثلما حدث للأسف مع لينكد إن. لا يمكن أن يكون ثمة استثناء هنا”.

واتساب أيضاً
تلاحق الأزمات أيضاً تطبيق “واتساب” للتراسل الفوري، والذي تملكه شركة “فيسبوك”. وتبدو المشاكل حادة للتطبيق في بريطانيا، بعدما انتقدت وزيرة الداخلية في المملكة المتحدة، أمبر رود، تكنولوجيا تطبيقات التراسل للمحافظة على الخصوصية، معتبرة أن تطبيق “واتساب” ملاذ لمستغلي الأطفال جنسياً (بيدوفيليا) وأفراد العصابات، وطالبت بالسماح للحكومة بالوصول إلى الرسائل.

واشتكت رود من تطبيقات التراسل مثل “واتساب” وغيره، وأشارت إلى أن هذه التطبيقات لا تساعد الحكومة كفاية في القبض على المجرمين. وقالت إنه يتعين عليها بذل المزيد من الجهود، للسماح للحكومة بالوصول إلى رسائل المستخدمين وقراءتها.
من جهتها، حجبت السلطات الصينيّة تطبيق “واتساب”، كلياً الشهر الماضي، بعدما كانت قد حجبته بشكلٍ جزئي في يوليو/تموز الماضي، في آخر حملةٍ لرفع الرقابة قُبيل اجتماع الحزب الشيوعي الحاكم هذا الشهر، بحسب ما ذكرت صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركيّة.
وقالت الصحيفة إنّ حجب التطبيق الذي تملكه “فيسبوك” في الصين يُعدّ تراجعاً لشركة التواصل الاجتماعي التي حاول رئيسها، مارك زوكربيرغ، بشكلٍ حثيث العودة للسوق الصينيّة، بعد حجب موقع “فيسبوك” في البلاد عام 2009، بالإضافة إلى تطبيق “إنستاغرام” الذي تملكه “فيسبوك” أيضاً.
وأوضحت “نيويورك تايمز” أنّ الصعوبات التقنيّة التي كان يواجهها مستخدمو التطبيق في يوليو الماضي، عبر صعوبة إرسال الصور والمقاطع الصوتيّة، توسّعت دائرتها لتشمل التراسل النصيّ أيضاً.
وينضم “واتساب” إلى مجموعة من التطبيقات والمواقع الممنوعة في البلاد، والتي كان آخرها منع 3 مواقع كبيرة من نشر الفيديوهات والصوتيّات.
وتعدّ الصين إحدى أكثر الدول رقابة على شبكة الإنترنت في العالم، إذ تحظر الوصول إلى آلاف المواقع الإلكترونية، وبينها “غوغل” و”فيسبوك” و”تويتر” و”إنستاغرام”.




المصدر