دي ميستورا مقابل لجنة التحقيق الدولية: ما هي حقيقة الوضع الراهن للصراع السوري؟


malabdallah

المبعوث الدولي ستيفان دي مستورا. الصورة لـ وزارة الخارجية الأميركية على فليكر

في 30 آب/أغسطس، قدّم المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا ستافان دي ميستورا إحاطة إلى مجلس الأمن بشأن الوضع في سوريا، تحدّث فيها عن خفض التصعيد، ودَفْع العملية السياسية، ومكافحة الإرهاب. وبقيامه بذلك، رسم المبعوث الخاص صورة واهمة للحالة الراهنة. وفي الأسبوع نفسه، أصدرت لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا تقريرها الأخير، تسلّط الضوء فيه على وجود عملية هشة لخفض التصعيد، وانتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان والقانون الإنساني ارتكبتها القوات الحكومية، وعملية مفاوضات سلام تفتقر إلى الشمول والتوافق. إن هذا التناقض الصارخ في تصوّر طبيعة عملية السلام السورية وآفاقها من هيئتين من هيئات الأمم المتحدة أمر يثير القلق. لم تقرّ الإحاطة التي قدّمها دي ميستورا بحقائق الصراع وعملية مفاوضات السلام في وضعها الراهن اليوم. وللتأكيد على هذه التناقضات، أجرينا مقارنة لتصريحات وبيانات أدلى بها المبعوث الخاص مع معلومات متضاربة قدمها التقرير الأخير الصادر عن لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا.

 

  1. الإشادة بمناطق خفض التصعيد دون الإقرار بالخطر الذي يتعرض له المدنيون

يتضمن اتفاقا خفض التصعيد في حمص والغوطة إجلاء المقاتلين. وعلى الرغم من أن أياً من الاتفاقين لا يشير إلى إجلاء المدنيين، فقد أجبِرَ المدنيون في الماضي على المغادرة إلى جانب المقاتلين بعد عقد هدنة أو اتفاق وقف إطلاق النار على المستوى المحلي. وبالنظر إلى الاتجاهات السابقة والضرر الكبير الذي يتعرّض له السكان المحليون، فإن تصريح دي ميستورا لا يعترف بالمخاطر ولا يدين أي محاولة لإكراه المدنيين على مغادرة منازلهم: “بعد سلسلة من الاتفاقات مع الجماعات المسلحة، بما في ذلك الدعم النشط من مصر وروسيا الاتحادية، شهدنا انخفاضاً كبيراً في وتيرة العنف في أجزاء من منطقة خفض التصعيد في الغوطة، رغم أن ذلك لا ينطبق على كامل المنطقة”.

وفي الوقت الذي يناقش فيه تقرير لجنة التحقيق الدولية الهُدَن (الاتفاقات المحلية بين الحكومة والفصائل المقاتلة التي تختلف عن مناطق خفض التصعيد الأوسع نطاقاً)، فإنه أقرّ مع ذلك بالتهجير القسري الذي حدث: “في أيار/مايو، قام مسؤولون موالون للحكومة ووسطاء من جهة، وأعضاء من الجماعات المسلحة و/أو ممثلي المجالس المحلية من جهة أخرى بالتفاوض على هُدن ونفذوها في كل من برزة وتشرين والقابون شرقي دمشق… وقد اشتملت جميع الهُدن المذكورة أعلاه اتفاقات إخلاء أدت إلى التهجير القسري لآلاف المدنيين من تلك المناطق”. ويدعو تقرير لجنة التحقيق الدولية بعد ذلك جميع الأطراف إلى إنهاء التهجير القسري للمدنيين.

وتجدر الإشارة أيضاً إلى أن اتفاق خفض التصعيد في الغوطة نصّ على الإفراج عن 1500 معتقل– إلا أن عدداً قليلاً منهم قد أفرِج عنه في الواقع. وفي حين أن انخفاض وتيرة العنف الناجم عن اتفاق خفض التصعيد أمر يستحق الثناء، ينبغي على دي ميستورا أن يستخدم منصبه لممارسة الضغط لضمان التزام الأطراف بالقانون الإنساني الدولي وبنود الاتفاق نفسه.

 

  1. تصوير روسيا كضامن موثوق به على الرغم من أنها دأبت على حماية جرائم حكومة الأسد سياسياً بشكل مستمر في مجلس الأمن وفي وسائل الإعلام من خلال إنكار ونفي المخالفات المرتكبة

منذ الانتخابات الأمريكية الأخيرة، أصبحت روسيا الوسيط الوحيد للمحادثات بين الحكومة وفصائل المعارضة، لذلك غدا من الواضح سبب اعتماد دي ميستورا على روسيا من أجل الدفع بالتسوية التفاوضية. غير أن روسيا لم تلعب دوراً محايداً في جهود الوساطة، وبدلاً من ذلك، فقد استخدمت موقفها القوي لتحمي الحكومة السورية من اللوم سياسياً لأنها تدعم سوريا عسكرياً في ساحة المعركة. ونتيجة لذلك، ظهرت تصريحات دي ميستورا ساذجة بالمقارنة مع واقع الدور الروسي: “في حمص، نلاحظ استمرار جهود روسيا الاتحادية للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار. ونحن قلقون إزاء تقارير عن وجود قصف وغارات جوية شمال مدينة حمص، الأمر الذي نعتقد أنه يتطلب اهتماماً عاجلاً من الجهة الضامنة.”

وفي الوقت نفسه، يأتي تقرير لجنة التحقيق الدولية أكثر دقة في تصويره لروسيا كوسيط للمحادثات والوصي الحامي للحكومة السورية كلما اتهمت بانتهاك القانون الدولي. وخير مثال على ذلك هو، بطبيعة الحال، الهجوم الكيميائي على خان شيخون: “نفى المسؤولون الروس والسوريون استخدام القوات السورية للأسلحة الكيميائية، موضحين أن الضربات الجوية التي قامت بها القوات السورية في الساعة 11:30 من صباح ذلك اليوم قد أصابت مستودع أسلحة كيميائية يملكه إرهابيون…. وإن السيناريو الذي اقترحه المسؤولون الروس والسوريون لا يفسّر توقيت ظهور الضحايا – قبل ساعات من الوقت الذي حدّده المسؤولون الروس والسوريون للضربة”.

وفي ضوء ذلك، من الصعب أن نرى كيف يمكن الاعتماد على روسيا لتقوم بمراقبة محايدة لوقف إطلاق النار على المستوى المحلي وتحميل الحكومة المسؤولية.

 

  1. تصوير العمليات ضد داعش بأنها منسقّة على الرغم من أنها تؤدي إلى مزيد من الصراع والتوترات

في حين أن وجود داعش هو في الحقيقة مَظلَمة مشتركة بين الحكومة السورية وجماعات المعارضة، إلا أن القضاء عليه ليس منسّقاً بأي حال من الأحوال، كما أن الزحف نحو معاقل المتطرفين لا يؤدي إلى التقارب. بل على العكس من ذلك، فقد انتهت محادثات جنيف للسلام في تموز/يوليو التي ركزت على الحرب الدولية على الإرهاب دون إحراز انفراج. وعلاوة على ذلك، قامت الحكومة السورية مؤخراً بتهديد التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد داعش، ووسمت جميع فصائل المعارضة بأنها إرهابية، حتى لو كانت تحارب داعش والنصرة. وعلى الرغم من ذلك، وصف دي ميستورا الحرب على الإرهاب كهدف موحد، حيث تسعى جميع الأطراف إلى تحقيق هدف مشترك: “في حين تتقدّم الحكومة السورية نحو دير الزور، تقدّم الجيش اللبناني ضد تنظيم داعش على الجانب اللبناني من الحدود. وتواصل قوات سوريا الديمقراطية والتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة الجهود المبذولة للقضاء على داعش في الرقة، في حين تدعم روسيا الاتحادية حكومة سوريا في التقدّم نحو دير الزور”.

غير أن تقرير لجنة التحقيق الدولية يتوقع عكس ذلك تماماً – إذ أن استعادة المناطق التي تقع تحت سيطرة داعش من قبل قوات مختلفة قد يزيد من وتيرة النزاع: “تمتد الأراضي المستعادة حديثاً [من داعش] إلى أجزاء استراتيجية من الحدود العراقية السورية. وفي هذا السياق، في 18 أيار/مايو و6 حزيران/ يونيو، أصابت غارات جوية شنتها الولايات المتحدة قافلة من القوات الموالية للحكومة في منطقة التنف الاستراتيجية على الحدود الأردنية العراقية، مما قد يؤدي إلى تصعيد التوترات في هذه المنطقة المتنازع عليها بشدة”.

 

  1. تحميل المعارضة المسؤولية الأساسية في تعقيد محادثات السلام في حين أن الحكومة السورية هي الطرف الذي يحيد عن قرار مجلس الأمن رقم 2254

إن عدم رغبة الحكومة السورية في مناقشة أي شكل من أشكال الانتقال السياسي يمثّل عدم امتثال للقرار رقم 2254 (2015)، الذي هو بمثابة خارطة طريق للسلام في سوريا تبنّاها مجلس الأمن بالإجماع. غير أن دي ميستورا يلقي باللوم الرئيسي على انعدام وحدة صفوف المعارضة في عدم القدرة على المضي قدماً: “دعوني أبدأ بالمعارضة. لدى ممثلو المعارضة المدعوون إلى محادثات جنيف… عمل هام وملحّ للقيام به من أجل تطوير مواقف تفاوضية مشتركة وتعزيز وحدتهم. لقد حان الوقت… فقد أشارت الحكومة إلى أنها ستكون على استعداد لتكثيف مشاركتها مع معارضة موحدة ومع وضوح بشأن المبادئ التي تحكم العملية السياسية”.

وفي الوقت نفسه، تربط لجنة التحقيق الدولية رفض الحكومة السورية لمناقشة الانتقال السياسي بفشل محادثات السلام الأخيرة للأمم المتحدة بشكل مباشر: “اختُتِمت الجولة الأخيرة من المحادثات بين السوريين في جنيف في 15 تموز/يوليو. وعلى الرغم من الجهود المستمرة التي يبذلها المبعوث الخاص، لم تُجرَ محادثات مباشرة، ولا يزال الصّدع في المواقف بين الأطراف واسعاً. حيث تصرّ حكومة الجمهورية العربية السورية على التصدّي لمسألة مكافحة الإرهاب قبل إجراء أي نقاش حول المرحلة الانتقالية، في حين أن المعارضة تعطي الأولوية لمناقشة الانتقال السياسي على النحو المنصوص عليه في قرار مجلس الأمن 2254 (2015).”

وبما أن المجتمع الدولي قد طرح القرار رقم 2254 كأساس لتسوية تفاوضية، فينبغي النظر إلى موقف الحكومة على أنه معرقِل أكثر مما أشار إليه دي ميستورا.

 

  1. تصوير جرائم الحرب التي ترتكبها القوات الحكومية على أنها مقاربات عسكرية

لقد استخدمت الحكومة السورية مراراً تكتيكات ترقى إلى جرائم الحرب في سعيها للتوصل إلى حل عسكري في سوريا. وتُرتكب جرائم الحرب، بحكم تعريفها، انتهاكاً للقواعد الدولية المقبولة للنزاع المسلح. ولكن دي ميستورا يقترح في تصريحه أن المسألة قيد النقاش هي مجرد أن الحكومة تفضّل حلاً عسكرياً أكثر من حل سياسي – متجاهلاً الطريقة التي تستخدمها القوات الحكومية لتحقيق ذلك: “هناك أوقات يتم فيها إرسال إشارات عامة قوية [من قبل الحكومة] تشير إلى مقاربة عسكرية حصرية، واستبعاد احتمال إجراء أي مفاوضات سياسية فعلية”. وإن الضرورة الملحة التي يشعر بها المجتمع الدولي لإنهاء الصراع على أساس المبادئ المبينة في القرار رقم 2254 ليست مجرد إنهاء صراع عسكري، بل لإنهاء صراع استهدف المدنيين بشكل وحشي ومنهجي.

ويقدّم تقرير لجنة التحقيق الدولية فهماً أوضح للموضوع– إنهاء استخدام الطرق المحظورة بموجب القانون الإنساني الدولي. ويوضح أحد الاقتباسات من التقرير الإجراءات التي اتخذتها الحكومة في إدلب: “بين آذار/مارس ونيسان/أبريل، عندما صعّدت القوات السورية والروسية من حملتها الجوية… وقد وقعت هذه الهجمات قُبَيل استخدام القوات السورية للأسلحة الكيميائية في المنطقة نفسها، مما منع ضحايا الهجمات الكيميائية من الحصول على العلاج الطبي الأساسي. وفي إحدى الهجمات، استخدمت القوات الموالية للحكومة الكلور، بينما استخدمت في أخرى ذخائر عنقودية حارقة. وقد سبق للجنة أن رفعت تقارير بشأن قيام القوات الموالية للحكومة باستخدام هذه الأسلحة لمهاجمة مرافق طبية وأفراد يقدّمون الرعاية الطبية شرقي مدينة حلب”.

وفي كل يوم يستمر فيه الصراع، يتعرض المزيد من المدنيين إلى التهجير، وتزداد أعداد الأشخاص المفقودين، ويحدث المزيد من الدمار المكلف، ويزيد عدد الأطفال الذين يعانون على نحو يترك أثراً دائماً، كما تُرتكب فظائع أكثر مع الإفلات من العقاب. ولا تعكس تصريحات دي ميستورا حقيقة هذا الواقع.

 

  1. التفاخر بأن المحادثات التقنية قد أحرزت تقدماً، على الرغم من كونها واهنة ومتصدّعة

في تموز/يوليو الماضي اختتم دي ميستورا جولة من محادثات سلام جنيف بقوله للصحفيين بأنه لم يتم تحقيق “أي انفراج” في المفاوضات. ومنذ انطلاقها في عام 2012، تم النظر على نطاق واسع إلى المحادثات على أنها غير مجدية. وكان الرئيس السوري بشار الأسد نفسه قد وصف المحادثات بأنها غير ذات صلة وأنها “مجرد اجتماع لوسائل الإعلام”. وقد بدأت المحادثات في أستانة، كازاخستان هذا العام – بقيادة روسيا وإيران وتركيا – في محاولة لتحقيق النجاح حيث فشلت محادثات جنيف – ولاسيما لفرض شروط فورية لوقف إطلاق النار. ومع ذلك، كان التقدم ضئيلاً ومثيراً للجدل. حيث لم تفضِ أستانة إلى حدوث انفراج كبير، وعندما وقّع حلفاء الحكومة السورية اتفاقاً مبدئياً في أيار/مايو يدعو إلى إنشاء مناطق آمنة في سوريا، خرج وفد المعارضة من الغرفة احتجاجاً وعلّقوا مشاركتهم في وقت لاحق. وعلى الرغم من النظرة القاتمة للمفاوضات في كل من جنيف وأستانة، إلا أن دي ميستورا يُصدر رواية إيجابية شاملة للتطورات الأخيرة: “لقد أطلعتكم آخر مرة على التقدم الذي أحرزناه معهم في جولتين من المحادثات التقنية للأمم المتحدة في جنيف والمناطق المجاورة– لقد حدث تقدم جوهري هام ينبغي أن يُستخدم الآن كنقطة انطلاق لمزيد من الجهود”.

وعلى النقيض من ذلك، يقرّ تقرير لجنة التحقيق الدولية بالوضع المتصدّع للمفاوضات: “في حين حقّق مسارا أستانة وجنيف بعض التقدّم، فإن الافتقار إلى آليات إنفاذ فعالة وغياب اتفاق أوسع حول الأولويات ضمن الإطار السياسي الأوسع بين الأطراف يجعل هذا التقدم هشاً. وقد دعت اللجنة باستمرار الى عملية سياسية شاملة ووقف اطلاق النار فى جميع انحاء البلاد على نحو أبعد من الاتفاقات المحلية”.

یدعم المركز السوري للعدالة والمساءلة المحادثات وقد شارك بنشاط في غرفة دعم المجتمع المدني في عام 2016. حيث یتفق معظم المراقبين علی أنه لا یوجد حل عسكري لھذا الصراع. ولكن التسوية التفاوضية يجب أن تأخذ في الاعتبار الحقائق على أرض الواقع وأن تشمل العدالة والمصالحة، مع التركيز على احتياجات الضحايا من أجل الحصول على أي فرصة مستدامة للنجاح. وإن تأكيد دي ميستورا المفرط على مكافحة الإرهاب والانتخابات والدستور يبرهن على أن هناك فصل بين المحادثات والأشخاص الأكثر تضرراً بالصراع. وأدت تصريحاته أمام مجلس الأمن إلى تفاقم هذا الشعور بين السوريين.

يحثّ المركز السوري للعدالة والمساءلة المبعوث الخاص للأمم المتحدة على إعادة تركيز الاهتمام على مخاوف حقوق الإنسان والشواغل الإنسانية الحالية، بما في ذلك إمكانية وصول المدنيين إلى الغذاء والدواء، والإفراج عن المحتجزين، والرصد المستقل لجميع مرافق الاعتقال التابعة للمعارضة والحكومة، والوقف التام للهجمات العشوائية من جانب الجميع أطراف الصراع. ومن خلال البدء بتدابير بناء الثقة في إطار حقوق الإنسان، سيكون لدي دي ميستورا أساساً لمعالجة قضايا أكبر وطويلة الأجل مثل صياغة الدستور بطريقة تشاركية.

لمزيد من المعلومات أو لتقديم ردود الأفعال والآراء، يرجى إدراج تعليقك في قسم التعليقات أدناه، أو التواصل مع المركز السوري للعدالة والمساءلة على [email protected].

 

 




المصدر