توارث الأسماء… حروب اجتماعية
13 تشرين الأول (أكتوبر)، 2017
فوزي طفل سوري لا يتعدى عمره اليوم 5 أشهر. كغيره من المواليد، جاء فوزي إلى الحياة وقد سبقه اسمه، لكنّ ذلك لم يمرّ بسلام في عائلته. تقول شيرين (29 عاماً) وهي والدة الطفل: “كنا ننتظر مولوداً منذ خمسة أعوام، لجأنا إلى التلقيح الصناعي الذي كان طريقاً صعباً، فوزي هو الحفيد الوحيد لعائلة زوجي كما أنّ زوجي هو ابنهم الوحيد، حين بشرتني الطبيبة بالحمل، هرعت إلى زوجي وعائلته لأخبرهم بالأمر، لكنّ فرحتي لم تدم طويلاً حين بدأوا في تهنئتي باسم أم فوزي”. تضيف: “فوجئت أنّه وبالنسبة للجميع فاسم الطفل كان محسوماً مسبقاً، وبالرغم من أنّ الاسم لم يكن يرق لزوجي كثيراً، لكنّه كان شبه مجبر على تقبله”.
تضيف: “أول خلافاتنا كانت حين طرحت على زوجي اقتراحاتي لاسم الطفل وكنت حاملاً في الشهر الرابع، فحاول أن يناقش والديه بالموضوع. طلب والده ورقة الاقتراحات ومزقها ببرود قائلاً: هذا ابننا نحن واسمه فوزي. منذ ذلك الحين تغيرت علاقتي مع أهل زوجي تماماً وكانت بداية لخلافات بدأت ولم تنتهِ”.
تتمسك عائلات سورية كثيرة حتى اليوم بأن يحمل الحفيد الأول، خصوصاً، اسم جده، وغالباً ما يستخدم الأهل كلّ نفوذهم وسلطتهم المعنوية على الأبناء لاتباع هذه العادة، التي تنتشر منذ القدم في معظم المجتمعات على اختلاف أشكالها وألوانها، ويفسرها البعض بانعكاس لغريزة حب البقاء داخل الإنسان.
يفتخر عبد الرحمن (36 عاماً) أنّ اسم ولده هو “علي بن عبد الرحمن بن علي بن عبد الرحمن”. يقول: “نحافظ على هذه العادة في عائلتنا منذ أكثر من 400 عام. سميت ابني باسم جده كدليل على احترامي وتقديري لوالدي حينها، أما اليوم وبعد مماته فهو إحياء لذكراه”. يردف: “لم تكن زوجتي راضية تماماً، لكنّي منحتها حق تسمية كلّ أطفالنا المقبلين، مقابل تسمية طفلنا الأول”.
لم يتوقع حسام (32 عاماً) من حلب أن يصل ردّ فعل والديه إلى حد القطيعة بعدما خالفهم الرأي وقرر تسمية ولده باسم فادي بدلاً من فخري وهو اسم والده. يقول: “صار عمر ولدي خمسة أشهر، وهو الحفيد الأول لوالديّ، ولم يرياه حتى اليوم، مع أنّ والدي كان متشوقاً ليوم ولادة حفيده الأول. ربّما لأنّه رجل صلب ولم يعتد يوماً أن يخالفه أحد، لكنّي لم أتخيل أنّ محبتهم لنا وله مرتبطة بالاسم فحسب”. يضيف: “منذ سنوات، والكلّ ينادونني أبو فخري.
صار لزاماً عليّ أن أبرر لكلّ من هم حولي لماذا لم أسمّه بهذا الاسم، بالرغم من محبتي لوالدي لن أتراجع، فالمحبة من وجهة نظري غير مرتبطة بالأسماء، وإن لم يعتد على الأمر اليوم سيعتاد غداً”.
لا تقتصر الخلافات على أسماء الأطفال الذكور. فاطمة (34 عاماً) من دمشق، أم لطفلين، تقول: “أنا ضد توريث أسماء الجدات للطفلات، فمجتمعنا لا يعيب على الذكور أسماءهم، لكن بالنسبة للفتيات فالأمر مختلف. من جانب آخر، معظم أسماء الذكور صالحة لكلّ زمان ومكان ليس كأسماء الفتيات، فبعض أسماء الإناث القديمة عقاب في حد ذاتها”. تضيف: “سميت طفلي الأول عبد الله على اسم جده وعن طيب خاطر، لكن حين ولدت طفلتي منذ شهرين نشب خلاف عائلي كبير مع زوجي ووالديه، وخرجت من المستشفى لأفاجأ أنّ زوجي سماها حفيظة على اسم والدته، بالرغم من أنّه كان يعلم رفضي التام للموضوع”. تعلق: “رفضت العودة إلى المنزل حتى يقوم بتغيير الاسم. هددوا زوجي بالقطيعة إن غيّره وهددني هو بالطلاق، وانتهى الأمر بأن نسميها حفيظة ونناديها حلا… آمل أن تسامحني حين تكبر”.
في المقابل، يعترف أحمد (31 عاماً) من دمشق بأن تسمية مولوده باسم والده فهد كانت كفيلة بالتقرب منه بعد فترة طويلة من الخلافات التي بدأت منذ زواجه بزوجته الحالية ورفضه الزواج بابنة عمته. يقول: “منذ زواجي، لم تكن علاقتي بوالدي طبيعية، وحين رزقت بطفل منذ بضعة أشهر قررت تسميته على اسمه بالرغم من أنّه لم يطلب مني ذلك. غمرته فرحة كبيرة، وتغيرت معاملته معي ومع زوجتي تماماً منذ ذلك الحين”. يضيف: “لم أتوقع أن يؤثر الأمر في أهلي بهذه الطريقة، صارت زياراتهم إلينا متكررة أكثر، وخلافاتهم مع زوجتي اختفت تماماً”.
من جانبها، تعتبر المعلمة السورية ماجدة مصطفى أنّ “الخلاف على تسمية الأطفال على أسماء أجدادهم، قديم جديد في المجتمع السوري، وهو جزء من صراع الأجيال، وتأرجح الناس بين التمسك بالعادات والحداثة”. تضيف: “في رأيي، من الواجب التفكير في حق الطفل بالحصول على اسم يمكن أن يكون مقبولاً بالنسبة إلى جيله”. من خلال عملها في تعليم المرحلة الابتدائية طوال 23 عاماً، تقول مصطفى: “كثر من الأطفال كانوا يحملون أسماء مزدوجة كون اسمهم الحقيقي غير مرغوب فيه اجتماعياً، مثل تلميذتي سعدية التي ينادونها سما، ونوفة التي ينادونها لانا، وهي حالة غير مريحة بالنسبة للطفل. هناك من يتعرضون للعنف اللفظي بسبب أسمائهم وهو ما يؤثر على ثقتهم بأنفسهم وشخصيتهم مستقبلاً”.
[sociallocker] [/sociallocker]