‘نيو يورك تايمز: ما الذي قتل مستقبل الشيوعية الإسلامية؟’

14 تشرين الأول (أكتوبر)، 2017
11 minutes

[ad_1]

للحظةٍ وجيزة بعد انتفاضات البلاشفة عام 1917، بدا وكأنَّ الثورة قد تندلع عبر مساحاتٍ شاسعة من العالم، تحت الراية المشتركة للشيوعية والإسلام. ظهرت الجامعة الإسلامية في العقود الأخيرة من الإمبراطورية العثمانية، مع محاولات السلطان عبد الحميد الثاني الذي أعلن نفسه الخليفة بين المسلمين. بدأت أشكالٌ جديدة من التعليم، والجمعيات الإسلامية في الظهور في جميع أنحاء العالم العربي، وخارجه. من مصر والعراق إلى الهند، وإندونيسيا، حيث أصبح الإسلام صرخةَ تعبئةٍ ضد الاستعمار الأوروبي، والإمبريالية.

جذبت قدرة الإسلام في التعبئة الناشطين الشيوعيين في بدايات القرن العشرين. تحالف البلاشفة، الذين يفتقرون إلى البنية التحتية التنظيمية في الأراضي الإسلامية الشاسعة من الإمبراطورية الروسية السابقة، مع الإصلاحيين الإسلاميين في تلك المناطق، وأنشؤوا مفوضيةً خاصة للشؤون الإسلامية تحت راية التتري البلشفي سلطان غاليف، ووعدوا بإقامة “شيوعية إسلامية” مميزةٍ في جميع أنحاء القوقاز، وآسيا الوسطى. خلال مؤتمر شعوب الشرق في باكو عام 1920، فيما يعرف اليوم بأذربيجان، دعا رئيس الكومنترن غريغوري زينوفييف، وهو يهوديٌّ أوكراني، إلى شنِّ “حرب مقدسة” ضد الإمبريالية الغربية.

ولكنْ -كما نعرف الآن، فشلت الشيوعية والإسلام في إقامة تحالفٍ دائم. وبحلول بداية الحرب الباردة، بدا أنَّ تعارضهما نهائي. حيث قسمتْ الآراءُ المختلفة حول الشيوعية، المسلمين في جميع أنحاء آسيا، وأفريقيا، والشرق الأوسط في كفاحهم من أجل الاستقلال، والتحرر خلال النصف الثاني من القرن العشرين، وظهر جهادٌ معادٍ للشيوعية بشكل أساسي، أعاد بدوره تشكيل أفغانستان في الثمانينيات، وساعد في تمهيد الطريق لظهور القاعدة، وأشكالٍ جديدة من الإرهاب الإسلامي.

ومع ذلك، في زمن الثورة الروسية، بدتْ ملامح تشارك الشيوعية والإسلام تبشر بالخير، ولعلّها لم تكنْ أكثر إشراقًا مما كانت عليه في إندونيسيا التي وقعت بعدئذ تحت الحكم الهولندي: بين الأعوام 1918-1921، قام منظمو العمال اليساريون بالعمل بجدٍّ مع علماء المسلمين، والتجار المسلمين المتدينين، ببناء أكبر حركةٍ جماهيرية في جنوب شرق آسيا.

على مدى العقد السابق، أنشأ ناشطو العمال الإندونيسيون بالفعل اتحادًا قويًّا يمثل العمال في شبكة السكك الحديدية الواسعة التي تخدم اقتصاد المزارع الشاسع في جاوة، وسومطرة. وبحلول عام 1914، توسع الاتحاد الإندونيسي الاشتراكي الديمقراطي، من تنظيم العمال بين عمال السكك الحديدية، إلى أشكالٍ أوسع من النشاط الاجتماعي، والعمل السياسي ضد الحكم الاستعماري.

على وجه الخصوص، بدأ الأعضاء بالانضمام إلى الجامعة الإسلامية (إسلام ساريكات)، وهي منظمة تأسست في عام 1912، كجمعيةٍ لتجار الأقمشة المسلمين التي تحولّت إلى حركةٍ شعبية أوسع، وصارت تنظم مسيراتٍ جماهيرية، وإضرابات في جاوا. كان النفوذ الاشتراكي داخل (إسلام ساريكات) واضحًا بالفعل، في مؤتمر الحركة في عام 1916، حيث أُعلن أنَّ النبي محمد “أبو الاشتراكية، ورائد الديمقراطية” و”الاشتراكي بامتياز”.

ظهرت الجامعة الإسلامية في العقود الأخيرة من الإمبراطورية العثمانية، مع محاولات السلطان عبد الحميد الثاني، كما هو موضح في هذه الصورة غير المؤرخة، بادعاء لقب الخليفة بين المسلمين. كوربيس كوربيس، من صور جيتي

كما ألهمت الثورة الروسية الجامعة الإسلامية (إسلام ساريكات). وبحلول أواخر عام 1917، بدأ ناشطون من (الاتحاد الإندونيسي الاشتراكي الديمقراطي) التحريضَ والتنظيم بين صفوف القوات المسلحة الهولندية في جزر الهند الشرقية. وباعتماد التكتيكات الناجحة للبلاشفة في روسيا، تمَّ تجنيد المئات من البحارة، والجنود على أمل تنظيم التمرد، والانتفاضات، حيث قامت السلطات الاستعمارية الهولندية بإلقاء القبض على الناشطين وسجنهم فورًا، وأمرتْ بطردهم من الجزر.

ولكن بحلول عام 1920، أعاد الاتحاد الاشتراكي الديمقراطي تسمية نفسه الاتحاد الشيوعي لجزر الهند، ليصبح أولَّ حزبٍ شيوعي في آسيا ينضم إلى الكومنترن. تمَّ تشكيل نقاباتٍ جديدة في جاوا وسومطرة. وتجمّع الفلاحون ضد ملاك الأراضي. كما شلَّ إضرابٌ لعمال سكة الحديد لفترةٍ وجيزة منطقة المزارع في شرق سومطرة.

في هذا السياق، ظهرت شخصية تان مالاكا الأسطورية. وهو سليلُ عائلةٍ أرستقراطية من سومطرة الغربية، قضى تان مالاكا سنوات الحرب العالمية الأولى كطالبٍ في هولندا، حيث تواصل هناك مع الناشطين الاشتراكيين وأفكارهم، وشهد ثورة ترويلسترا (الاشتراكي الهولندي) قصيرة الأجل في أواخر عام 1918، والتي حاول خلالها الاشتراكيون الديمقراطيون الهولنديون محاكاة انتفاضةٍ ثورية جاريةٍ في ألمانيا. في أوائل عام 1919، عاد تان مالاكا إلى إندونيسيا، حيث سرعان ما انضم إلى تنظيم العمال، ومن ثم إلى الحزب الشيوعي المحلي في بداياته، صاعدًا بسرعةٍ إلى قيادته، قبل أنْ تنفيه الحكومة الاستعمارية، عائدًا إلى هولندا، في أوائل عام 1922.

من خلال التجربة المبكرة للقدرات الثورية المتمثلة في الجمع بين الشيوعية والإسلام، ظهر تان مالاكا في مؤتمر الكومنترن الرابع في موسكو، وبتروغراد عام 1922. هناك، أدلى بخطابٍ لا يُنسى عن أوجه الشبه بين الجامعة الإسلامية والشيوعية. وقال: إنَّ الجامعة الإسلامية ليست متدينة في حد ذاتها، ولكنها “الأخوة بين الشعوب الإسلامية، والكفاح التحرري ليس فقط للعرب، بل أيضا للهند، والجاويين، وجميع الشعوب الإسلامية المضطهدة”. وأضاف: “إنَّ هذه الأخوة”، تعني الكفاح التحرري العملي ليس فقط ضد الهولنديين، بل أيضًا ضدَ الرأسمالية الإنكليزية والفرنسية والإيطالية، وبالتالي ضد الرأسمالية العالمية ككل”.

يشير السجل الرسمي للمؤتمر إلى أنّ دعوة تان مالاكا الحماسية للتحالف بين الشيوعية والجامعة الإسلامية قد قوبلت بـ “تصفيق مثير”. ولكن مذكراته تقول إنّه بعد ثلاثة أيام من النقاش الدائر بعد كلمته، مُنِعَ رسميًا من المساهمة في صياغة البيان.

إنَّ الاستنتاجات الرسمية لمؤتمر الكومنترن الرابع، المتضمنة “أطروحات حول المسألة الشرقية”، كانت غامضةً بشكلٍ خاص حول مسألة الجامعة الإسلامية، والصمت المذهل حول إندونيسيا، على الرغم من أنَّ الحركة هناك كانت أكثر نجاحًا من أيِّ تعبئةٍ شيوعية أخرى، في ما يسمى الشرق في ذلك الوقت.

لم يكن ثمَّةَ تحالف بين الشيوعية والإسلام، لا في إندونيسيا، ولا في أيّ مكانٍ آخر. كانت قوة الشيوعية، كحركة، قدرتها على حشد العمال للنضال من أجل تحسين الأجور، وظروف العمل من خلال النقابات، سواء في باكو النفطية المزدهرة، أو مزارع جاوا وسومطرة. ولكنْ كشكلٍ من أشكال الحكومة، كانت الشيوعية تعني حكم الحزب الواحد، والاقتصاد الموجه من الدولة، والزراعة الجماعية، ومراقبة الدولة الحزبية جميع مجالات الحياة الاجتماعية، بما فيها الدين.

وعلى النقيض من ذلك، فإن الإسلاموية كانت أساسًا أكثر انفتاحًا، وذات أساس غامض للانخراط السياسي. في جاوة، وفي أماكن أخرى، قدم “الإسلام” رايةً للتجار المسلمين للتغلب على التعدي الاقتصادي من قبل غير المسلمين، وبناء بنيةٍ تحتية للتنظيم في الريف، إلى حدٍّ كبير من خلال المدارس الإسلامية. من الناحية السياسية، كانت فكرةً نبيلة: يمكن للعلماء والناشطين الإسلاميين أن يكونوا مع الاستعمار، أو الشيوعية، أو الرأسمالية.

في إندونيسيا، بدأت التوترات بين الشيوعيين، والقادة الإسلاميين بالفعل في تقسيم الجامعة الإسلامية (إسلام ساريكات) في أوائل العشرينيات. وحثَّ الشيوعيون على تصعيد الإضرابات والاحتجاجات، في حين دعا القادة الإسلاميون إلى تسويةٍ مع السلطات الاستعمارية الهولندية، لكن سرعان ما تفككت الجامعة الإسلامية في مواجهة القمع الهولندي، بعد تمردٍ فاشل في عامي 1926-1927.

في أواخر الأربعينيات، عارضت الأحزاب الإسلامية الحزب الشيوعي الإندونيسي، خلال النضال من أجل الاستقلال. كانت الأحزاب الإسلامية غير مرتاحةٍ لإصرار الشيوعيين على أنَّ الاستقلال عن الحكم الاستعماري الهولندي يُنهي أيضًا الامتيازات الأرستقراطية، ويخلق أشكالًا اشتراكية لملكية الأرض والصناعة. امتد هذا الصراع إلى مرحلة بدايات ما بعد الاستقلال، حيث شاركت المنظمات الإسلامية بفاعليةٍ في المذابح المناهضة للشيوعية في الفترة 1965-1966، التي دمرَّتْ الحزب الشيوعي، وأسفرتْ عن سقوط مئات الآلاف من الضحايا في جميع أنحاء إندونيسيا.

بحلول هذا الوقت، ترسخ العداء في جميع أنحاء العالم الإسلامي، واستمر طوال الحرب الباردة. وتصلبت الحواجز المؤسسية، والأيديولوجية بين الشيوعية والإسلاميين على حدٍّ سواء؛ ما أفسد آفاق تجدد التجارب في بناء التحالفات السياسية.

في المناطق الإسلامية في الاتحاد السوفيتي، قمعت الدولة الحزبية مؤسسات العبادة الإسلامية، والتعليم، والجمعيات، والحج، التي كانت تعدّ عقباتٍ أمام التحول الأيديولوجي، والاشتراكي نحو الشيوعية. وحيثما أُنشئت الدول الإسلامية، كانت السياسة اليسارية مرتبطة بالتجديف، ومستباحةً. في بلدان مثل السودان، واليمن، وسورية، والعراق، وإيران، وجدت الأحزاب الشيوعية، وغيرها من الأحزاب اليسارية نفسها في منافسةٍ مريرة على السلطة مع الإسلاميين.

كان أحدُ أسباب فشل القوى الثورية، في التعبئة تحت الراية المشتركة للشيوعية والإسلام، هو تقسيم المسلمين بشدة، وإضعاف قدراتهم أولًا لمحاربة الاستعمار خلال النصف الأول من القرن العشرين، ومن ثمَّ مقاومة صعود الاستبداد في العالم الإسلامي. وكان هناك تأثيرٌ آخر هو تحفيز أشكالٍ جديدة من التعبئة الإسلامية المدعومة من الولايات المتحدة، والمضادة للسوفييت خلال الحرب الباردة، بما في ذلك بعض الذين تحولوا إلى جماعاتٍ إرهابية مناهضةٍ للغرب التي تجتاح العالم اليوم.

كما ساعدت الانقسامات بين اليساريين والإسلاميين في مصر، بعد سقوط الرئيس حسني مبارك في عام 2011 في تمهيد الطريق لعودة البلاد إلى الحكم العسكري في منتصف عام 2013. وقد أدّتْ توتراتٍ مماثلة إلى تقسيم المعارضة ضد الرئيس بشار الأسد في سورية، ما مهّد الطريق لانحدار البلاد إلى حربٍ أهلية منذ ست سنوات. بعد قرنٍ كامل من الثورة الروسية، لا يزال التحالف الفاشل بين الشيوعية والإسلام يُشكّل سياسة العالم الإسلامي.

اسم المقالة الأصلي
What Killed the Promise of Muslim Communism?

الكاتب
جون تي. زيديل، John T. Sidel

مكان النشر وتاريخه
نيو يورك تايمز، The New York Times، 9/10

رابط المقالة
https://www.nytimes.com/2017/10/09/opinion/muslim-communism.html

عدد الكلمات
1347

ترجمة
أحمد عيشة

جون ت. زيديل هو السيد باتريك غيلام، أستاذ السياسة الدولية والمقارنة في كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية، ومؤلف كتاب (الجمهورية والشيوعية والإسلام: الأصول الكوسموبوليتانية/ العالمية للثورة في جنوب شرق آسيا). وهذا هو مقال في سلسلة القرن الأحمر، عن تاريخ وتراث الشيوعية بعد 100 سنة من الثورة الروسية.

أحمد عيشة
[ad_1] [ad_2] [sociallocker]

المصدر

[/sociallocker]

جيرون