on
“شبكات” لتحصيل الأوراق الرسميّة ..الفساد يفتح نافذة للهاربين من الخدمة العسكريّة
شكّلت خشية الشباب السوري في مناطق النظام من الخدمة العسكرية، أحد أهم الأسباب لهجرة هؤلاء خارج البلاد، ولا يعد هذا الأمر جديداً فقد كان الشاب يختار السفر لمدة خمس سنوات ليقدم في النهاية نتيجة تعبه إلى “المؤسسة العسكرية” مقابل أن لا يخدم في صفوفها.
لكن الأمر لم يعد بهذه السهولة بعد عام 2011، فقد أصبح هناك ما يقيّد خيارات السفر وأصعبها موافقة شعبة التجنيد أو ما يعرف بورقة “لا مانع من السفر”، ما يعني أنه ليس مطلوبًا للخدمة، والتي تتحدّد مدة صلاحيتها بـ 3 أشهر، ومقابل صعوبة الحصول على الورقة وجدّ الباحثون عنها طرقاً “بديلة” لتأمينها كما حال مختلف الأوراق الرسمية لدى دوائر النظام.
كل شيء بثمنه
يرى جمال.ع، الذي علمَ مؤخراً بطلبه للخدمة الاحتياطية، أنه لم يبقَ له مهرب سوى السفر خارج البلاد، ويقول لـ “صدى الشام”: “لم أتوقع أن يتم استدعائي وأنا على أبواب الأربعين من العمر، عند مراجعة شعبة التجنيد لم يتم إعطائي ورقة لا مانع من السفر، فرُحتُ أبحث عن طرق أخرى للحصول عليها، هناك من عرض على جواز سفر دون الحاجة لتلك الورقة لكن ستكلفني مليون ليرة سوريا، وهناك من عرض أن يعفيني من الخدمة الاحتياطية مقابل 10 ملايين ليرة، لكن أرخص الطرق هي الحصول على “لا مانع” مزورة وهي لن تُكشف في الجوازات، وهذه تختلف تكلفتها ما بين 300 و500 ألف ليرة”.
من جانبه، يقول جابر.ك، الشاب الذي لم ينهِ دراسته الجامعية والمطلوب للخدمة العسكرية الإلزامية منذ نحو 10 سنوات، “قبل عام 2011 كان التخلف عن السَّوق أمر طبيعي، وهناك كثيرون كانوا يتخلفون سنوات، لكن بعد تحول الصراع في سوريا إلى صراع مسلح وانتشار الحواجز في الشوارع وازدياد التدقيق على البطاقات الشخصية، لم أعد أستطيع التحرك من المنزل منذ عام 2015، قبل أشهر استطعت عبر مجموعة متنفذة من النظام أن أحصل على جواز سفر، وبعد حصولي على تأشيرة دخول لأحد الدول الخليجية، جاؤوا بسيارة ونقلوني من البيت إلى باب الطائرة، وغادرت البلاد دون أن يتعرض لي أحد”.
مبالغ أو علبة سجائر
يعدّ السفر إلى لبنان بطرق غير شرعية، حلاً في المتناول بالنسبة لكثيرين، “لم أوفر سبيلاً لكي أحصل على جواز سفر لكني لم أنجح في ذلك، وأصبحت مطلوباً ويمكن أن أعتقل في أي مكان لأُساق إلى القتال في دير الزور أو حماة، ما يجعلني معرضاً للحصار والإصابة بعاهة دائمة”. يصف نور.ق واقعه وهواجسه في هذه المرحلة عقب إنهاء دراسته الجامعية، ويضيف: “أنا لا أعلم إلى اليوم لماذا علينا الموت بهذا الشكل، لذا قررت السفر ولو كان بشكل غير شرعي”.
ويتابع “كان لدي خياران إما الخروج باتجاه الشمال السوري ومنها إلى تركيا وهذه الرحلة ستكلفني 3 آلاف دولار أمريكي، أي ما يعادل نحو مليون ونصف المليون ليرة سوريّة، وإما باتجاه لبنان وهو ما سيكلفني 400 دولار أمريكي ما يعادل نحو 200 ألف ليرة، وهناك من حدثني عن أشخاص يمكن أن يؤمنوا دخولي إلى الأردن مقابل 1400 دولار أمريكي أي نحو 700 ألف ليرة، ولكن الوضع ليس آمناً بشكل كبير، فاخترت التوجه إلى لبنان”.
وبالإضافة إلى هذه الحلول هناك متنفذون في مؤسسات النظام أو ميليشياته يعرفون خبايا ومفاتيح تسيير أي ورقة، وهؤلاء يقومون بنقل العديد من الشباب من سوريا إلى لبنان وبالعكس مع أنهم مطلوبون للخدمة، دون أن يتم التدقيق ببطاقاتهم الشخصية من قبل عناصر الحواجز، الذين يجمعون الأتاوات من السيارات بغض النظر عما تحمل من أشخاص أو بضائع، ويعلّق نور بالقول “المضحك بالأمر أن غالبية الحواجز تأخذ مبالغ زهيدة أو علبة سجائر مقابل عدم التدقيق والتفتيش”.
عصابات
في ظل واقع الفساد المستشري، ظهر أشخاص ومجموعات يختصون باستخراج الأوراق الرسمية بأساليبهم الخاصة أو تزويرها وهم عبارة عن عصابات تقوم بكل ما يلزم من استخراج أوراق ومعاملات إلى تزوير أوراق وبطاقات شخصية وجوازات سفر وغيرها من الأوراق التي قد يحتاجها الشاب الراغب بالهرب.
هذا الواقع أدى إلى وجود سماسرة يتصيدون زبائنهم بطرقهم الخاصة. ويعلن النظام بين حينٍ والآخر قيام أجهزته بإلقاء القبض على مثل هذه العصابات، والتي كان آخرها الأسبوع الماضي، حيث ذكرت وكالة سانا التابعة للنظام، أنه تم اعتقال مجموعة من المزورين وجد لديهم 150 ختمًا رسميًا مزورًا وطابعتان ملونتان، وغيرها من احتياجات التزوير.
تداخل مصالح
تقول مصادر معارضة في دمشق، لـ “صدى الشام” إن “منظومات الفساد داخل النظام قديمة وسابقة للوضع الذي تعيشه سوريا اليوم، وإن كانت اليوم أكثر فجاجة ووضوحاً وانتشاراً، وهي شبكات معقدة من المصالح والمنافع المادية، والتي تحولت إلى لوبيات ترعى الفساد والإفساد، على أعلى المستويات”.
وتضيف “حتى نجد أن كل الإجراءات التي تتخذ من النظام تصب في مصلحة أزلامه حيث يصمت عن فسادهم مقابل ولائهم الأعمى في ظل تردي الأوضاع المادية للموظفين خاصة، الذين لا يسأل النظام إن كانت رواتبهم التي لا تزيد عن 30-40 دولارًا كافية لهم”.
ويلفت إلى أنه “قبل فترة ليست ببعيدة انتشرت أخبار عن استغلال وزير الدفاع أحد بنود قانون التجنيد التي تتيح للقيادة بأن تعفي من تريد من الخدمة الإجبارية والاحتياطية للأسباب التي تراها مناسبة، والتي يقال إنها درت عليه مئات الملايين، قبل أن يتم إلغاء الفقرة بعد أن كثر الحديث حول فساد الوزير، حتى في أوساط الموالين للنظام، وبالرغم من ذلك بقي في منصبه”.
المصدر