مخيم زوغرة.. حلول مبتكرة لمواجهة الشتاء




لم يستكن عماد أبو علي، لحالة اليأس والإحباط التي تسود أجواء مخيم زوغرة بالقرب من جرابلس، فرغم ضعف إمكانياته دخل الثلاثيني في سباق محموم مع الوقت، آملاً أن ينتهي من تنفيذ مشروعه قبل دخول فصل الشتاء لهذا العام والذي تنذر تباشيره الأولى بأنه قد يكون قاسياً.

وعلى ما يبدو فقد كان لوعود المنظمات بتأمين كرفانات بدلاً من الخيم المتهالكة، دورٌ كبير في تأخير تنفيذ مشروع أبو علي، لكنه أيقن مؤخراً أنه ينتظر وعوداً لن تتحقق.

ونتيجة لذلك، لا يجد أبو علي اليوم الكثير من الوقت للراحة، حيث يقضي معظم يومه في تجهيز “البلوك الطيني” لبناء بيته الجديد بدلاً من الخيمة التي لن تقيه وأطفاله برد وأمطار الشتاء.

خيَم متهالكة

يقع مخيم زوغرة في الجهة الغربية لمدينة جرابلس، ويضم نحو 1200 عائلة من أهالي حي الوعر بحمص، تم تهجيرهم من قبل النظام على دفعات عدة من الحي الحمصي إلى ريف حلب الشمالي خلال الربع الأول من العام الجاري.

ومنذ لحظة وصولهم المخيم وإلى الآن، يعاني السكان من أوضاع إنسانية سيئة بالمجمل، يفاقمها تهالك وتمزق الجدران القماشية للخيام، وكذلك ضعف الخدمات التي تقدمها إدارة المخيم الذي تشرف عليه منظمة إدارة الطوارئ والحروب التركية (آفاد).

ورغم الشكاوى والمناشدات الكثيرة التي أطلقها سكان المخيم، لا يزال الوضع في المخيم كما هو، باستثناء المدرسة التي تم افتتاحها قبل أشهر من اليوم.

هذا الواقع دفع المهجّرين إلى حال من الضيق دفعهم للمناشدة حيناً والتندّر أحياناً أخرى، حتى بلغ الأمر بأحدهم أن يكتبَ شعراً  يصف حالهم يقول فيه “خافوا الشتاء كأنه نذر التتار…خافوه يأتي حاملاً….لؤم الصقيع على الصغار…في زوغرة…شعب تخلص من حصار…فرموه في ظلم الطبيعة والسياسات والقفار”.

وهمٌ وانتهى

فقدت الوعود مصداقيتها بالنسبة لعماد أبو علي، بمجرّد وصوله مع عائلته إلى المخيم قادماً من حي الوعر، نتيجة عدم تطابقها مع الواقع.

يقول أبو علي، قبل خروجنا من حي الوعر أخبرونا بأن هناك كرفانات مجهزة خصصياً لنا، بينما وجدنا خياماً غير منصوبة، وحتى اليوم لا تزال الوعود تصلنا من حين لآخر، بينما بدأ الشتاء يطرق الأبواب.

ويضيف لـ”صدى الشام” بلهجة محلية، “الشتوية أجت وخيامنا تخانة والعالم ما عرفانة شو بدها تعمل”.

ويشير أبو علي أنه “كان لا بد من التحرك السريع، على الرغم من قلة الخبرة وضعف الإمكانات المادية، ومن هنا جاءت فكرة البيوت الطينية”.

“هناك حلول لكل شيء”.. يضيف “سألنا أصحاب الخبرات في هذا المجال وتعلمنا منهم كيفية بناء البيوت الطينية ونحن نطبق ما تعلمناه، ونأمل في القريب العاجل أن ننجز أول بيت طيني”.

لماذا وقع الاختيار عليها؟

رداً على هذه سؤال حول البيوت الطينية، يشير أبو علي إلى ارتفاع تكلفة البيوت الحجرية، ويوضح أن ثمن البلوكة الواحدة يصل إلى 135 ليرة سورية، بينما يبلغ سعر كيس الإسمنت قرابة الألفي ليرة سورية، وهي مبالغ ليست متوفرة بحوزة كل سكان المخيم.

ويؤكد بالمقابل، أن بعض سكان المخيم بنوا مساكن من البلوك، ويستدرك “لكن ليس باستطاعة كل السكان تأمين المبالغ الكبيرة التي يتطلبها بناء المساكن”.

ويستطرد قائلاً، أما البيوت الطينية لا تتطلب مبالغ مالية، وإنما تتطلب الجهد العضلي فقط، ويعقب ضاحكاً “هذا مقدور عليه فنحن شباب والبركة بالشباب كما يقال”.

البيوت الطينية

من جانب آخر يشرح أبو علي خطوات بناء البيت الطيني بقوله، “نقوم بجلب تراب لونه مائل إلى البياض قليلاً من مناطق مجاورة ونخلطه مع التربة المحلية الحمراء اللون، بينما تتولى النساء والأطفال جمع القش من الحقول، وبهذا تكون المواد الأولية مكتملة”.

ويكمل، نقوم بعجن وخلط التراب مع القش بالماء، ومن ثم نضع الخليط في قوالب خشبية ونترك البلوك تحت أشعة الشمس حتى يجف ويتماسك، ويوضح بالقول: “نتساعد أنا ومجموعة من سكان المخيم في بناء بيوتنا جميعاً، وفي كل يوم ننجز ما بين 500-1000 بلوكة”.

ومقابل ذلك، يواجه أبو علي ورفاقه معضلة جديدة متمثلة بغلاء مادة الخشب الضرورية لصناعة أسقف المساكن، لكنه في الوقت قلل من تأثير ذلك بقوله “لا بد من حل، ارتفع سعرها أو انخفض لا بد من شرائها”.

وبحسب أبو علي، ستشهد الأيام القليلة القادمة الانتهاء من تجهيز أول مسكن طيني، يتمناه أن يكون دافئاً بما فيه الكفاية.

لا يعرف اليأس

وفي نفس السياق يعلق أبو علي بقوله ” الشعب السوري شعب جبار، قادر على تدبر أمره في أصعب الظروف وأقساها، وقد يصنع من المستحيل ومن اللاشيء أشياء جميلة”.

ويكمل “في النهاية لا بد من التأقلم مع الواقع مهما كان هذا الواقع صعباً ومؤلماً، وفي حالتنا قد نتحمل نحن الكبار برد الشتاء، ولكن هل تتحمله أجساد أطفالنا الضعيفة؟”.

ويختتم كلامه لـ “صدى الشام” مشيراً إلى تخوف سكان المخيم من مأساة فصل الشتاء الماضي، حيث غمرت مياه الأمطار الربيعية عدداً من الخيام حينها.




المصدر