ذي أتلانتيك: المعارك بعد داعش



القوات العراقية تواجه الأكراد في نذير لمجموعة من النزاعات المحتملة المقبلة.

ظهرت تقارير، يوم الإثنين، تفيد بهزيمة تنظيم (داعش) في مدينة الرقة، المدينة السورية الذي اتخذها التنظيم عاصمة له؛ ما يشير إلى انتصار كبير في المعركة المستمرة منذ سنوات ضد الميليشيا، واقتراب نهاية “الخلافة” التي أعلن عنها التنظيم. لكن ثمة دلائل على أن معارك ما بعد تنظيم (داعش) ما تزال في بداياتها: في العراق المجاور، استعادت القوات الحكومية محافظة كركوك، وهي المحافظة الغنية بالنفط والتي تخضع للسيطرة الكردية منذ عام 2014، بعد أن بدأت تتحرك في المناطق المتنازع عليها في نهاية الأسبوع.

كانت القوات الحكومية العراقية قد انسحبت من محافظة كركوك في عام 2014، وسط ما بدا، في ذلك الوقت، تقدمًا لا يمكن إيقافه لتنظيم (داعش) في شمال العراق. وسرعان ما ملأت القوات الكردية المعروفة باسم “البيشمركة” ذلك الفراغ، وفرضت سيطرتها على المنطقة، وقد اعترفت لها كلٌّ من الحكومتين، الكردية في أربيل والحكومة الوطنية العراقية في بغداد، بحقها في ذلك. (تتمتع حكومة إقليم كردستان بحكم ذاتي واسع في العراق، وتسعى إلى تأسيس دولة مستقلة). لم تُغضب هذه الخطوة بغداد فحسب، بل معظم الدول المجاورة للعراق، التي خشيت من أن يوفر الأكراد العراقيون ظروفًا لإنشاء دولة كردية، تشجع القوات الكردية الانفصالية في بلدانها. ولكن في الوقت الذي يركز فيه التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في المنطقة على اقتلاع تنظيم (داعش) من العراق وسورية؛ وجد المتنافسون الإقليميون الموجودون منذ حين طرقًا للتعاون ضد عدوهم المشترك، مع وضع خلافاتهم الكبيرة جانبًا، حتى الشهر الماضي.

حين قام الأكراد –في مواجهة ضغط دولي- باستفتاء يتعلق بإنشاء دولة كردية مستقلة، متضمنة لمحافظة كركوك، وقد كانت نتيجة الاستفتاء غير الملزِم 90 بالمئة لصالح إنشاء الدولة؛ بدأت التوترات العراقية والإقليمية الكامنة بالظهور في هذه العملية.

قال بين فان هيوفلين، رئيس تحرير هيئة تقرير النفط العراقي، وهي هيئة تركز على الطاقة والأمن في العراق، في مقابلة معه إنه يعتقد أن الاستفتاء دفع الحكومة العراقية إلى التحرك. وسأل: “هل كان لهذا أن يحدث لو لم يتم إجراء الاستفتاء؟”. وأجاب “برأيي، الإجابة واضحة ولا لبس فيها. لم يكن ليحدث هذا”.

وكان ريناد منصور، وهو باحث زميل في مركز (شذام هاوس)، مركز الأبحاث البريطاني، قد أخبرني أنه يعتقد، على وجه الخصوص، أن إدراج كركوك من قبل حكومة إقليم كردستان داخل حدود كردستان المستقلة الافتراضية، وضعت الأكراد “على طريق خطرة للغاية”. وتشكل كركوك حوالي 12 بالمئة من إجمالي إنتاج النفط في العراق، وتُعدّ من المناطق المتنازع عليها ما بين الحكومة الفيدرالية العراقية وحكومة إقليم كردستان، وبموجب دستور عام 2005، يجب أن يُحدد الكيان الذي تنضم إليه من خلال استفتاء، ولا يكون القرار بيد سكان كركوك. وقد اتخذت حكومة إقليم كردستان القرار عنهم. وقال: “إنها مقامرة كبيرة يقوم بها رئيس إقليم كردستان”، وأضاف مشيرًا إلى مسعود برزاني، “وهذا نتيجة لذلك”.

اعتُبر الأسبوع الفائت نقطة تحول؛ إذ استعادت القوات الحكومية العراقية السيطرة على مدينة الحويجة، في محافظة كركوك، من تنظيم (داعش). وكانت المدينة واحدة من المناطق الأخيرة التي سيطر عليها التنظيم في شمال العراق، وتقع جنوب غرب عاصمة المحافظة التي تدعى أيضًا كركوك. ومن هناك، كان من المفترض على القوات العراقية أن تذهب إلى حدودها مع سورية لقتال تنظيم (داعش). ولكن عوضًا عن ذلك، اتجهت إلى الشمال الشرقي نحو مدينة كركوك، واستولت عليها يوم الإثنين.

وقال فان هيوفلين: “حققت القوات الفيدرالية جزءًا كبيرًا من هدفها المعلن، وهو فرض السيطرة الفيدرالية من جديد على المناطق التي كانت موجودة فيها، قبل ظهور تنظيم (داعش) في عام 2014”. وهم يتلقون دعم واشنطن، من الناحية النظرية.

يرى الموقف الأميركي أنه يجب أن تتواجد القوات الفيدرالية العراقية في كافة المناطق التي يتم تحديدها دستوريًا كجزء من العراق الفيدرالي، بما في ذلك كركوك. وقال فان هيوفلين: “إن الحكومة الأميركية انحازت لجانب بغداد”، في ما يتعلق بكركوك. (وقد صرح الرئيس ترامب يوم الإثنين أن الولايات المتحدة لم تنحز إلى أي طرف في النزاع). “وإلى حدٍّ ما، لعبت الولايات المتحدة دورَ الوسيط بين الحكومة في بغداد، وبين الأكراد، والحزب الذي يُتحدث إليه هو الفصيل الكردي الأكثر استرضاء والأكثر استعدادًا، للتوصل إلى تسويةٍ ما”.

لا يقتصر النزاع في كركوك على المواجهة بين العرب والأكراد فحسب، فهو يحرّض فصيلًا كرديًا ضد آخر. والاتحاد الوطني الكردستاني فصيل واحد، وهو متحالف مع إيران والولايات المتحدة، وهو أكثر انفتاحًا للمصالحة مع بغداد. أما حزب برزاني الكردستاني الديمقراطي، الذي نظم الاستفتاء على الاستقلال، ويعارض السيطرة العراقية على كركوك، فهو حزب آخر. ويتحكم الاتحاد الوطني الكردستاني في معظم مدينة كركوك، وعندما اقتربت منه القوات العراقية، قامت بعض الجماعات من البيشمركة المتحالفة مع المجموعة بالانسحاب من مواقعها. وتفيد التقارير بأن المناطق التي يشتبك فيها الجيش العراقي مع البيشمركة يُقال إنها كانت تحت سيطرة الاتحاد الوطني الكردي.

وللتأكيد على الطبيعة الغريبة للسياسات الإقليمية، زار قاسم سليماني، قائد (فيلق القدس) في الحرس الثوري الإسلامي الإيراني، كردستان العراق في نهاية الأسبوع، واجتمع مع مسؤولين من الاتحاد الوطني الكردستاني للتوسط في حل الأزمة. وكان الحرس الثوري الإسلامي الإيراني قد تلقّى صفعة من العقوبات الأميركية المتعلقة بمكافحة الإرهاب، لكن هدفه، في كردستان على الأقل، التحالف مع واشنطن: لتوفير حكومة عراقية قوية. (الطرفان في جانبين متعاكسين في المعادلة السورية، حيث تدعم إيران حكومة بشار الأسد، على الرغم من أن كليهما يقاتل تنظيمَ (داعش) هناك).

إن التأثير الإيراني يثير قلق الولايات المتحدة وحلفائها من العرب السنة في المنطقة؛ إذ إن الجمهورية الإسلامية تدعم الشعب الشيعي في كافة أرجاء الشرق الأوسط، وخاصة في العراق، ذات الأغلبية الشيعية. وقال منصور: إن الولايات المتحدة تحالفت في وقت مبكر مع شريك مهمّ، ألا وهم الأكراد، في حسابات الحرب العراقية، لأنهم (الأكراد) يعارضون الحركة الإيرانية. وقال “لكن ما حدث مؤخرًا هو أن الولايات المتحدة قد قررت أنها تريد مشاركة رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، عوضًا عن ذلك –وأنه الشخص الأهم بالنسبة إليها- لأنه يعرض نفسه بأنه مستعد وراغب في تقليل التأثير الإيراني، بالإضافة إلى بناء الدولة العراقية”. ومع داعم رئيس لها، تعمل الولايات المتحدة الآن بشكل وثيق مع العراق، ويواجه الأكراد واقعًا تاريخيًا مألوفًا: لا يملكون سوى القليل من الحلفاء. قال منصور: “إن مشكلة الأكراد هي أنهم بحاجة إلى دبلوماسية. ومن دون أي نوع من حبل نجاة دبلوماسي، ومن دون أي حليف؛ لن يواجهوا إلا الخسارة. إنها مسألة بقائهم”.

إن الولايات المتحدة، التي ترغب في التركيز على هزيمة تنظيم (داعش) بشكل نهائي في المنطقة، تود من حلفائها في العراق العمل سويًا في مواجهة الجماعة المسلحة. فالأكراد، في نهاية المطاف، حليف مهم للولايات المتحدة في معاركها المناهضة لتنظيم (داعش) في سورية. وكما قال فان هيوفلين: “كما حدث في مرات كثيرة في السياسة الأميركية في العراق، كانت الحكومة الأميركية تتصرف لإخماد النزاعات بدلًا من منعها. ولم تحظَ الأزمة على الاهتمام الجاد إلا بعد أن أصبحت حالة من الفوضى العارمة”.

يبشر الوضع في كركوك بمزيد من الفوضى، على الرغم من ادعاءات الجيش الأميركي بأن تبادل إطلاق النار بين القوات العراقية والكردية كان نتيجة “سوء فهم”. وكما وصفها فان هيوفلين: “السابقة التي تم وضعها هي أن النزاعات الآن تُحل من خلال القوة، وليس السياسة”.

عنوان المادة الأصلي بالإنكليزية The Battles After ISIS اسم الكاتب بالعربية والإنكليزية KRISHNADEV CALAMUR

كريشناديف كالامور مصدر المادة أو مكان نشرها الأصلي The Atlantic مكان النشر الثاني تاريخ النشر 16/ 10/ , 2016 رابط المادة https://www.theatlantic.com/international/archive/2017/10/iraq-kirkuk/542970/ اسم المترجم مروان زكريا


مروان زكريا


المصدر
جيرون