مسكينة هذه الشعوب



إذًا.. خسر أكراد العراق في كركوك حلمَهم في ساعات، وخاب أملهم وغضبوا، بعد أن بنَوا قصورًا وبلدانًا، وصدّقوا رموزهم المقدّسة، كما صدّقها قبلهم “جيرانهم” العرب، في العراق وسورية ولبنان والجزائر ومصر واليمن والسودان، وغيرها الكثير.

مسكينة هي شعوب المنطقة، من دون استثناء، عرب وأكراد وما بينهما، شعوب تُقدّس زعماءها، على الرغم من ضآلتهم ووضاعتهم وقلّة هيبتهم، وتُصدّق -من دون نقاش- ما يقولون، وتسير خلفهم وفق ما يُخططون، وتتجاوب مع تحريضهم وشرورهم وأحلامهم ونزواتهم، من دون إجهاد النفس برفض ما يُخالف العقل والعيش المشترك وسُبل السلام.

مسكينة هي شعوب المنطقة، عرب وأكراد، مسلمون ومسيحيون، سنّة وشيعة، لم يُدركوا بعد أن السلطة يجب أن تكون مجرد وظيفة، وأن المنصب للأجدر، والبقاء فيه مُحال، وأنّ كل شيء عام يجب أن يكون تداوليًا، وكل مؤقت لا بدّ زائل، ولا رموز سوى من قدّم شيئًا ملموسًا لخدمة الإنسانية، ولسلام أهل بلده ورفاههم، ورفعة فكرهم وثقافتهم، وترسيخ قيمهم النبيلة.

تقديس الفرد آفة، وغسل للدماغ، وتنحية للذكاء والإحساس، وتحييد لكل ما هو عقلاني، ولا يمكن -في حال من الأحوال- أن يُوصل إلى برّ أمان.

صحيح أن مختلف شعوب العالم تحترم رموزها، لكنّها تختار رموزًا قدّمت لشعبها ووطنها، لتاريخها ومستقبلها، رموزًا فكرية وفلسفية وفنّية وسياسية واقتصادية، تحترمها ولا تُقدّسها، تستذكرها بسبب أعمالها الإيجابية، لا بسبب شرورها وفسادها وتحريضها وسرقاتها وأنانيتها ووقاحتها وديكتاتوريتها.

ليس محلّ احترام من يُهيّج الناس قوميًا، ليتبين لاحقًا أنه يسرق حلم شعبه، وليس محل احترام من يدّعي أنه حامي الحمى، ليتبيّن لاحقًا أنه يحمي كرسيّه، وليس محلّ احترام من يرث عن أبيه رئاسة أو وزارة أو مؤسسة عامة، ولا احترامَ لمن فسد وأفسد، وسرق وكدّس الثروات، وأثار نعرات دينية وطائفية وعرقية قومية وإثنية.

في العراق وسورية وإيران ولبنان والجزائر واليمن والسودان وغيرها الكثير، رموزٌ غير مُقدّسة، تعبث بمصير الشعوب، في إقليم كردستان العراق، وفي بغداد والنجف وكربلاء، وفي طهران وقم، وفي دمشق واللاذقية، وفي لبنان والضاحية، وتطول القائمة.

رموز غير مُقدّسة ترى أن بقاءها في السلطة أهم مكتسبات الأمة، وأن المطالبة بتنحيتها مؤامرة، والاحتجاج على قمعها وعسفها كفر، والسؤال عن الحقوق تمرّد، والمطالبة بمحاسبة الفاسد جريمة، وأن الأبد فُصِّل لهم وحدهم.

الثورة أمرٌ لا بدّ منه، في كل هذه الدول، وأشباه الدول، ضد الزعيم المقدّس، الأوحد، الأبدي، بطل الأبطال وحامي الحمى ورمز الأمة، ودون ذلك؛ ستبقى هذه الشعوب مسكينة إلى أبد الآبدين.


باسل العودات


المصدر
جيرون