من يعيد بناء الرقة؟



ترى منظمة (هيومن رايتس ووتش) أن التحالف الدولي وحليفته (قسد) لا يملكون خطة واضحة لما بعد (داعش) في الرقة، على صعيد إعادة الإعمار وإصلاح البنية التحتية وتقديم المساعدات، “الآن بعد هزيمة (داعش) في الرقة، يبدو غياب استراتيجية حقيقية للتحالف، وشركائه المحليين، أو (قوات سورية الديمقراطية) واضحًا بشكل متزايد”.

انطلق مقال تحليلي كتبه نديم حوري، مدير برنامج الإرهاب ومكافحة الإرهاب في المنظمة من (مستشفى الرقة الوطني) -مثالًا- على الكثير من القطاعات الأخرى المُهدّمة التي حُرّرت من (داعش)، وباتت حاليًا تحت سيطرة (قسد) إلا أن الأخيرة لا تملك أي مشروع أو أدوات أو صلاحيات لإعادة التهيئة، جاء فيه: “مع انقشاع دخان المعركة عن مستشفى الرقة الوطني؛ تُطرح أسئلة كثيرة: من سيقوم بإدارة المستشفى ثانية؟ من سيقوم بإعادة بنائه والدفع لأطبائه والحفاظ على معداته؟ ماذا عن المدارس والطرق والمخابز المدمرة؟ مقولة الحرب سهلة، لكنّ السلام صعب صحيحة، خاصة في الحرب ضد (داعش)، حيث لم يفكر أحد في المرحلة التي تليه”.

قال الكاتب إن “التحدي المتمثل في إعادة تشغيل المدينة ثانية أصبح أمرًا أكثر صعوبة اليوم، مزقت (داعش)، على مدى 4 سنوات من سيطرتها، الكثيرَ من النسيج الاجتماعي للمنطقة، وأفرغته من الأطباء والممرضين والمعلمين. زاد التحالف من حجم الكارثة بحملة تفجيرات يبدو أنها فضلت هزيمة (داعش) على ضرورة توفير الحماية الكافية للسكان أو البنية التحتية للمدينة. تعاني إعادة الإعمار وتحقيق الاستقرار، في فترة ما بعد الحرب، من نقص في التمويل والخبرات، مقارنة مع تكلفة وتعقيد المجهود الحربي”.

استشهد الكاتب ببعض القصص المأسوية التي وقعت في المناطق التي استولت عليها (قسد) بدعمٍ من التحالف الدولي، منذ اندلاع المعركة في 6 حزيران/ يونيو الماضي، معتبرًا أن هذه القوات (المُحرِّرة) لم تستطع إرساء أبسط قواعد الأمن والحياة في المناطق التي سيطرت عليها، “في بلدة الطبقة قرب الرقة، التي زارها المبعوث الرئاسي الأميركي الخاص للتحالف الدولي لهزيمة (داعش)، بريت ماكغورك، التقيتُ الأب الذي توفيت ابنته (12 عامًا)، عندما كانت تقف بالدور أمام مخبز قصفه التحالف، عندما قابلت الأب، بعد شهرين من استرداد المدينة من (داعش)، كانت جثة ابنته ما تزال تحت الأنقاض، لأن السلطات المحلية أخبرته بأنه لا توجد آليات لإزالة الأنقاض. جرّب الأب كل شيء لاستخراج جسدها، بما في ذلك الحفر بيديه. لم يستطع أن يفهم كيف أن التحالف القوي، القادر على تتبع أفراد (داعش) عبر هواتفهم الخلوية، غير قادر على جلب آلة حفر بدائية، لإخراج ابنته وضحايا آخرين من تحت الأنقاض. مرّت بعض القوات الأميركية في نهاية المطاف عبر حيّه، وافترض أنهم جاؤوا أخيرًا لتقديم المساعدة في إزالة الأنقاض، ولكن اتضح أنهم كانوا هناك لجمع معلومات عن مقاتلي (داعش) الأجانب، ممن عاشوا في حيّه، عندما طلب مساعدتهم في سحب جثة ابنته؛ أجابوا بأدب أنه ليس من مسؤولياتهم”.

عدّ حوري أن الدول الغربية المنضوية تحت لواء التحالف الدولي لمحاربة (داعش) تعاملت بمصلحة مطلقة مع أهدافها في دحر التنظيم، وفي هذا السياق، أوضح “عندما أثرتُ مسألة إعادة الإعمار والمساعدة مع بعض الدبلوماسيين الأوروبيين من الدول المشاركة في التحالف، كنت أُقابَل عادة بنظرات خاوية، وبأجوبة لا معنى لها”.

“حقيقةً، إن الدول الغربية تريد محاربة (داعش)، وخاصة المقاتلون الأجانب الذين قد يشكلون خطرًا على مجتمعاتهم مستقبلًا، لكن ما يحدث للمدنيين الذين سُحقوا في هذه العملية، لا يبدو أنه من مسؤولية أحد. يستخدمون المصطلح نفسه الذي استخدمه ماكغورك، (مشكلة دولية) يعيدنا هذا إلى السؤال الأول: الآن بعد استرداد مستشفى الرقة الوطني من (داعش)، من سيكون مسؤولًا عن إعادة بنائه؟”.

ناشط وصحفي من أبناء الرقة قال لـ (جيرون): “من المُستبعد بذل أي جهد في طريق إعادة التهيئة والإعمار، من قِبل أي قوة مُتدخّلة، قبل التوصّل إلى توافقات سياسية، فمرحلة إعادة الإعمار مرتبطة بتسوية سياسية، وأميركا لن تضح أموالًا في الرقة، قبل أن تُحسم لصالحها”، متوقعًا أن “تشهد المرحلة الراهنة عودة محدودة لبعض الأهالي، إلا أن تدفق أعداد كبيرة من نازحي الرقة إليها يبدو مستحيلًا في المستقبل القريب، لعدة أسباب على رأسها الدمار، وقواعد جديدة ستفرضها (قسد) على العائدين”. آ.ع.


جيرون


المصدر
جيرون