لماذا يجب منح القضية السورية أولوية؟



تمكنت ثورة الشعب السوري، خلال الأعوام الستة الماضية، من بعث الحياة في شعار الحرية والكرامة، وشكلت الثورة -على الرغم من تشرذمها ونعتها بكل الأوصاف، سواء كانت حقيقية أم ظالمة- العنوانَ السياسي العريض والكبير بإسقاط النظام، وتحميله مسؤولية الجرائم الكبرى بحق المجتمع السوري، بحيث بات الحديث عن أي جولة مفاوضات مرتبطًا بالإرث الثقيل الذي خلفته جرائم النظام، واستحالة وجوده ضمن ترتيبات مستقبل السوريين، على الرغم من العوائق الكثيرة التي تعترض ذلك.

قطَع هذا الإنجاز السياسي للشعب السوري مسيرةَ الجلجلة، بين دعوات خفض التصعيد وشن النظام وحلفائه الهجمات تلو الهجمات، لتقديم دلالات تحمل على الاعتقاد أنه “منتصر”، يحق له الانتقال إلى النقطة الأهم في مسار التفاوض من خلال الروسي والإيراني، خصوصًا بعد محاولات انتزاع المعارضة السورية “اعترافًا” إقليميًا ودوليًا بصفتها هذه، وبحقها في مداولات تقرير مصير مستقبل وطنها وشعبها.

حارب السوريون خلال ثورتهم هذه على جبهات ثلاث، شكّل الصراع مع النظام جبهتهم الأولى، كما شكل الصراع مع الأطراف الإقليمية والدولية الجبهة الثانية في مقاومة الضغوط، وبالنضال على هذه الجبهة؛ انتزعوا اعتراف العالم بمواجهتهم لفاشيّ تفوّق في القرن الحادي والعشرين على كل من سبقه. وشكّل الصراع الداخلي بين السوريين أنفسهم الجبهة الثالثة، وذلك بين الأطر السياسية والعسكرية التي انعكست خلافاتها على خلخلة الإطار العام للمعارضة السياسية، بهيئاتها ومنصاتها وأجنحتها العسكرية، في حين اتخذ الصراع على الأرض طابعه الحاد والتدميري لطبيعة الخصم الممثلة بالنظام وحلفائه، وتبعًا لطبيعة الوظيفة والدور المناط به.

أثبتت الثورة السورية حضورَها داخل المجتمع، كأمر واقع، حين فشلت حتى الآن كل محاولات النظام، مع استعانته بدولة “عظمى”، ودولة إقليمية وازنة بتصدير الإرهاب والقتل “إيران”، فشلوا في تركيع الشعب السوري أو فرض إملاءات عليه. على العكس تمامًا تجري عملية فرض الإملاءات على النظام، من خلال تكريس الاحتلال الروسي وفرض الهيمنة الإيرانية على النظام وقراراته “السيادية”، أمنية وسياسية، وحتى اقتصادية، من خلال الاستحواذ على عقود طويلة الأجل من النظام، إلى إقامة قواعد عسكرية ونقاط أمنية لمن هب ودب.

داخل البيت السوري، الذي تشكل المعارضة -سياسية أم عسكرية- العمادَ الأساس للقضية السورية، عجزت المعارضة عن أن تُشكل إطارًا جامعًا لهيئاتها وتشكيلاتها، مع أنها في حالة الشرذمة خلقت كل هذا الإرباك للنظام ومن يدعمه، فكيف يكون الحال إن توفر الإطار الأقوى، بالرغم من إقرار معظم المعارضة على مطالب السوريين العادلة فقد كان هناك، دائمًا، من هو على خلاف هذه المطالب، ويعمل على تحقير وتشويه نضالهم، ويعود هذا الأمر إلى تأثير النظام وبعض الدول على فصائل وقوى “تنتسب” لفظيًا إلى حقوق الشعب السوري، ويعود مجمل ذلك إلى نقطة جوهرية في وضع العمل السياسي السوري المعارض، هو أنه عمل في بيئةٍ طغى عليها القمع والاستبداد والتشويه.

يمكن ملاحظة أن العمل السياسي السوري، في سنواته الماضية، توزع على ثلاثة اتجاهات، وإذا دَفعت بالتحاليل نحو نهاياتها؛ فإن الإجابة عن التساؤلات التالية تشكل أرضية لتلك الاتجاهات:

هل قضية الشعب السوري وثورته قضية سورية محض؟ وهل قضية الحرية والكرامة والمواطنة  السورية، هي عربية تحتل موقع الصدارة؟ ولماذا يجب أن نمنح تلك القضية صدارة الوعي والاهتمام؟ باعتبار أن الصراع مع الاستبداد وهزيمته يعني استرجاع هذه القيم وشروطها بعد أن شكل السوريون رافعتها التاريخية، بعد هزيمة وتردي الشعارات المرتبطة بقضايا أخرى كالقضية الفلسطينية، وتحديدًا التي رفع رايتها النظام السوري في وجه شعبه، بينما كانت رايته الحقيقية طمعه الأبدي بالسلطة وتوريثها.

سواء تحدد التطور التاريخي في هذا الاتجاه أو ذاك؛ لا بد من ملاحظة أن العمل السياسي السوري المعارض تطوّرَ ونما في الأوساط السياسية العربية برعايتها أو التناقض معها، وفي إطار شروط أوضاع بعض السياسات العربية، يبدو أن التحكم في تطور الصراع مع النظام السوري سيبقى محكومًا لهذه الأوضاع التي تضغط للتعايش مع نتائج التدمير والمُدمِر في فترات المفاوضات. فرضُ الابتزاز والمساومة لن يضبط حركة المجتمع السوري ويعيد تطويعه مجددًا؛ لأن المفاوضات ليست نهاية النهايات، كما يتمنى أعداء الشعب السوري، بل هي البداية لإزاحة الطغيان، بعد أن تبلور وعي شعبي سوري ترجم نفسه خلال الثورة، لكن تجلت المأساة السورية في عدم وصولها إلى مستوى الاهتمام والرعاية على كافة المستويات، حتى تبقى قضية سورية خالصة.


نزار السهلي


المصدر
جيرون