اقتصادات دول الجوار.. تدفع ثمن طموحات الأسد



تعدّ منطقة الشرق الأوسط أكثر مناطق العالم تعقيدًا، حيث تندلع فيها، منذ عام 2011، صراعات دموية، كان أشدها خطرًا الحرب السورية التي أنتجت أزمة لجوء إنساني، لم تؤدّ إلى زيادة المخاطر على اقتصادات دول الجوار فحسب، بل خلقت تحديات إنمائية طويلة الأمد، تأثرت بها الدول المضيفة، وضيوفها على حد سواء.

طوال سنوات عديدة، بقيت سورية خارج مسوحات البنك الدولي، نتيجة مخاطر الحرب، وغياب البيانات الدقيقة -الرسمية- عن مجمل أوضاعها الاقتصادية المتردية. غير أن ذيول أزمتها حضرت بقوة، في آخر تقرير لمرصده الاقتصادي، حول آفاق اقتصادات الشرق الأوسط، الذي ما زالت معظم دوله تعاني من موجات اللجوء الكبيرة، وتداعياتها الاقتصادية والتنموية والاجتماعية.

تتحدث مؤشرات البنك الدولي، عن إمكانية تحسن اقتصادات دول الشرق الأوسط، في عامي 2019-2018 مع تجاوز معدل النمو 3 بالمئة، بعد أن اعتدل نشاطها الاقتصادي في 2017 بسبب بطء النمو الذي ما زالت مستوياته الإجمالية تمثل نصف ما كانت عليه، قبل أحداث الربيع العربي، مستفيدة من تحسن النمو العالمي، وزيادة آفاق التجارة مع أوروبا وآسيا، والاستقرار الذي تشهده أسواق السلع.

يربط تحليل المؤشرات آفاقَ الانتعاش الاقتصادي على المدى القصير بعدة عوامل، أهمها: عدم اليقين الناجم عن الصراعات التي طال أمدها في المنطقة، وانتشار أعداد هائلة من النازحين قسرًا، في دول ذات دخل متوسط، تقف عاجزة بمفردها عن مواجهة تحديات التنمية، والتكيف مع الضغوطات التي فرضت عليها.

يُعرف عن الأزمات والصراعات، بشكل عام، أنها تحدّ من القدرات (خسائر في الإنتاج وفرص العمل) وهو ما يمكن أن يؤثر على الإنتاج المحتمل على المدى المتوسط والطويل. فيما تُلحق خسارة دائمة باقتصادات الدول التي تشهد صراعات. فحتى إن عاد الإنتاج المحتمل إلى معدل نموه قبل الأزمة؛ فإنه سيفشل في تصحيح خسائر إنتاجه، وتجاوز خسارة أصوله المادية التي فقدها خلال سنوات الحرب.

تتصدر الصراعات السياسية وأزمة اللاجئين مقدمّةَ العوامل التي يرى البنك الدولي أنها تؤثر في آفاق النمو، في الدول الأصلية والدول المجاورة على المدى القصير. حيث فرضت تدفقات اللاجئين، ولا سيّما السوريين نتيجة عددهم الكبير، تحديات إنمائية أثّرت في الأداء الاقتصادي لمختلف دول المنطقة. وبحلول نهاية عام 2016، كان هناك أكثر من 5.4 مليون لاجئ سوري، يتركز نسبة 75 بالمئة منهم، في لبنان والأردن. وقد واجَه البلدان، في إثر ذلك، ضغوطًا متزايدة في قطاعي المالية العامة، والخدمات. ما زالت مستمرة حتى الآن.

شكّل السوريون الجزء الأكبر من اللاجئين والنازحين على مستوى الشرق الأوسط، تلاهم اللاجئون من العراق وليبيا واليمن. حيث شهد الصراع السوري نموًا مطردًا للاجئين بين عامي 2016-2012. وارتفع عدد المسجلين -بحسب المفوضية السامية لشؤون اللاجئين- بواقع 15 ضعفًا خلال عام واحد 2013-2012، ثم تضاعف العدد الجديد أربعة أمثاله مع نهاية عام 2016، إذ بلغ نحو 5.4 مليون لاجئ. وتشير بعض التقديرات إلى أن عدد اللاجئين غير المسجَّلين قد يوازي عدد اللاجئين المسجَّلين.

تعاني الأوضاع الاقتصادية في لبنان والأردن، كما يرى الخبير الاقتصادي مسعف الخوالدة من أزمات ومشكلات قديمة لا علاقة لأزمة اللاجئين بها. لكن الأخيرة زادت الطين بلة، حيث أضافت أعباء اجتماعية واقتصادية متزايدة على المجتمعات المحلية فيها، أدت إلى تفاقم التحديات الإنمائية القائمة مسبقًا.

خلال السنوات 2017-2014 تراجع نمو إجمالي الناتج المحلي الحقيقي في الأردن، على التوالي، من 3.1 بالمئة إلى  2.3بالمئة. فيما حافظ على معدله خلال الفترة ذاتها في لبنان،  2.0 بالمئة، باستثناء عام 2015 الذي تراجع فيه إلى 0.8 بالمئة.

بحسب الخوالدة، في حديثه لـ (جيرون)، فإن أزمات البلدَين باتت مكشوفة؛ حيث يواجهان عجزًا في خدمات التعليم والصحة وقطاع سوق العمل (ارتفاع نسبة البطالة) الذي من المفترض أن يوفر للاجئين كسب عيشهم. يقول: التفتت الدول المانحة إلى هذه المشكلات، عندما اعتمدت في السنتين الأخيرتين سياسةَ المعونة الإنمائية والتمويل الميسر، التي تتطلب زيادة نوعًا ما، لكنها إلى جانب تنويع الأنشطة الاقتصادية وتعزيز بيئة الأعمال، واستمرار الدعم الإنساني، ستُحسن الظروف الاقتصادية بشكل واضح.

يصنف الأردن تاسع أكبر متلقٍ للمساعدات الإنمائية الرسمية، حيث حصل بين عامي 2015-2014  على قرابة 2.5 مليار دولار. ومن هذا المبلغ، تم تقديم  30بالمئة على شكل معونات إنسانية، تم توجيه معظمھا إلى اللاجئين السوريين. بينما تلقى لبنان خلال الفترة نفسھا 975 مليون دولار، شكّلت المعونات الإنسانية نحو 60 بالمئة منها.

سبق للجمعية العامة للأمم المتحدة أن اعتمدت إعلان نيويورك، من أجل اللاجئين والمھاجرين في أيلول/ سبتمبر2016 ، ويهدف الإعلان إلى تحسين طريقة استجابة المجتمع الدولي لتحركات اللاجئين واسعة النطاق، وأوضاع اللجوء طويلة الأمد؛ بهدف تخفيف الضغوط على البلدان المضيفة،  وتعزيز اعتماد اللاجئين على ذاتھم، وتوسيع نطاق الحلول، ودعم الظروف في البلدان الأصلية للاجئين، لعودتهم إليها بكرامة وأمان. وقامت الأمم المتحدة والبنك الدولي والبنك الإسلامي للتنمية، بالتعاون الوثيق مع الدول المانحة وشركاء دوليين، بتدشين برنامج “تسھيلات التمويل الميسَّر” الذي استفاد منه الأردن ولبنان، في الحد من تكلفة قروض بنوك التنمية متعددة الأطراف. كما مكّنت المنحُ البلدين من الاقتراض بتكلفة ميسورة؛ لتمويل مشاريع إنمائية تعود بالنفع على اللاجئين والمجتمعات المحلية المضيفة لهم، في آن معًا.


علاء كيلاني


المصدر
جيرون