أنطونيوني أمام الكاميرا وخلفها

24 تشرين الأول (أكتوبر)، 2017
6 minutes

“الكاميرا هي عين النميمة مختبئة خلف ثقب المفتاح”.

“حين أسافر إلى بلاد أخرى، أتمثل جزءًا من ثقافتها، وأخسر جزءًا من ثقافتي”.
“لا يحتاج الممثل السينمائي إلى أن يفهم. بل يحتاج إلى أن يكون”.
“لا يفعل المخرج شيئًا سوى البحث عن ذاته في أفلامه”.
“أنا أؤمن بالارتجال، وليس من عادتي أن أهيئ نفسي لمواجهة العمل”.

إن حياة المخرج السينمائي الإيطالي مايكل أنجلوا أنطونيوني، هي في الحقيقة أكثر من حياة على المستوى الإبداعي. فهو الرسام والكاتب والمترجم والناقد والرياضي، وأخيرًا المخرج. فلماذا سيطر هذا اللقب الأخير عليه؟ هذا ما لم تفصح عنه الحوارات الصحفية التي أجريت معه، والكتب التي كتبت عنه، بما فيها كتاب (بناء الرؤية) الذي ترجمته أبيّة حمزاوي، وصدر عن وزارة الثقافة السورية عام 1999، فقد سئل ذات يوم من عام 1985 عن المكانة التي يشغلها الرسم والكتابة في حياته، فأجاب: في فترات الانقطاع عن العمل، أكرس نفسي لكتابة القصص التي تصبح كتبًا فيما بعد. أما الرسم فإنه شيء مختلف، وأنا عادة أفضل الرسم على الكتابة. إنه يقلقني أقل.. حين ترسم يقود الحدس يدك.

ولد مايكل أنجلو أنطونيوني (Michelangelo Antonioni) عام 1912، تخرج من جامعة بولونية كلية الاقتصاد. ظهرت أولى بوادر اهتمامه بالسينما في مقالاته التي كتبها لجريدة (ليفرارا) ثم لمجلة (السينما) في أثناء وجوده في روما. ثم قام بدراسة التكنيك والإخراج السينمائي في معهد (سيير مينتال دي سينماتوجرافيا) لمدة عام؛ لتبدأ انطلاقته نحو الفن السابع. عمل كاتب سيناريو ثم مساعد مخرج لأنريكو فولكينيوني ومارسيل كارينه. صوّر أول أفلامه (سكان سهل البو) عام 1947 ثم (حكاية قصة حب) عام 1950، إلا أن شهرته كمخرج عالمي لم تتحقق إلا مع فيلم (الانفجار) 1966 الذي فتح أمامه العالم، فأخرج بعده فيلم (نقطة زابريسكي) عام 1970 في الولايات المتحدة الأميركية، ثم تلاه بفيلم (تشونغ كيو). وفي عام 1974 صوّر فيلم (المسافر)، وهو من إنتاج عالمي في كل من إسبانيا وأفريقية. وقد منح جائزة الشرف في الأوسكار عام 1982 مع فيلم (هوية امرأة). حصل أنطونيوني على العديد من الجوائز في حياته المهنية، فهو واحد من ثلاثة مخرجين فازوا بالسعفة الذهبية، الأسد الذهبي، والدب الذهبي، وهو المخرج الوحيد الذي فاز بتلك الجوائز الثلاث بالإضافة إلى النمر الذهبي. لقد تحمل أنطونيوني مسؤولية أفلامه، وقام بتمويلها، ولهذا نراه أسند الأدوار إلى ممثلين محترفين. ويعتبر أنطونيوني المرأة جزءًا مهمًا من عمله السينمائي، جزءًا جماليًا جذابًا، وقد لعبت الممثلة الإيطالية (مونيكا فيتي) أدورًا مهمة في أفلامه قبل انفصالهما. ومن أهم الكتب التي كتبت عن مايكل أنجلو أنطونيوني كتاب رولان بارت (عزيزي أنطونيوني).

سينما أنطونيوني هي سينما المشاعر الإنسانية التي تتعرض لمأساة الوجود الإنساني والاغتراب؛ وذلك لأن أفلامه تبدأ كما يقول: من مشاهداتي للحياة الحقيقية، تتحول هذه المشاهدات إلى نوع من الغذاء الروحي، إن خلق عمل فني لا يعني أن تبتكر أشياء من لا شيء، بل أن تعيد صناعة ما هو قائم فعلًا، حسب طبيعتك وأسلوبك الشخصي.

لم يكن أنطونيوني ملتزمًا برسالة سياسية أو اجتماعية. فقد كان الناس كل الناس هاجسه، باعتبارهم مادة المجتمع. انطلاقًا من هذا الالتزام المفتوح قامت أفلامه على القصص التي يكتبها هو، لأن جميع القصص والروايات الأخرى كانت ملتزمة برسالة ما محدودة، حسب رأيه.

يختلف أنطونيوني، في رؤيته لعمل المخرج، عن كل المخرجين الآخرين، فهو أول مخرج أوروبي يستخدم تقنية اللقطة الطويلة، وهو أول مخرج ترك الكاميرا تتابع التصوير بعد انتهاء المشهد، وذلك لالتقاط أفكار الممثلين وحالاتهم الذهنية. كما يقول! أما بالنسبة إلى الممثلين فإنه يرى أن الممثل ينبغي أن يعمل على الصعيد الخيالي لا النفسي، لأن الخيال يأتي عفويًا، وبلا وسيط (أنا أفضل الحصول على النتائج بطرق خفية، وذلك بأن أحرض لدى الممثل بعض مميزاته غير الواضحة، التي لا يدرك وجودها هو نفسه). أمّا الرؤية التي شغلها عنوان الكتاب الذي قامت بترجمته أبية حمزاوي (بناء الرؤية)، فإنها الرؤية البصرية التي يعتبرها أنطونيوني ضرورة (أنا أحب –تقريبًا- كل شيء أراه، وما يشغلني باستمرار ولا أتعب منه أبدًا: النظر؛ إذ لا يكمن اختراق الحدث بتقرير، فالرؤية البصرية بالنسبة لنا نحن -صانعي السينما- هي ضرورة.

يتضمن الكتاب مجموعة حوارات وأحاديث أجريت مع المخرج في أوقات مختلفة، إضافة إلى مجموعة مقالات مختصة بأفلامه التي أخرجها، وهي تشبه الدراسات إلى حد ما، ويغلب عليها الأسلوب الأدبي.

لم يبحث أنطونيوني عن تفسير لأفلامه، أو تبرير لوجودها، فهو يرى أن المخرج هو: رجل له أفكار، مثلما هو فنان له خيال، قد يكون جيدًا أو سيئًا، وأعتقد أن لدي قصصًا يمكن روايتها، وأخرى يمكن تقديمها. وحين يُسأل عن الإخراج، وماهيته، تكون إجابته: إنني لا أعرف، وآرائي عن هذا الموضوع تحملها أفلامي.

توفي أنطونيوني عن عمر يناهز 94 عامًا، في 30 يوليو 2007 في روما، في اليوم الذي توفي فيه المخرج السينمائي الشهير إنغمار برغمان، ودفن في مسقط رأسه بلدة فيرارا.

إبراهيم الزيدي
[sociallocker]

المصدر

[/sociallocker]

جيرون