‘فزغلياد: الحقيقة الكاملة أكثر قسوة، أشد حدة، مأسوية ومخجلة’

26 تشرين الأول (أكتوبر)، 2017
10 minutes

الصورة: Morukc Umnaber/DPA/Global Look Press

لانتزاع الرقة من أيدي إرهابيي (تنظيم الدولة الإسلامية)؛ تمّ تدميرها بالقصف، كما دمّرت من قبلُ مدينة (درِسدن) عام 1945. هذا التقييم صدر عن وزارة الدفاع الروسية، حيث توجد قناعة بأن الملايين التي خصصها التحالف لإعادة إعمار هذه المدينة السورية تهدف إلى إخفاء آثار “القصف الهمجي”. فما مدى صحة هذا الخطاب القاسي بحق التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية؟

الممثل الرسمي لوزارة الدفاع الروسية الجنرال إيغور كوناشينكوف قارن قصْفَ المدينة السورية، من قِبل قوات التحالف بقيادة الولايات المتحد الأميركية، بالقصف الجوي الأنكلو-أميركي الذي تعرضت له مدينة درِسدن الألمانية التي مُسِحت عن وجه الأرض في عام 1945.. على هذا النحو، علق كوناشينكوف على عملية تحرير الرقة من مقاتلي (تنظيم الدولة الإسلامية).

وكان قد أعلن، أنه ابتداءً من صيف هذا العام، بلغ عدد المدنيين الذين لاقوا حتفهم في الرقة أكثر من ألف شخص، من ضمنهم 300 طفل. أما من المقاتلين، فقد سقط في المعارك قرابة الألفين من الجانبين. وبحسب كلام ممثل وزارة الدفاع الروسية، فقد كان يقطن الرقة قبل الحرب 200 ألف شخص، وقبل بدء العملية العسكرية التي استغرقت 5 أشهر تقريبًا، كان فيها قرابة 45 ألف شخص. وقارن بينها وبين مدينة دير الزور، حيث كان يعيش 500 ألف شخصٍ تقريبًا،  ومع ذلك “تمكنت القوات السورية، بدعمٍ من القوات الجوية الروسية، من تحريرها، في غضون 10 أيام فقط”.

الآن، يعلن التحالف الغربي عن تخصيص ملايين الدولارات، لإعادة الحياة الطبيعية في الرقة، ولكن كوناشينكوف واثقٌ من أن التحالف، في حقيقة الأمر، يريد طمس “معالم قصفهم البربري”. أما روسيا -يتابع الجنرال- فقد كانت طيلة السنوات الأخيرة تدعو الولايات المتحدة الأميركية وحلفاءها الأوربيين إلى إرسال مساعداتٍ إنسانية إلى المحافظات السورية، من دون تصنيفها إلى “سيئة” و”جيدة”، الأمر الذي رُفض عدة مرات. أي أن الأميركيين لا يريدون إعادة إعمار المناطق التي دمّرها الإرهابيون، كحلب وغيرها من المدن السورية، أما بخصوص الرقة، فقد أبدوا حماسةً كبيرة، وطالبوا كلًا من فرنسا ألمانيا وبريطانيا أيضًا، بتخصيص موارد لهذا الغرض.

يوم الجمعة، أعلنت قوات سورية الديمقراطية (التي تضم أيضًا وحدات عربية) رسميًا عن تحرير الرقة من قبضة (تنظيم الدولة الإسلامية). بدأ الهجوم على معقل التنظيم في 6 تموز بدعمٍ من الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها. والآن، ستنقل السلطة في المدينة إلى إدارةٍ مدنية، بينما ستتولى الأمن فيها قواتٌ من الشرطة.

كان الإسلاميون يتوقعون تطوّر الأحداث على هذا النحو. لذا عملوا -منذ بداية العام- على نقل مركز قيادتهم من الرقة إلى مدينة الميادين. ومع ذلك، أنزل فقدان الرقة ضربةً قاسية بسمعة التنظيم. في (تنظيم الدولة الإسلامية) ينطلقون من حتمية تمدد الخلافة “الحقيقية”. وبما أن ذلك لا يحدث، فهذا يعني أن “الخلافة” التي أعلنها التنظيم ليست حقيقية. بعد فقدان الرقة، يمكن أن يفقد الكثير من الإسلاميين، في سائر أرجاء العالم، اهتمامَهم بهذه الحركة/ الفكرة، ويبدؤون بالعودة إلى الحياة المدنية.

بفضل الرقة، كانت (الدولة الإسلامية) تسيطر على الطريق من “الخلافة” إلى تركيا، حيث يبادل النفط بالمواد الغذائية، ويأتي عبره المتطوعون الجُدد وتصل الأسلحة والذخائر. كما كان المقاتلون المصابون يرسَلون، عبر الرقة، لتلقي العلاج في تركيا. قبل يومٍ، وصف الرئيس الأميركي دونالد ترامب النصرَ في الرقة بـ “الاختراق البالغ الأهمية”، في الحرب على (تنظيم الدولة الإسلامية). والآن: “لم تعد نهاية خلافة (تنظيم الدولة الإسلامية) بالبعيدة”. بالمناسبة، أثارت التصريحات الصاخبة، عن “الانتصار الباهر” على (تنظيم الدولة الإسلامية) في الرقة، “حيرةَ” كوناشينكوف.

تتفق آراء الخبراء أن وزارة الدفاع الروسية لا تبالغ أبدًا، عندما تقارن ما يجري في سورية بما جرى في أثناء الحرب العالمية الثانية. عدا ذلك، لا يعني خروج المقاتلين من المدينة المدمرة، أن دمشق ستفرض سيطرتها على هذه المناطق.

يرى رئيس قسم العلوم السياسية والاجتماعية في جامعة بيلخانوف للاقتصاد، ألكسندر بيرينجييف، أن كوناشينكوف أراد بوصفه الطريقة البربرية، التي لجأت إليها الولايات المتحدة الأميركية لتحرير الرقة، التأكيدَ على تقليدٍ متبعٍ لدى القوات الأميركية. “نحن نرى أنهم لا يعرفون أسلوبًا آخر لخوض الحروب. لم يكن  قصف (درِسدن) حقيقةً تاريخيةً بسيطةً، يمكن نسيانها. هذا يدل على أن كل شيءٍ يمكن أن يتكرر تحت هذه الظروف أو تلك. ليس الأمر مصادفةً، إنه تجلي نظام الولايات المتحدة الأميركية العسكري-السياسي. والولايات المتحدة الأميركية لن تخوض أبدًا حربًا بطريقةٍ إنسانية، بل بصورةٍ وحشيةٍ على الدوام”، قال بيرينجييف لصحيفة (فزغلياد). وبحسب رأيه، فإن رغبة الولايات المتحدة الأميركية في إنفاق ملايين الدولارات يؤكد استراتيجيتها بالحصول على مكاسب من تدمير المدن. “في الحالة الماثلة أمامنا، فإن تخصيص الأموال لإعادة إعمار الرقة لا يتم لطمس الآثار فحسب، فالحديث يدور عن جعل الأصول التي ستقام مكان الرقة المدمرة، ليست من ملكية الحكومة السورية، بل أن تصبح هذه الممتلكات لأولئك الأشخاص الذين توجههم الولايات المتحدة الأميركية. إنه مشروع لإلحاق الرقة بتلك القوى السياسية، المسيطر عليها من قبل واشنطن. الحديث الآن يدور عن الرغبة في تحويل الرقة إلى عاصمة كردستان السورية، وبعدم السماح لسيطرة الحكومة السورية على تلك المناطق”، يفترض الخبير، مضيفًا أن تكتيك إدارة المعارك، بهذه الطريقة البربرية، يهدف إلى إجبار السكان المحليين على مغادرة المدينة وتوطين سكانٍ موالين لواشنطن بدلًا عنهم.

من جانبه، قال الخبير السياسي الإسرائيلي، المدير السابق لجهاز الاستخبارات (ناتيف) يعقوب كيدمي: إن من الواضح للجميع أن الاستيلاء على الرقة تمّ عن طريق القصف الشديد بالطائرات والمدفعية. وقال للصحيفة: “لا تعير وسائل الإعلام الغربية اهتمامَها لهذه الأمور. ومَن ينظر إلى المدينة؛ يرَ أنها مدمرة بالكامل”.

يؤكد الخبير: في الأشهر الماضية، عندما انطلقت عملية تحرير حلب، بأمرٍ من فلاديمير بوتين؛ أُنجزت العملية من دون استخدام الطائرات والمدفعية. ونوه كيدمي: “وهذا أيضًا مما سكتت -وما تزال- عنه وسائل الإعلام التي حاولت تصوير تحرير حلب كهجومٍ بربري وحشي، قامت به الطائرات الروسية التي لا تكترث بالضحايا البشرية، على الرغم من أنه لم يحدث أي قصفٍ، خلال الأشهر الثلاثة الماضية”.

بحسب الخبير الإسرائيلي، فإن كوناشييف بتصريحاته الحادة يحاول استعادة جزءٍ صغير من العدالة التاريخية، بشأن الثمن الباهظ الذي دفعته مدينة الرقة التي لم تعد موجودةً اليوم، عمليًا.

خلص كيدمي إلى نتيجةٍ: “نسمع الآن تصريحات منافقة حول ضرورة إعادة بناء الرقة، ولكن في حقيقة الأمر، لا أحد في الغرب يفكّر في إعادة إعمار حلب وسواها من المدن السورية التي دمّرت خلال سنوات الحرب الثلاثة، على يد الإرهابيين بالدرجة الأولى. لا يصل من الغرب غرامٌ واحدٌ من المساعدات، وأصبح 80 بالمئة من سكان البلاد نازحين، ويعيشون في المناطق التي حررتها روسيا. كلمات كوناشييف لا تحتوي الحقيقة كلها.. الحقيقة الكاملة أكثر وأشد قسوة، مأسويةٌ ومخجلة”.

بدأ قصف مدينة درِسدن، في الرابع عشر من شباط 1945، عندما ألقت القاذفات البريطانية حوالي ألف قنبلةٍ حارقة ومتفجرة على المدينة النائمة. تكررت الغارات ليل نهار بقوةٍ مضاعفة، بمشاركة القاذفات الأميركية. وانتهى التدمير في 15 شباط. نتيجة القصف؛ أصبحت درِسدن -وهي المدينة السابعة من حيث الحجم في ألمانيا قبل الحرب- أثرًا بعد عين. فاقت المساحة المدمرة في المدينة حجم الدمار الذي أحدثته القنبلة الذرية التي ألقيت على مدينة ناغازاكي اليابانية، في التاسع من آب عام 1945. بحسب التقديرات، بلغ عدد قتلى درِسدن ما بين 25 – 135 ألف شخص. في الغرب يؤكدون أن القصف جاء بناءً على طلب القيادة السوفيتية لقصف عقدة السكك الحديدية في درِسدن؛ إلا أن الوثائق التي رُفعت عنها السرية، تثبت أنه لم يُطلب من الحلفاء البريطانيين والأميركيين قصف درِسدن. يرى علماء التاريخ الروس أن الحلفاء الغربيين قرروا التصرف بهذا الشكل، لاستعراض قدراتهم العسكرية/ الجوية لردع الجيش السوفييتي الأحمر.

اسم المقالة الأصلية
«Вся правда еще более жесткая, острая, трагичная и постыдная»

كاتب المقالة
أندريه ريزتشيكوف

مكان وتاريخ النشر
فزغلياد. 22 تشرين أول 2017

رابط المقالة
https://vz.ru/politics/2017/10/22/131914.html

ترجمة
سمير رمان

سمير رمان
[sociallocker]

المصدر

[/sociallocker]

جيرون