دراسة لـ (حرمون).. الاستقطاب الديني يعزز صمود الأسد



أكدت دراسة تحليلية صادرة عن وحدة الأبحاث الاجتماعية في مركز (حرمون للدارسات المعاصرة)، بعنوان (عوامل بقاء نظام الأسد حتى الآن في الحرب السورية: منظور تاريخي)، أن نظامَ الأسد لم يسقط، طوال هذه المدة، ليس فقط بفعل الدعم الدولي وهشاشة المعارضة، وإنما نتيجة عوامل أخرى ساعدته في الحفاظ على شبكات اقتصادية ودينية، ترتبط مصالحها ببقائه، في ما أسماه الكاتب (ألكساندر أستون- وارد) استقطابًا للقوى المؤثرة: “الطرق التي استقطب النظام فيها النخبَ الاقتصادية والدينية -بينما تكيّف مع التغييرات المحلية والدولية- كانت حاسمة في مواصلة صموده في أثناء الحرب في سورية”.

“حافَظ نظام الأسد على قوته، طوال الصراع الذي امتد لست سنوات وأودى بحياة نصف مليون سوري، ويواصل تعزيز موقفه. وفي التحليل المعاصر، تُعزى قدرته على الصمود إلى الدعم الذي حصل عليه من حلفائه الدوليين، كروسيا وإيران و”حزب الله”، والشقاق والتطرف في صفوف المعارضة، إضافة إلى محاولته الناجحة بتقديم نفسه على أنه الإمكانية الوحيدة لحكومة سورية مستقرة وعلمانية”.

تطرّقت الدراسة المنشورة، في 23 تشرين الأول/ أكتوبر 2017. (https://harmoon.org/archives/7099) إلى الأعمال التجارية والاقتصادية التي أسس لها نظام (الأسد الأب) وساعدت النظام في الصمود: “عندما استولى حافظ الأسد على السلطة؛ اعتبرت الأغلبية السنية أن طائفته العلوية متخلفة دينيًا، كما اعتبرت فكر البعثيين في النظام لا يتفق ونظرتها إلى العالم، وأنه تهديد كبير لمصالحها الاقتصادية. وعلى الرغم من تلك الشكوك، استطاع النظام توسيع الدعم داخل المجتمعات التي همّشها سياسيًا، ولا سيّما التجار الأثرياء والطبقات الصناعية والتجارية، في حلب ودمشق، مع تعزيز مصالح العلويين والأقليات الأخرى. وقد أدى هذا إلى تعزيز قاعدة مؤثرة من رجال الأعمال ذوي الحصة المكتسبة في إطالة عمر النظام، وتحقق عبر إصلاح زراعي وتحرر اقتصادي محدود، من خلال النمو الاقتصادي الذي تقوده الدولة”.

أما حول استقطاب داعمي الأعمال بعد الثورة، فقد أشارت الدراسة إلى أن النظام “حافظ جزئيًا على دعم الأعمال التجارية، من خلال التكيف مع اقتصاد الحرب، والحفاظ على كلٍّ من الدولة والنخب المتحدة والمستقلة التي ما تزال تعتمد على سلطة النظام. فالنظام، ذو الإمدادات المحدودة من الطعام والوقود والسلع الحيوية الأخرى، كان قد سمح لرجال الأعمال بإجراء صفقات مربحة بين خطوط المعارك. وقد شارك رجال الأعمال الحكوميون في صفقات مع تنظيم الدولة وجماعات متمردة أخرى، من أجل الحفاظ على خزائنهم، وعلاوة على ذلك، فإن خصخصة النفط -ولا سيّما بعد أن وفرت إيران مبلغ 3.6 مليار دولار لشرائه- أثبتت جدواها، ووفرت مصدرَ إيرادات مهمًا. ولعبت هذه التجارة غير المشروعة، إلى جانب الدعم المالي من إيران وروسيا، دورًا حاسمًا في الحفاظ على دعم قطاع الأعمال والمجتمع السوري الأوسع”.

من جهة أخرى، فصّلت الدراسة سياسة النظام في تعامله مع النخب الدينية التي خدمته، خلال الثورة “فالطرق التي طوّر بها النظام استراتيجية قوية لتشكيل واستقطاب مختلف المؤسسات الدينية، ولا سيّما علماء السنة السوريين، تُعد في غاية الأهمية لفهم إطالة عمره”.

“من خلال استقطاب انتقائي لنخب دينية مختارة في سورية، فضلًا عن تكيف السياسة الخارجية دعمًا للرأي العام المحلي، حافَظ النظام على عنصر كبير من الدعم بين السُنّة من السوريين. وكنتيجة لذلك، لم يتفاعل السكان من السنة في سورية مع ثورة 2011 كحركة موحدة. والهدوء الذي أظهره علماء الدين السوريون، منذ اندلاع الثورة، يدل على نجاح تدابير الاستقطاب للنظام”.

خلُصت الدراسة إلى أن سياسات الاستقطاب الديني وتكييف السياسات التي اتبعها النظام “ردًا على غزو العراق، وظهور العنف المتطرف في المنطقة، سمح للنظام بالحفاظ على دعم السُنّة، مع التخفيف من النداءات المتزايدة، من أجل إرساء الديمقراطية في السنوات التي قادت إلى الصراع. وقد مكّن هذا الاستقطاب النظامَ من وضع نفسه على أنه نظامٌ ديني تعددي، معقلٌ للعلمانية في مواجهة المعارضة السنية المتطرفة، وهي معارضة صوّرها النظام بأنها تهدد المناخ الديني المعتدل في سورية، إضافة إلى تهديدها للعديد من الأقليات”.

يذكر أن ألكساندر أستون-وارد باحثٌ زائر في مركز حرمون للدراسات المعاصرة، محللٌ سياسي بريطاني، حاصل على درجة الماجستير في الصراع والأمن والتنمية من جامعة ساسكس–برايتون/ المملكة المتحدة (Sussex University – Brighton, UK)، مجالات اهتمامه تكمن في سياسات الشرق الأوسط المعاصرة ودراسات التنمية الدولية والصراع في المنطقة.

أطلق مركز (حرمون للدراسات المعاصرة) “برنامج الباحثين الزائرين الدوليين”، يوم 4 تشرين الأول/ أكتوبر 2017 في المجالات القانونية والحقوقية؛ وهو برنامج محدّد المدة، بين 3 و6 أشهر، يستضيف فيه المركز باحثين، عربًا وأجانب، في حقول الدراسات القانونية وحقوق الإنسان والقانون الدولي، في مكاتبه بالدوحة وغازي عينتاب، وتشمل موضوعات البحث والعمل في البرنامج: البحث في القضايا القانونية والدستورية، صوغ البيانات الصحفية الحقوقية، المساعدة في أنشطة المحاماة الدولية، رحلات ميدانية، وبعض المهمات الإدارية القانونية.


جيرون


المصدر
جيرون